خبر كيف ­صفى داعش- يديعوت

الساعة 11:46 ص|29 نوفمبر 2015

فلسطين اليوم

ما لا يفهمه الغرب

بقلم: سيفر بلوتسكر

 (المضمون: داعش على نقيض من العدميين يعتمد على ايمان ديني متزمت، على طاعة لايات القرآن نصا، يتبنى ايديولوجيا شمولية مثل الشيوعية والنازية. - المصدر).

في ضوء جرائم داعش أصدر الرئيس الامريكي براك اوباما قبل أكثر من سنة رد فعل غاضب وصف فيه الحركة بانها ذات « فكر عدمي » بل و « عدمي متطرف » (في خطابه في قمة الناتو). وكرر وزير الخارجية جون كيري ذلك بسلسلة من الخطابات؛ فداعش، على حد قوله، هو « حركة عدمية عديمة القيم ».

اما هو فلا. آخر شيء يمكن أن نصف فيه « الدولة الاسلامية » هو كونها عدمية. فالعدمية الحديثة ولدت في أواخر القرن التاسع عشر لدى مثقفين يائسين في الامبراطورية الروسية، تبناها مفكرون يائسون مثلهم في الغرب وبلغت ذروتها في كتابات الفيلسوف الالمانية فردريك نيتشه. بالخلاصة، العدمية هي الغياب المطلق للايمان، الذي يسمح للعدميين بان يتجاهلوا القيم، الايديولوجيات والقيود الاخلاقية في عالم « مات فيه الرب »، على حد قول نيتشه.

 

 اما داعش، فخلافا لهذا الفهم، يعتمد على ايمان ديني متزمت، على طاعة لايات القرآن نصا، على حرب مقدسة عالمية هدفها اقامة مملكة اسلامية عديمة الحدود، على أجر وعقاب وحشيين وعلى استعداد للتضحية التامة بالذات من أجل المثل التي خطها التنظيم على أعلامه السوداء. وعلى نقيض من العدميين، يتبنى داعش ايديولوجيا شمولية مثل الشيوعية والنازية.

ومع أن الخطأ في تشخيص داعش اتضح جيدا لاوباما والناطقين بلسان ادارته، إلا أنهم كرروه. وحتى هيلاري كلينتون التي تجتهد بشكل عام لان تختلف مع صياغات اوباما، استخدمت تعبير « العدمية البربرية » كوصف لداعش. في أعقاب العمليات في باريس، اصبح لقب « العدميين » دارجا ايضا على لسان سياسيين ومحليين اوروبيين. فالعناد الغربي المغلوط للنظر الى داعش كتنظيم يزرع الموت ليس باسم رب الاسلام بل لانه يئس من الاسلام او من رب الاسلام، يمكنه أن يفسر فقط بالانغلاق خلف سور السلامة السياسية. ولكن كلما اتسعت العمليات، تفككت السلامة.

« الديمقراطيون يميلون للاعتقاد »، كتب مؤخرا في هذا الموضوع البروفيسور مارتي كابلان في الموقع الامريكي « هبنتاغون بوست »، « بانه من خلال تعريف داعش كايديولوجيا عدمية، فانهم يعزلونه عن الدين. هذا اعتقاد عابث. فتعبير العدمية ينتمي للرواية الغربية عن الرب الذي خيب الامل واختفى. اما داعش فليس جزءا منها، بل العكس. فرغم أن الامر ليس مريحا جدا للكثيرين، فان شر داعش متجذر عميقا في القرآن. فهذه هي القراءة الاكثر اخروية، الاكثر محافظة، الاكثر تزمتا وحرفية له – ولكن هذا مع ذلك هو القرآن. من السخف والخطر عزوه للهجران ».

من المهم أن نقتبس هنا ايضا أقوال السناتور برني ساندرس، الذي يتنافس على ترشيح الرئاسة عن الحزب الديمقراطي: « تنظيمات مثل داعش هي خطر على المجتمع في عصرنا بصفته هذه. فكل الدول الاسلامية في الشرق الاوسط يجب بالتالي ان توسخ ايديها وان تخرج الى حرب برية ضده. على العالم ان يتحد تحت قيادة امريكية ويخرج لتدميره من الاساس. نحن قادرون على ذلك ». وعلى لسان ساندرس بالذات، اليهودي المتماثل مع اليسار الامريكي الراديكالي نسبيا، فان داعش ليس « قدرة عدمية » بل طائفة اسلامية متزمتة يحركها فكر شمولي.

ان الفهم بان داعش هو بالفعل حركة مفعمة بالايديولوجيا سيشق الطريق نحو بلورة استراتيجية حرب سليمة ضده. فرجال أمن اسرائيليون كبار، في الحاضر وفي الماضي، يقدرون بسنتين – ثلاث سنوات الزمن اللازم للقضاء على السيطرة العسكرية لداعش في الشرق الاوسط – ولا سيما من خلال عملية برية مكثفة. ولكن عشر سنوات على الاقل سيتطلب الامر، برأيهم، للاقتلاع بنجاح، أفكار واراء داعش في وعي الملايين – ربما عشرات الملايين – من المؤمنين بها. وذلك شريطة أن يقوم حياله بديل ايديولوجي اسلامي معتدل وجذاب، ديني – قومي – ديمقراطي. البديل الذي ينقص اليوم هو أغلب الظن سينقص غدا ايضا.