يشهد المسجد الأقصى منذ عدة أسابيع، حملة انتهاكات وتجاوزات « إسرائيلية »، تذكر بالأسلوب الذي اتبعته السلطات « الإسرائيلية » مع الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، حتى نجحت في تقسيمه بين المسلمين واليهود.
وجاء تقسيم الحرم الإبراهيمي، نتيجة تطبيق خطة متدرجة المراحل على فترة طويلة، بدأت أولا بتكثيف السلطات « الإسرائيلية »، بشكل ممنهج للزيارات التي يقوم بها اليهود لقبر النبي إبراهيم في ساحة الحرم الإبراهيمي، بحيث باتت تلك الزيارات تتزايد عامًا بعد عام وتتسبب في اشتباكات بين المسلمين واليهود من حين لآخر.
وفي ٢٥ فبراير/ شباط 1994، وسط تلك الأجواء، قام اليهودي اليميني المتعصب، باروخ جولدشتاين، بفتح النار على المصلين في الحرم الإبراهيمي، خلال صلاة الفجر، وقتل 29 فلسطينيًا، وأثارت المذبحة احتجاجات واسعة في الأراضي الفلسطينية.
ووجدت السلطات « الإسرائيلية » في ذلك الحادث فرصة تاريخية، لتحقيق ما تخطط له منذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967، ورغم ردود الفعل الواسعة، تذرعت بالحجج الأمنية، وقسّمت الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.
وتسعى السلطات « الإسرائيلية » حاليًا لتمارس في المسجد الأقصى، سياسة مشابهة لتلك التي مارستها في الحرم الإبراهيمي، حيث يجري العمل على خلق أمر واقع جديد، يهيئ لتحقيق أمنية إعادة بناء ما يطلق عليه اليهود « الهيكل » المزعوم، في موقع المسجد الأقصى.
وكانت دائرة الأوقاف الإسلامية، التابعة للأردن، صاحبة السلطة الوحيدة على المسجد الأقصى منذ عام 1967 وحتى عام 2000، والمسؤولة عن تنظيم زيارات السياح غير المسلمين إلى المسجد الأقصى.
وفي عام 2000 دخل رئيس الوزراء « الإسرائيلي » آنذاك أرئيل شارون، إلى المسجد الأقصى، برفقة مئات من الحراس، ما أشعل فتيل الانتفاضة الثانية، ومنعت دائرة الأوقاف الإسلامية منذ ذلك الحين زيارات السياح غير المسلمين للأقصى، ورفضت الطلبات « الإسرائيلية » لإعادة تلك الزيارات.
وفي أبريل/ نيسان 2003، قررت الحكومة « الإسرائيلية »، بشكل منفرد، ورغم اعتراضات دائرة الأوقاف الإسلامية، السماح للسياح غير المسلمين بدخول ساحة المسجد الأقصى، ومنذ ذلك الحين تغيرت وضعية المسجد الأقصى، بشكل لا يصب في صالح المسلمين.
في البداية أكسبت زيارات المستوطنين اليهود لساحة المسجد الأقصى، برفقة الشرطة « الإسرائيلية »، زخما للزيارات التي يقوم بها غير المسلمين، ثم بدأت السلطات « الإسرائيلية » بمنع الفلسطينيين تحت سن الأربعين من زيارة المسجد.
وفي الوقت الذي كانت الانتهاكات والعنف والاشتباكات تستمر فوق الأرض، بدأت السلطات « الإسرائيلية » حفرياتها تحت المسجد الأقصى، في إطار خطتها لتقسيمه بين المسلمين واليهود كما فعلت مع الحرم الإبراهيمي.
وتعلن السلطات « الإسرائيلية » أن الهدف من الحفريات هو البحث عن آثار للهيكل الذي يزعم اليهود أنه كان مقامًا في موقع المسجد الأقصى، إلا أنه يعتقد على نطاق واسع أن هدف الحفريات الإضرار بأساسات المسجد الأقصى، ومن ثم التسبب في هدمه.
وشهد العام الحالي، تصاعدًا كبيرًا في وتيرة الانتهاكات « الإسرائيلية » للمسجد الأقصى، حيث شدّدت « إسرائيل » من إجراءات منع زيارة الأقصى للفلسطينيين أقل من 40 عامًا، وباتت الشرطة « الإسرائيلية » ترد بعنف على الفلسطينيين الذين يعترضون على ذلك الحظر في ساحات الأقصى، ووصل الأمر بالجنود « الإسرائيليين » بدخول المسجد الأقصى بأحذيتهم حتى وصلوا قرب المحراب، كما اعتلوا سطح المسجد، وهاجموا الفلسطينيين.
وقال الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، مفتي القدس السابق، إن الهدف النهائي لـ « إسرائيل »، يتمثل في بناء ما يطلق عليه اليهود « الهيكل »، مكان المسجد الأقصى، موضحًا أن « الإسرائيليين » يسعون إلى تقسيم المسجد زمانيًا بين المسلمين واليهود، ومن ثم تقسيمه مكانيًا أيضًا، بحيث يبدأ اليهود في التعبد بداخله، وفي حال نجاحهم في ذلك يبدأون في بناء هيكلهم المزعوم.
وأشار صبري، أن « إسرائيل » ترغب في تكرار مع فعلته في الحرم الإبراهيمي مع المسجد الأقصى، مؤكدًا أنه لن يتم السماح لها بذلك.
وفيما يتعلق بالحفريات التي يقوم بها « الإسرائيليون » أسفل المسجد الأقصى، قال صبري إنها تهدف إلى زعزعة أساسات المسجد الأقصى، بحيث ينهار في حال حدوث زلزال، ويتنصل « الإسرائيليون » من مسؤولية انهياره، مضيفًا أن اليهود المتطرفين يفكرون في هذا السيناريو.
بدوره قال ناجح بكيرات، رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى، إن « إسرائيل » لديها 3 أهداف فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، الأول هو حصار المسجد بالنقاط الأمنية وبمصادرة المنازل المحيطة به، والهدف الثاني تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا بين المسلمين واليهود، والهدف الثالث بناء ما يطلقون عليه « الهيكل »، مكان المسجد الأقصى، وتحويل القدس إلى مدينة يهودية يرمز لها الهيكل.
وأكد بكيرات، أنه لن يتم السماح لـ « إسرائيل » بتكرار ما فعلته في الحرم الإبراهيمي مع المسجد الأقصى، قائلاً، إن الأقصى يحتل مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، واستشهد بكيرات بالمواجهات التي تشهدها المدن الفلسطينية بين الشباب الفلسطينيين والقوات « الإسرائيلية »، للدلالة على المقاومة الكبيرة التي ستواجهها « إسرائيل » أمام مخططاتها ضد المسجد الأقصى.
وقال ناصر الفضالة، رئيس لجنة مناصرة الشعب الفلسطيني في البرلمان البحريني سابقًا، إن المخطط « الإسرائيلي » يتكون من مرحلتين، يتم في المرحلة الأولى تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا بين المسلمين واليهود، إلى أن يصل الأمر لتخصيص المسجد في الأعياد اليهودية لليهود فقط، وفي المرحلة الثانية يتم تخصيص جزء من المسجد الأقصى لليهود، بشكل يمكنهم فيما بعد من بناء الهيكل المزعوم.
وكان رئيس الوزراء « الإسرائيلي » بنيامين نتنياهو، صرح نهاية الأسبوع الماضي، أنه لا وجود لخطط « إسرائيلية » لتقسيم المسجد الأقصى، وأعرب عن احترامه للوضع الحالي للمسجد.
وتشهد الأراضي الفلسطينية، وبلدات عربية في « إسرائيل »، منذ مطلع أكتوبر/ تشرين أول الجاري، مواجهات، بين شبان فلسطينيين وقوات إسرائيلية، اندلعت بسبب إصرار مستوطنين يهود على مواصلة اقتحام ساحات المسجد الأقصى، تحت حراسة قوات الجيش والشرطة « الإسرائيلية ».