تتنامى تداعيات الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، مع استمرارها وامتدادها إلى مناطق مختلفة من الضفة الغربية، تحديداً إلى الخليل.
كما تواصل سلطات الاحتلال تحركها إقليمياً ودولياً بغية كسر شوكة الانتفاضة في القدس، فضلاً عن إقرار إجراءات قمعية وعقوبات جماعية مختلفة بحق المقدسيين.
وقد أقدمت قوات الاحتلال على وضع ونصب حواجز تفتيش عسكرية، ونشر آلاف عناصر الشرطة وحرس الحدود في الأحياء الفلسطينية، واستدعت أكثر من تسع فرق من القوات النظامية، وفرق أخرى من قوات الاحتياط، ونشرتها على محاور الطرق الرئيسية في الضفة الغربية، وعلى مشارف المدن الكبرى مثل رام الله والخليل وبيت لحم ونابلس.
وتشير تقديرات الجهات الأمنية، منذ مطلع الأسبوع الحالي، إلى احتمال تمدّد نيران الانتفاضة، حتى أن موقع صحيفة « معاريف » يكشف النقاب، أمس الأربعاء، في تقرير مفصّل عن أن « قيادة أركان الجيش الإسرائيلي بدأت تتخوف من إسقاطات استمرار نيران الانتفاضة، لدرجة عرقلة الخطة الخمسية للجيش، التي أعلن عنها رئيس الأركان الجنرال غادي أيزنكوت قبل أكثر من شهرين، ووُصفت بأنها كفيلة بإعداد الجيش للتحديّات العتيدة وتغيير العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي ».
ويكمن الخوف الرئيسي، وفقاً لـ« معاريف » في المرحلة الأولى، من احتمال « ضرب منظومة قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، إذ تسعى قيادة الجيش حالياً إلى إرجاء استدعاء قوات الاحتياط لتحل محل القوات النظامية. مع العلم أن تقارير سابقة كانت قد أشارت إلى أن استدعاء القوات النظامية مع انطلاق الانتفاضة، يُلحق ضرراً بخطة التدريبات الرسمية، ويضرّ بالتالي بجاهزية هذه القوات في حالة اضطرار إسرائيل إلى شن حملة عسكرية جديدة أو الخوض في مواجهة حرب ثالثة في الجبهة الشمالية (حزب الله في لبنان)، أو الجنوبية (حماس في قطاع غزة) ». ويذكر التقرير أنه « في حال استمرت الانتفاضة، فلن يكون أمام قيادة الجيش من مفرٍّ لاستدعاء قوات الاحتياط على نطاق واسع، من أجل تعزيز القوات النظامية المنتشرة حالياً في مختلف نواحي الضفة الغربية ».
ويورد التقرير، أنه « منذ عملية مفترق بيت فوريك، قرب نابلس، مطلع الشهر الحالي، التي شكّلت عملياً شرارة الانتفاضة، فقد اضطر الجيش إلى استدعاء ونشر عدد كبير من القوات النظامية، وفقاً للعدد المتوفر لدى قيادة المنطقة الوسطى في الجيش (أي الضفة الغربية) وتلك المتوفرة لقيادة الجيش في المنطقة الجنوبية (لمواجهة قطاع غزة) ».
ويشير التقرير، أيضاً، إلى أن « الجيش عزّز تواجده بنشر قوات نظامية وقوات احتياط في القدس وداخل المدن، تحديداً بعد توجيه الجزء الأكبر من قوات الشرطة الإسرائيلية إلى المدينة المقدسية، سعياً لكسر الانتفاضة ومحاصرتها ». ويتابع التقرير أن « ذلك أجبر الاحتلال إلى استدعاء قوات نظامية وجنود من حرس الحدود لحراسة وتأمين المواصلات العامة، وتأمين مراكز المدن الإسرائيلية، وجاء هذا الأمر على حساب تدريبات فرق القوات البرية، وعلى حساب تدريبات الوحدات الخاصة، وهو وضع لا يمكن استمراره »، بحسب التقرير المذكور.
ويُعرقل استمرار الانتفاضة عملياً، تحقيق واحد من أهم ستة أهداف وضعها أيزنكوت للخطة الخمسية، وهو تحسين ورفع مستوى جاهزية الجيش، عبر زيادة أيام التدريب القتالية للوحدات النظامية، في مقابل خفض عدد أيام الخدمة لقوات الاحتياط، وتركيز الجهد والموارد لمضاعفة أيام التدريب القتالية، واستكمال التسليح بدرجة أكبر وتحسين مستوى الجاهزية الميدانية.
ومع إعراب مصادر في الجيش لوسائل إعلام إسرائيلية، عن رضاها من خطة التدريبات الجديدة، المشتقة من الخطة الخمسية، لدرجة القول إن الأهداف المرجوة قد تحققت في المرحلة الحالية لغاية مطلع الشهر الحالي، إلا أن هذا النجاح قد انقطع عملياً، بعد اضطرار جيش الاحتلال إلى توجيه فرق من القوات النظامية للضفة الغربية وقطاع غزة لمواجهة الانتفاضة.
ويواجه جيش الاحتلال معضلة حقيقية بين رغبته وسعيه لكسر الانتفاضة و« استعادة الهدوء » في الضفة الغربية وعلى الحدود مع قطاع غزة، وبين المضيّ قدماً في تطبيق الخطة الخمسية لإعداد الجيش لمواجهات التحديّات المستقبلية. إذ لا يرغب الجيش في المرحلة الحالية بمشاركة قوات الاحتياط في عمليات « الأمن الجارية » اليومية، بل توجيه جهدها للاستعداد للحرب المقبلة.
ومن شأن استمرار عمليات الانتفاضة أن تشوّش هذه الخطة. وتدرك قيادة جيش الاحتلال أن أي تصعيد إضافي في الانتفاضة وامتدادها أسابيع إضافية، ستُلزم قيادة الجيش بتغيير خططه وسعيه لمواصلة تدريب قوات الاحتياط، بدلاً من « تبذير هذه الأيام والتدريبات لمواجهة الانتفاضة في الضفة الغربية وعلى الحدود مع قطاع غزة، ناهيك عن أن استدعاء كل كتيبة يكلّف الجيش 8 ملايين شيقل، أي نحو مليوني دولار.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية، الحديث عن سعيه لكسر الانتفاضة ووقفها، إلا أن التقديرات الرسمية لدى جيش الاحتلال وأجهزته المختلفة، تشير إلى أن الانتفاضة لن تتوقف قريباً. مع العلم أن التقديرات تتحدث في المرحلة الحالية عن كون العمليات »فردية وغير منظمة وتفتقر إلى بنية تحتية أو تنظيمية". ووفقاً لجهات أمنية، فإن هذه العمليات قد تستمر أسابيع إضافية وطويلة، في ظلّ مواصلة الاحتلال انتهاكاته، خصوصاً عمليات الاعتقال.
وكانت لجنة خاصة برئاسة الجنرال روني نوما، قد أوصت، في أواخر عام 2013، بتغيير منظومة الخدمة الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي، لجهة زيادة عدد أيام التدريب للوحدات الاحتياطية لأسبوع واحد، مرتين كل عام على مدار ثلاث سنوات. وذلك على حساب استدعاء هذه الوحدات لخدمة الاحتياط العادية. ويأتي هذا في إطار مسعى جيش الاحتلال لرفع جاهزية ومستوى القدرة القتالية لجنوده الاحتياط. ويخشى جيش الاحتلال اليوم من أن يضرب استمرار الانتفاضة هذه الخطة أيضاً، في حال اضطر إلى استدعاء مزيد من قوات الاحتياط لمواجهة الانتفاضة بدلاً من توجيهها التدريبات.