خبر هبَّة فلسطين تعزز الخلافات الإسرائيلية ..حلمي موسى

الساعة 09:19 ص|20 أكتوبر 2015

  ـ السفير ـ 0/10/2015

في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة منع انفجار الوضع في الأراضي الفلسطينية عبر لقاءات تجريها مع قادة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، يؤكِّد وزير الاقتصاد في حكومة اليمين الإسرائيلية، نفتالي بينت، أنَّ «عهد الدولة الفلسطينية ولَّى». وفيما تحاول إسرائيل منع أيّ قوّة دوليّة من التعاطف مع الهبَّة الفلسطينية، استدعت سلطات الاحتلال سفيرَي فرنسا وجنوب أفريقيا، ووجهت إليهما توبيخاً شديد اللهجة.

وتنعكس الإجراءات الإسرائيلية في القدس، والتي كان آخرها نصب حواجز وإقامة سور من الكتل الإسمنتية عند مداخل الأحياء العربية، على الحكومة الإسرائيلية التي يرى بعض المتطرفين فيها، أنَّها تعبّر عن قبولٍ بتقسيم القدس.

وأعلن زعيم «البيت اليهودي»، وهو ثاني أكبر شريك لـ «الليكود» في الائتلاف الحكومي، نفتالي بينت، أنَّ «على العرب أن يفهموا أنَّ عهد الدولة الفلسطينية ولَّى». وأشار إلى الوضع الأمني بعد فرض إسرائيل سلسلة من الإجراءات القمعية، مطالباً بإنشاء «سور ردعي» يضمن، بحسب قوله، «كبح» ما أسماه بـ «الإرهاب».

وقال إنَّ «السور الردعي يعني أنَّ على عرب يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أن يفهموا أنَّ عهد الدولة الفلسطينية ولَّى. والسور الردعي هو السبيل الوحيد لمجابهة الإرهاب. في مئة عام من الصهيونية، لم يكن هناك أيّ شيء سهل». وكان بينت بذلك ينتقد الأسوار الإسمنتية التي شيدها الاحتلال على مداخل الأحياء العربيّة، وخصوصاً حي جبل المكبر، معتبراً أنَّ السور الردعي فعَّال، خلافاً لأسوار الباطون. وبحسب رأيه، فإنَّ «هذا يعني أنَّ المخرب الذي يخرج لتنفيذ عملية عليه أن يعلم هو وعائلته أنَّ بيتهم سيهدم فوراً. ويعني أنَّ مخرِّباً مسلحاً يحاول المس بالمدنيين، ينبغي أن ينال رصاصاً يقتله». وشدَّد على أنَّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس شريكاً في عمليّة سلام، وإنَّما تنبغي معاملته على أنَّه شخص يشجع «الإرهاب».

وتعبِّر كلمات بينت عن الخلاف الدائر في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر بشأن الإجراءات المُتّخذة. ومعروف أنَّ بينت يقود خطاً متشدداً يطالب بـ «ترك الجيش يحقّق الانتصار». وقد نشب سجال شديد في المجلس الوزاري المصغر حول نشر الكتل الإسمنتية والحواجز داخل مدينة القدس بهدف حماية السكان اليهود، في وقتٍ رأى بعض الوزراء أنَّ الرسالة المنبعثة من هذه الكتل هي أنَّ «القدس مقسمة».

ولا يقتصر انتقاد السياسة التي يتبعها نتنياهو فقط على الوزراء المتطرفين من «البيت اليهودي» و «الليكود»، بل يقف إلى جانبهم أيضاً زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي حمل على سياسة نتنياهو قائلاً، إنَّ «رئيس الحكومة يستقبل في ديوانه بترحاب كبير القائمة العربية الموحدة، بمن فيها جمال زحالقة، وأيمن عودة، ويمنحهم شرعيّة وشيكاً بقيمة 900 مليون شيكل، ولذلك عواقب وترجمة عملية». وطالب ليبرمان، الذي يثير غرائز اليهود عبر رفع مستوى الكراهية تجاه العرب إلى مستوى جديد، بإخراج الجناح الشمالي من الحركة الإسلامية عن القانون. وقال إنَّ استمرار رائد صلاح في التجوال والتحريض يقود إلى النتائج التي نراها على الأرض.

وفي إطار مسعاها لمنع أيّ تحرك دولي للتدخل في ما يجري في القدس، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الفرنسي في تل أبيب، باتريك ميزوناف، في أعقاب ما تردّد عن مشروع بيان رئاسي قدمته فرنسا، يطالب بنشر مراقبين دوليين في الحرم. وبدت العصبية واضحة في التعامل الإسرائيلي مع الموقف الفرنسي، إذ أوضح نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون أوروبا، أفيف شير أون، ونائب المدير العام لشؤون المنظمات الدولية روني لسنو ياعر للسفير الفرنسي، أنَّ إسرائيل تعارض بشدة الاقتراح الفرنسي لنشر مراقبين في الحرم. كما أوضحا له أيضاً أنَّ إسرائيل تعارض أيّ خطوة فرنسية لم تنسق معها، أو صيغت من دون التعاون معها وتتصل بمصالحها الحيوية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إنَّ «الحديث كان ثاقباً. وتعلق بمنظومة العلاقات الإسرائيلية - الفرنسية». وردّ السفير الفرنسي بأنَّ بلاده تدرس جملة أفكار في أعقاب ما وصفه بـ «الجمود المتواصل في العملية السلمية».

وهذه هي المرة الثانية التي تقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية فيها بتوبيخ ميزوناف خلال أسبوع واحد، بعدما كانت فرنسا قد منعت رؤساء مستوطنات من حضور حفل منح وسام «فارس فرقة الشرف»، عبر قيامها بإلغاء دعوة كانت موجهة إلى مستوطنات مسجّلة على أنَّها بلديات، ومنها معاليه أدوميم وبيت أرييه. واعتبرت هذه مقاطعة فرنسية رسميّة للمستوطنات، ما دفع منظمة «منع نزع الشرعية عن المستوطنات» لتنظيم حملة قادت إلى استدعاء وزارة الخارجية السفير الفرنسي، وتوبيخه.

واستدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضاً سفير جنوب أفريقيا، لتعرب «عن غضبها وانزعاجها من دعوة الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا لوفد من حركة حماس»، وفق بيان أضاف أنَّ «هذه الدعوة تمنح الدعم والتشجيع للإرهاب، وتتجاهل بفظاظة وعناد موقف الأسرة الدولية التي ترى في حماس تنظيماً إرهابياً». وقالت الوزارة إنَّها ستتوجّه بطلب لحكومة جنوب أفريقيا لإلغاء الدعوة، فضلاً عن الاحتجاج الذي قدَّمته.

وفي كل حال، فإنَّ إسرائيل تنسق مع الإدارة الأميركية من أجل التصدي للاقتراح الفرنسي بنشر مراقبين دوليين ليس فقط في الحرم، وإنَّما أيضاً في الأحياء العربية في القدس الشرقية. وتتوقع إسرائيل من أميركا أن تعلن رفضها القاطع للاقتراح الفرنسي بعدما تلقى نتنياهو رسائل أميركية واضحة برفض الاقتراح، أعرب عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارته مدريد يوم أمس، إذ قال: «لا نسعى لتغيير جديد أو لدخول أطراف خارجية. لا أعتقد أن إسرائيل والأردن يريدان ذلك ونحن لا نقترحه. ما نريده هو الوضوح».

وكان من المقرر أن يصل نتنياهو إلى برلين للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية الأميركي. وسرت أنباء أنّه، بسبب الظروف، قد يعتذر رئيس الحكومة الإسرائيلية عن هذه اللقاءات، خصوصاً أنَّها كانت مشروطة باستتباب الوضع الأمني.

وكان كيري قد أعلن أن على الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني، اللذين سيلتقيهما، أن «يوضحا ما هو الوضع القائم في الحرم القدسي»، مشيراً إلى أنه سيبحث مع الرجلين سُبُل وقف موجة العنف الحالية والتشديد على الحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة.

وحملت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني على نتنياهو وحكومته، معتبرةً أنَّ «ما رأيناه في بئر السبع يوم أمس (الأول) هو تسليم الحكومة المسؤولية لمواطني الدولة». وقالت إنَّه «كان ينبغي على الدولة اتّخاذ قرارات صعبة، من النوع الذي يوفر الأمن لمواطني إسرائيل». وفيما أوضحت أنَّها تفهم توتّر الجمهور «لأنه خائف»، أضافت: «لقد طرأ جديد. قيل لمواطني الدولة إنَّ عليهم حمل مسدساتهم. ومن الواجب تحييد أيّ مخرب، ولكن ليس تنفيذ قتل جماعي. ثمة فارق بين تحييد مخرب والتنفيس عن الغضب والكراهية على إنسان بريء»، وكانت تقصد بذلك قتل مهاجر أريتري. وقالت ليفني إنَّ ما يجري في القدس هو «عملياً تقسيم للمدينة بيد حكومة نتنياهو».

وتعليقاً عن وفاة الأريتري الذي قتله عناصر الأمن ظناً منهم أنه منفذ عملية بئر السبع، أمس الأول، قال نتنياهو، مخاطباً مسؤولين في «الليكود»، «نحن دولة قانون ويجب ألَّا يطبق أحد القانون بيديه».