خبر المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني خطوة على طريق المقاومة الشاملة ..د. وليد القططي

الساعة 08:22 ص|12 نوفمبر 2015

أعلن مؤخراً ( 343 ) أكاديمياً بريطانياً فرض المقاطعة الأكاديمية على الجامعات والمعاهد الإسرائيلية , وبرر هؤلاء الأكاديميون قرار المقاطعة بأن هذه الجامعات والمعاهد شريكة في الخرق الإسرائيلي للقانون الدولي وتدعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية . وهذا الإعلان ليس الأول من نوعه فقد سبقهم     ( 700 ) أكاديمي بريطاني آخر , وكذلك ( 400 ) بروفيسير أمريكي , اضافة لمؤسسات أكاديمية وطلابية وبحثية عديدة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا وألمانيا وأسبانيا وغيرها . فما المقصود بالمقاطعة الأكاديمية ؟ وما تاريخها ؟ وما هي أهميتها ؟ وكيف تواجه ( اسرائيل ) المقاطعة ؟ وما التحديات أمام تحقيق أهدافها ؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه في هذا المقال  .

المقاطعة بشكل عام هي ترك التعامل مع طرف ما – دولة أو جماعة أو مؤسسة أو فرد ... – بهدف الضغط عليه لتغيير معاملته أو موقفه أو سياسته ... تجاه قضية ما أو طرف آخر . والمقاطعة الأكاديمية تعني عدم التعامل مع المؤسسات الأكاديمية المختلفة سواء بالزيارة أو مناقشة وتحكيم الرسائل العلمية أو المشاركة في المؤتمرات والأبحاث والفعاليات العلمية ... وغيرها . والمقاطعة الأكاديمية جزء من المقاطعة الشاملة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية وغيرها . والمقاطعة الشاملة جزء من حركة أوسع تتضمن إلى جانب المقاطعة سحب الاستثمارات والتمويل من الشركات الاسرائيلية والشركات الأجنبية الداعمة لها , وكذلك فرض العقوبات السياسية والاقتصادية على ( اسرائيل ) , وهي الحركة المعروفة اختصاراً بالــ بي دي أس  B.D.S

وللمقاطعة تاريخ طويل في النضال الوطني الفلسطيني خاصة بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين وبروز خطر المشروع الصهيوني في فلسطين , ففي عام 1922 قرر المؤتمر الفلسطيني السادس المنعقد في نابلس برئاسة موسى كاظم الحسيني مقاطعة اليهود في البيع والشراء , وفي عام 1929 تكوّنت لجنة من تجار القدس لمقاطعة اليهود اقتصادياً امتدت إلى مدن أخرى , وفي عام 1936 أصدرت الهيئة العربية العليا التي تقود ثورة 36 قراراً بمقاطعة اليهود في فلسطين . وبعد ذلك انتقل ملف المقاطعة إلى الجامعة العربية منذ إنشائها عام 1945 التي أصدرت قراراً بالمقاطعة الاقتصادية لليهود حتى قبل قيام دولة ( اسرائيل ) , وبعد قيامها أنشأت جهازاً دائماً لتطبيق ومراقبة المقاطعة عام 1951 . واستمرت المقاطعة بفاعلية كبيرة حتى حدث الخرق الأول لها عندما وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع ( اسرائيل ) عام 1978 .

بعد كامب ديفيد ظهر مصطلح التطبيع وخاصة ( التطبيع الثقافي ) المصطلح المضاد للمقاطعة الثقافية والأكاديمية والذي يعني كسر الحاجز النفسي وإضعاف المناعة النفسية ليتم قبول ( اسرائيل ) نفسياً وواقعياً , غير أن الشعب المصري رفض تلقائياً التطبيع مع الكيان الصهيوني , وعند اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 ظهرت دعوات المقاطعة مجدداً على وقع تصاعد القمع والارهاب الصهيوني , حتى حدوث الاختراق الثاني في جدار المقاطعة بتوقيع اتفاقيتي أوسلو عام 1993 , ووادي عربة عام 1994 التي فتحت الباب للكيان الصهيوني من أوسع أبوابه للتطبيع واختراق المقاطعة لاختراق المقاطعة والتطبيع , إلا أن اندلاع الانتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى ) أوقف جزئياً هذا الزحف غير المبارك نحو الكيان الصهيوني , فالمقاطعة تنشط عند احتدام الصراع الذي يظهر الصورة الحقيقية البشعة له أمام العالم , وتعيد رسم صورته كجلاد يقمع ضحيته , بخلاف الصورة الكاذبة التي يحاول ترويجها كضحية ضد ( الارهاب الفلسطيني ) ,

في خضم انتفاضة الاقصى وأثناء عملية ( السور الواقي ) بادر أكاديميان بريطانيان هما ستيفن وهيلاري روز – زوجان – بنشر إعلان في جريدة ( الغارديان ) وقع عليها ( 123) أكاديمي آخر تدعو إلى مقاطعة ( اسرائيل ) أكاديمياً , أصبحت وثيقة فيما بعد وقع عليها ( 1000 ) أكاديمي آخر . وفي عام 2004 اجتمع في رام الله مجموعة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين دعوا فيه إلى حملة فلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل . وفي 9 / 7 / 2005 اجتمع في رام الله ممثلون عن ( 171 ) مؤسسة فلسطينية غير حكومية وأطلقت حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عُرفت اختصاراً ( B.D.S   ) من أجل إجبار ( اسرائيل ) على الانصياع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الانسان , ومطالبة المجتمع الدولي للضغط عليها من أجل إنهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان وهدم الجدار من الضفة والقطاع , وتحقيق المساواة الكاملة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر , وتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم ( 194 ) الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم . واعتمدت على استراتيجيتين خارجية ( مقاطعة اسرائيل دولياً وصولاً إلى العزل الكامل ) وداخلية ( مقاطعة المنتجات الاسرائيلية وصولاً إلى القطيعة الكاملة ) .

والمقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني مهمة ومؤثرة لأن دولة الاحتلال جزء من منظومة الأبحاث العلمية الأوروبية , والاتحاد الاوروبي يموّل  جزءاً من الأبحاث العلمية الاسرائيلية , فالمقاطعة تعني وقف التمويل إذا ما تم تبنيها رسمياً . كما أن العلاقات الثقافية والاكاديمية أهم وسيلة اسرائيلية لتجميل صورتها عالمياً وإظهارها بشكل حضاري ديمقراطي , فالمقاطعة تعني تعطيل هذه الوسيلة . والاكاديميون هم الذين يقفون موقفاً أخلاقياً سابقاً لبقية فئات المجتمع , وهم صنّاع الرأي العام وقادة المستقبل , فالمقاطعة تحرّم ( اسرائيل ) من التأثير في هذه الفئة المهمة .

وهناك شهادات اسرائيلية تشير إلى أهمية وخطورة المقاطعة لا سيما الأكاديمية منها . فالرئيس الاسرائيلي الحالي ( رؤبين زفلين ) أمام رؤساء الجامعات والكليات الاسرائيلية وفي اجتماع طارئ ومستعجل لبحث قضية المقاطعة الاكاديمية على ( اسرائيل ) قال : « المقاطعة الاكاديمية تهديد استراتيجي من الدرجة الأولى على اسرائيل » . ورئيس لجنة الكليات والجامعات البروفيسير ( بيريتس لافي ) قال : « إن الجامعات الاسرائيلية تواجه هجمة شرسة من قبل أوساط معادية ... وهي خطر على تفوّق اسرائيل الاستراتيجي وعلى مناعتها ومستقبلها . » . والرئيس السابق للموساد ( شابتاي شافيت ) قال في مقال له في جريدة هآرتس الإسرائيلية « تمكّن الفلسطينيون من تحقيق إنجازات مهمة على المستوى العالمي ... إن الجامعات في الغرب هي حاضنة القادة المستقبلين لهذه الدول , اننا نخسر الدعم لإسرائيل في العالم الأكاديمي »

ولهذه الأهمية والخطورة لم تترك ( اسرائيل ) موضوع المقاطعة دون رد ومواجهة اعتمدت على استراتيجية محورها القيام بحملات إعلامية مضادة لتبييض صورة ( اسرائيل ) في العالم وإظهارها كدولة ديمقراطية محبة للسلام ولتشويه صورة الفلسطينيين كإرهابيين ومتخلفين . اضافة إلى ملاحقة الناشطين في الحملة الفلسطينيين والأجانب وتشويه صورتهم في الغرب باعتبارهم متعصبين معاديين للسامية ( وليس للسياسة الاسرائيلية ) . وهذا ما أكده نتنياهو أمام اللوبي اليهودي الأمريكي  عام 2014 عندا اتهمهم بــ « التعصب ومعاداة السامية وحركة العار » . ومن محاور هذه الاستراتيجية قيام الكنيست الاسرائيلي عام 2011 بسن قانون المقاطعة ضد كل من يُطالب بمقاطعة  ( اسرائيل ) ممن يحملون الجنسية الاسرائيلية ( فلسطينيو الداخل ) والحكم عليهم بالسجن والتعويض . وأيضاً الاستعانة بحلفائها في اوروبا وأمريكا لدعمها قانونياً وإعلامياً ضد كل من يدعو للمقاطعة وملاحقة الأفراد والمؤسسات التي تبنت المقاطعة وتهديدهم حتى يتراجعوا عن مواقفهم المؤيدة للمقاطعة والداعمة لحقوق الفلسطينيين كما حدث مع شركة اورانج الفرنسية .

وتبقى هناك تحديات عديدة أمام المقاطعة بشكل عام والمقاطعة الثقافية والأكاديمية بشكل خاص وأول هذه التحدّيات هي : تحدي المفهوم والتي يجيب على السؤال ( ماذا نريد من المقاطعة ؟ ) فهل هي مقاطعة كاملة للكيان الصهيوني كمشروع نقيض وجودياً للمشروع الوطني الفلسطيني الأصلي الهادف إلى تحرير كل فلسطين , وكجزء من مشروع المقاومة الشاملة . أم نريد مقاطعة جزئية للكيان الصهيوني تقتصر على مقاطعة المستوطنات كمشروع يخدم حل الدولتين في إطار المشروع الوطني المعدّل , وكجزء من مشروع المقاومة الشعبية السلمية .

وثاني هذه التحديات هي : تحدي هيمنة الخطاب الصهيوني على الغرب , فالذي يسيطر على الإعلام في معظم الدول الغربية هم أما يهود صهاينة أو مسيحيون صهاينة ومعظمهم من البروتستنت الذين يؤمنون بالعهد القديم ( التوراة ) وأحقية اليهود في أرض الميعاد , وهذا يشكل حائطاً صلباً أمام فكر المقاطعة , كما أن المشروع الصهيوني الذي أفرز الكيان الصهيوني هو إفراز للمشروع الغربي ضد الأمة العربية والإسلامية ورأس حربة متقدمة له , والعلاقة العضوية بين المشروعين قوية لا تقوم على البُعد الأخلاقي بل على البُعدين : الايديولوجي والمصلحي , وهذا  يجعل تأثير المقاطعة محدوداً .

وثالث هذه التحديات هي : تحدي اتفاقية وسلطة اوسلو , فالمقاطعة ليست مشروع المنظمة أو السلطة التي ترتبط مع ( اسرائيل ) باتفاقية اوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي , بالرغم من وجود شخصيات من داخل المنظمة والسلطة تدعم المقاطعة , ورئيس المنظمة والسلطة يُعارض المقاطعة ويخرقها فقد قال : « إن السلطة لا تدعم مقاطعة اسرائيل بحكم العلاقات والاعتراف المتبادل بين الطرفين » , ولقد قام السيد محمود عباس باستقبال ( 250 ) طالباً اسرائيلياً من مختلف الجامعات والاحزاب الاسرائيلية في مقر المقاطعة برام الله في خرق واضح للمقاطعة الاكاديمية .

والخلاصة التي يُمكن أن نصل إليها هي أن المقاطعة نقلة نوعية في مسيرة الكفاح الشعبي والنضال الوطني الفلسطيني ينبغي الحفاظ عليها وتوسيعها وتفعيلها وتطويرها ودمجها كأحد أسس استراتيجية النضال الوطني الفلسطيني . ولكنها ليست البديل عن ممارسة كافة أشكال الكفاح الوطني الأخرى وعلى رأسها الكفاح المسلح بل رديف لها في إطار مشروع وطني أوسع يشمل المقاومة على أرض الواقع بكافة أشكالها , وسياسة خارجية  واضحة تصب جميعاً في خدمة نفس الهدف الوطني الكبير الرامي للتحرر والاستقلال  .