خبر تصعيد نتنياهو أحادي الجانب... الرهان على خلفاء عباس

الساعة 08:55 ص|12 نوفمبر 2015

فلسطين اليوم

خلافاً لتقديرات عدد من المحللين السياسيين والعسكريين الذين اعتبروا، أخيراً، أنّ الانتفاضة الفلسطينية في القدس، هي الثمن الذي تدفعه إسرائيل مقابل سياسة إدارة الصراع التي انتهجها نتنياهو منذ عودته لرئاسة الحكومة عام 2009 لغاية اليوم، تشير تصريحات نتنياهو في اليومين الماضيين، خلال لقائه بالرئيس الأميركي باراك أوباما والمقابلات الصحافية المختلفة والندوات التي شارك فيها، إلى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية عازم عمليّاً على مواصلة هذه السياسة وتطويرها والمضي بها قدماً نحو خطوات فعلية ميدانية، تكرّس حالة الاحتلال ريثما « تنضج ظروف مؤاتية » لتحرّك باتجاه تسوية لإنهاء الصراع وفق شروط الاحتلال.

وتدلّ تصريحات نتنياهو، أمس الأوّل الثلاثاء، خلال محاضرة له أمام معهد أميركي مقرّب من الحزب الديمقراطي وإدارة أوباما، « سنتر فور أميركين بروغرس »، (Center for American progress)، غلى أنه يمهّد لاتخاذ خطوات أحادية الجانب في الضفة الغربية المحتلة ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ونقلت الصحف الإسرائيلية تصريحات نتنياهو، عن أنّه « لا يرى حلاً ممكناً لمسألتَي القدس المحتلة والسيادة على المسجد الأقصى، إذ يجب أن يبقى المسجد الأقصى تحت السيادة الإسرائيلية »، معتبراً أنّ « خطوة إسرائيلية من جانب واحد، يجب أن تستوفي الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية وأن تكون جزءا من تفاهمات دولية واسعة ».

ونظراً إلى مواقف نتنياهو المعلنة، يمكن الاستنتاج أنّ الحديث يدور عملياً عن انسحاب إسرائيلي من جانب، بل وربما في الواقع، عملية إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية، وتعزيز بقاء الاحتلال على مناطق واسعة من الضفة الغربية وفق خريطة الاستيطان الإسرائيلية في الكتل الكبيرة، مع الإبقاء على الوجود الإسرائيلي في غور الأردن تحت مسميات الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية. كما يوحي حديثه عن توافق دولي واسع في هذا السياق، باحتمالات توافق إسرائيلي أميركي على موضوع الانسحاب من مناطق في الضفة الغربية من دون الكتل الاستيطانية ومن دون الانسحاب من القدس المحتلة عام 1967.

ويأتي الخط الجديد الذي يطرحه نتنياهو، على الرغم من ادعائه أمام أوباما بأنّه متمسك بحل الدولتين، مستنداً بشكل أساسي إلى إقرار إدارة الرئيس الأميركي، وفق تصريحات مستشاري الأخير، أنّ أوباما وصل إلى قناعة أنّه لا يمكن في ما تبقى من وقت لإدارته في البيت الأبيض، أن يتم التوصل إلى حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق مبدأ حلّ الدولتين.

اللافت في تصريحات نتنياهو، المستندة إلى إطلاق أوباما ليدَيه في الأراضي الفلسطينية، هو إقراره بأنّه يراهن على مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإنْ كان على استعداد لإطلاق مفاوضات مع الجانب الفلسطيني من دون شروط مسبقة. وهذا يفسر ادعاء نتنياهو بأنّ عباس يرفض ذلك، ما يعني أن هناك أملاً لمثل إطلاق هذه المفاوضات، قائلاً « وبفعل التغييرات الإقليمية، عند بروز قيادة فلسطينية جديدة تقبل بشروطنا »، بحسب ما أوردت صحيفة « هآرتس » الإسرائيلية.

ويدّعي نتنياهو أن جذور الصراع « لا تتعلق بالمستوطنات، وإنّما برفض القيادة الفلسطينية التسليم بدولة يهودية »، مضيفاً أنّه « في ضوء الفوضى السائدة في الشرق الأوسط، سيكون على إسرائيل أن تحافظ في كل تسوية مستقبلية على حق الجيش الإسرائيلي بالبقاء داخل أراضي الدولة الفلسطينية، لأنّه لا يوجد قوة أخرى قادرة على المحافظة على الأمن بشكل فعّال ». وأقرّ نتنياهو بأنّ ذلك يعني « انتهاكاً للسيادة الفلسطينية، لكن أمراً كهذا، مقبول في دول كثيرة، أن يمكث جيش على أراضي دولة ثانية كما هو الحال بالنسبة للقوات الأميركية المنتشرة في ألمانيا وكوريا الجنوبية ».

تصريحات نتنياهو هذه، وخصوصاً تلك التي أعقبت لقاءه بأوباما قبل يومين، تحدّد عملياً آفاق التحرك الإسرائيلي المستقبلي والأهداف المرجوّة من هذا التحرك، نظراً إلى الظروف الإقليمية في الوطن العربي، وإلى الدعم الأميركي المرتقب في ما تبقى من عمر إدارة أوباما، وما يتبع المهلة التي تعقب الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني في العام المقبل، كمهلة زمنية ضرورية لترتيب الرؤية لدى الإدارة المقبلة، سواء بقي الحزب الديمقراطي في البيت البيض أو عاد الجمهوريون الموالون لنتنياهو بدرجة أكبر من الديمقراطيين.

وأمام اعتراف نتنياهو بأنّه « إلى حين نضوج ظروف جديدة، أو بزوغ قيادة فلسطينية جديدة تقبل بالشروط التي يرفضها عباس »، يبقى الهدف الأهم هو منع الانفجار في الأراضي المحتلة، ومنع تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وذلك بالتأسيس على مواصلة سياسة القمع الإسرائيلية الهمجية لانتفاضة القدس، مع الإبقاء على سياسة الإعدامات الميدانية، وفرض مزيد من القيود على سكان القدس المحتلة، مع احتمالات الشروع بخطوات تشريعية إسرائيلية لتغيير مكانة البلدات والأحياء الفلسطينية البعيدة نسبياً والتي ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ بلدية الاحتلال ومنحت أهلها « مكانة مقيمين ».

وسبق لنتنياهو، مع تعاظم شرارة انتفاضة القدس الحالية، أواسط الشهر الماضي، أن تحدّث عن احتمالات سحب هوية المواطنة أو مكانة « المقيمين » من أهالي هذه الأحياء والقرى ومن ضمنها كفر عقب ومخيم شعفاط، وأبو ديس، والتي ظلّت خلف جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، والتخلص منها ومن عبئها الأمني. وتراجع نتنياهو في حينه عن هذا الطرح، بعدما تبيّن له أنّ مثل هذا الاقتراح يلزمه تشريع قانوني يتطلب الحصول على أغلبية 80 عضواً في الكنيست أو أغلبية في استفتاء عام، في حال حصل الاقتراح على أغلبية عادية فقط في الكنيست، لتغيير وتعديل القانون المعروف بقانون القدس.

يبدو أن المرحلة المقبلة، في ظلّ تراجع الدور الأميركي لجهة الضغط على حكومة نتنياهو، ستشهد مزيداً من الاستيطان في الضفة الغربية، وخصوصاً أنّ نتنياهو وظّف مجدداً تاريخ المحرقة النازية وأسقطها على الواقع اليوم، مدّعياً أنّ الحديث عن « دولة فلسطينية » يجري بمفهوم يعيد إلى الأذهان، دولة « خالية من اليهود »، هذه العبارة التي لم يتردّد نتنياهو في قولها باللغة الألمانية « يودين راين » لمهاجمة القبول بحلّ الدولتين، من دون اعتراف فلسطيني رسمي بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي ودولة القومية اليهودية.

وتعني سياسة العودة إلى البناء في المستوطنات، في ظلّ تصريح نتنياهو أنّ أوباما لم يطلب منه وقف البناء، الإمعان في تثبيت مزيد من الحقائق على أرض الواقع، تضمن سيطرة إسرائيل على أجزاء إضافية من الأرض الفلسطينية بحجة « البناء لتغطية حاجات الازدياد السكاني للمستوطنين »، وأخرى كثكنات وقواعد عسكرية إسرائيلي لتأمين الحدود الشرقية لإسرائيل، ومنع وجود أي جيش ثالث بين الجيش الإسرائيلي غربي نهر الأردن والجيش الأردني شرقي النهر، ودفن كل التوصيات التي وضعها الجنرال الأميركي، ألن روس والتي رافقت المبادرة الأميركية التي حاول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري فرضها بين عامي 2012 و2014، وجوبهت بمعارضة إسرائيلية شديدة وصلت إلى حدّ وصف كيري من قبل وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، بأنّه يعاني من حالة هوس بفرض حلّ على إسرائيل.