بقلم: د. نحمان شاي
نائب من المعسكر الصهيوني
(المضمون: على نتنياهو ان يعرض على الفلسطينيين جزرة كبيرة وليس نبوتا فقط، فقد سبق أن كنا هناك، ورأينا النبوت. هذه الجزرة هي خطة سياسية جديدة للانتشار على طول جدار الفصل للانطواء داخل الكتل الاستيطانية، للانفصال عن الفلسطينيين - المصدر).
في العام 1963، قبل 52 سنة، نشر اسحق بن اهرون من قادة « يهدوت هعفودا »، توجها – دعوة الى رفاقه للوحدة بين احزاب العمال في اسرائيل « لنتحد بسرعة ». هذه الرسالة، « جرأة للتحول قبل الاضطراب » تصدح اليوم في سياق آخر، في السياق الذي بيننا وبين الفلسطينيين. وبكلمات واضحة: اذا لم تكن جرأة للتحول، سيأتي الاضطراب. يجب ان نعمل الان وبسرعة.
في نهاية الاسبوع، نشر أنه في سلسلة لقاءات بين الزعماء، جرت في اوروبا في وقت سابق، بمشاركة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اتفق على ان تنصب كاميرات في الحرم لمراقبة ما يجري فيه، واساسا للاثبات بان الوضع الراهن لم يتغير. هذه فكرة حميدة ومشوقة، يتميز بها عصر التوثيق الذي نعيش فيه، ولكنه لا يقترح اي حل حقيقي للمشاكل، بل شيئا ما مثل وضع بلاستر على جرح نازف.
لقد وصلت منظومة العلاقات بيننا وبين الفلسطينيين الى مأزق. فاتفاقات اوسلو انهارت باغلبيتها العظمى، وفي هذه اللحظة لا تجري ايضا اي مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، يمكنها أن تؤدي الى اتفاق جديد. كل المحاولات لاجراء مفاوضات منذ اوسلو، فشلت. ولا يهم في هذه اللحظة من يتحمل المسؤولية، إذ على اي حال كل طرف سيتهم الاطرف الاخر. ولكن كان لاتفاقات اوسلو مع ذلك ميزة – فقد أنهت الانتفاضة الاولى التي اندلعت في 1987، واشارت الى الحل المقبول الوحيد، المفاوضات السياسية التي تنتهي بتسوية. فالحروب، حتى اسوأها وأطولها، لا تستمر الى الابد. دوما تحين ايضا ساعة التسوية السياسية، قصيرة كانت أم طويلة.
ان الانتفاضة الثالثة وعمليات الارهاب التي اندلعت قبل شهر في أعقاب الحماسة في الحرم، رشق الحجارة وقتل الكسندر ليفلوفيتش في القدس، ترفض أن تخبو. فالفلسطينيون قادرون على انتاج خمس – ست عمليات طعن في اليوم ولا سيما في المناطق التي يمكن الوصول اليها بسهولة – يهودا، السامرة والقدس. اما التواجد الشرطي والعسكري، مهما كان ناجعا فلا يمكنه أن يمنع اعمال الارهاب الفردية هذه.
ومع أن حملة السكاكين الفلسطينيين ينجحون في ان يكووا كفاحهم في الوعي المحلي والعالمي، فبالعنف وبالفاعلية المتدنية نسبيا، ثمة لهذه الاعمال طابع متدهور ومتصاعد. هكذا بحيث أنه كلما استمرت يكون التخوف من أن تجر المزيد فالمزيد من الشباب الى دائرة العنف وتشجعهم على أن يأخذوا سكينا ويبحثوا عن يهودي في المحيط كي يمسوا به. لا ضمانة ايضا في الا تستيقظ خلايا غافية وشبكات تخريب بناء على أمر من بعيد فتنضم الى موجة الارهاب. وعليه، فلا يكفي نشاط قوات الامن، الشرطة، حرس الحدود، الجيش والمخابرات الاسرائيلية. اسرائيل ملزمة بان تصعد على الفور الى المسار السياسي، في ظل مكافحة الارهاب. والقول بانه يجب مكافحة الارهاب وكأنه لا توجد مفاوضات، وخوض المفاوضات وكأنه لا يوجد ارهاب، صحيح أكثر من أي وقت مضى. والمسؤولية تقع على شخص واحد – على رئيس الوزراء. في يديه القدرة على ان يحرك خطوة سياسية مبادر اليها. لا « استجابة » لتوجه الولايات المتحدة، الرباعية والامم المتحدة مرة اخرى. الكلمة الاساس هنا هي المبادرة. مبادرة اسرائيلية تحطم الخطوط الهيكلية الآخذة في التبلور لانتفاضة ثالثة عديمة المخرج، قبل أن يفوت الاوان.
على نتنياهو ان يعرض على الفلسطينيين جزرة كبيرة وليس نبوتا فقط، فقد سبق أن كنا هناك، ورأينا النبوت. هذه الجزرة هي خطة سياسية جديدة للانتشار على طول جدار الفصل للانطواء داخل الكتل الاستيطانية، للانفصال عن الفلسطينيين. جدير وواجب ان نعرض على الفلسطينيين الدخول في مفاوضات على هذه الخطوط الهيكلية، التي يعرفونها؛ واذا ما رفضوا، فان اسرائيل ملزمة بان تتحرك بنفسها نحو حل.
لخطوات كهذه توجد ميزة كبرى. فهي ستعيد لنا بعد التفكير للمدى البعيد، بعد الجرأة وبعد المبادرة. فاسرائيل تعتبر، وعن حق، كمن تتمترس في مواقفها، ترفض كل حل شامل، بما في ذلك حل الدولتين الذي تعهد به رئيس الوزراء، وتدفع الى الامام عمليا دولة ثنائية القومية.
صحيح، من المتوقع لهذه الخطوات معارضة سياسية شديدة، ويحتمل ان يضطر نتنياهو للتنازل عن ائتلافه، والبحث عن شركاء ائتلافيين جدد، ولكنه سيجدهم. يمكن لرئيس الوزراء أن يبني حكومة جديدة تقوم على اساس خطوط اساسية جديدة وعلى اتفاقات ائتلافية جديدة.
اذا لم يعمل رئيس الوزراء وفقا لذاك التحذير القديم، « الجرأة على التغيير قبل الاضطراب »، فانه هو وكلنا جميعا، سنجد أنفسنا أسرى وعالقين في سلسلة عنيفة من الاحداث ستعود لتخلد هذه الـ 25 سنة.