خبر نحو مشروع وطني مقاوم لتحرير الضفة الغربية.. بقلم/ وليد القططي

الساعة 01:46 م|06 أكتوبر 2015

فلسطين اليوم

نحو مشروع وطني مقاوم لتحرير الضفة الغربية

بقلم/ د. وليد القططي

كانت اتفاقية اوسلو تتويجاً للفكر السياسي الفلسطيني الرسمي الذي تبنى البرنامج المرحلي لتحرير فلسطين عام 1974 , والذي تدحرج ليحط رحاله بعد عشرين عاماً في مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية  كمرحلة مؤقتة على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع بديلاً عن حُلم العودة والتحرير الكاملين . والآن بعد ما يزيد عن عشرين عاماً أخرى من الإبحار على ظهر سفينة اوسلو المتأرجحة تبّين للقاصي والداني أن ( اسرائيل ) أرادت من السلطة الفلسطينية غير ما أردناه – نحن الفلسطينيين - , فقد أرادت منها أن تكون غطاءً للاحتلال يستطيع من خلالها أن يواصل السيطرة على الأرض والتهامها قطعة قطعة لإقامة المستوطنات عليها , والتخلّص من عبء  ادارة شئون السكان المدنية , وايجاد شريك أمني فلسطيني يقمع المقاومة , ويتخذها جسراً سياسياً  للعبور إلى العواصم العربية وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى , ولا مانع  لديه بعد ذلك من تحويل مُسّمى السلطة إلى دولة مع إبقاء السيطرة الأمنية والاستراتيجية على الضفة والقطاع والتخلّص من بعض المستوطنات المعزولة .

أما ما اردناه نحن الفلسطينيين ممثلين في منظمة التحرير الفلسطينية فهو أن تكون هذه السلطة جسراً نعبر فوقه إلى الدولة الفلسطينية المستقلة , وايجاد موطئ قدم للمنظمة داخل فلسطين يمكن من خلاله تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني , وانشاء مؤسسات الدولة المستقبلية عبر مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية ... لكن سرعان ما أدرك الشهيد ياسر عرفات استحالة تحقيق ذلك بآلية المفاوضات المباشرة مع الحكومة الصهيونية بعد سلسلة المفاوضات الفاشلة معها التي كان آخرها  في كامب ديفيد عام 2000 , وهو العام الذي اندلعت فيه الانتفاضة الثانية , التي كانت أصدق تعبير عن فشل خيار المفاوضات والعودة إلى الأصل في التعامل مع العدو وهي المقاومة اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو . كما توّصل العدو إلى نفس النتيجة باستحالة استكمال مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية بواسطة السلطة السلطة الفلسطينية طالما استمر ياسر عرفات على قيد الحياة فحاصروه في المقاطعة ثم قتلوه أملاً في وجود بديل أفضل منه لهم .

وعلى ما يبدو فقد توّصل السيد محمود عباس إلى نفس النتيجة التي أدركها الشهيد ياسر عرفات قبل استشهاده , وكان خطابه الأخير في الأمم المتحدة تتويجاً لهذه الحقيقة المُرّة بخطأ الفرضية التي ارتكز عليها الفكر السياسي الفلسطيني الرسمي بإمكانية تنازل العدو عن الضفة والقطاع لنا إذا تنازلنا عن فلسطين المحتلة عام 1948 بواسطة الضغط الدولي والعربي  دون ضغط المقاومة . ولكن السيد عباس ترك الباب موارباً , فلا هو أعلن مواصلة طريق التسوية والمفاوضات , ولا هو أعلن التخلّي عن اتفاقية اوسلو أو تجميدها , كما لم يعلن تأييده لنهج المقاومة بديلاً عن التسوية , ولم يُعطِ أي أمل بوجود أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية . وهذا كله يأتي في سياق تصاعد الجرائم الصهيونية , وسياسة تهويد القدس وعمليات اقتحام الأقصى , وتزايد وتيرة مصادرة الأراضي واقامة المستوطنات , وفي ظل تراجع القضية الفلسطينية في المحيط العربي والإسلامي  عن كونها قضة العرب والمسلمين الأولى ولا حتى العاشرة , وانشغال كل  منهم بنفسه وبصراعاتهم الداخلية وحروبهم الأهلية , وتراجع الزخم الدولي للقضية الفلسطينية لصالح قضايا أخرى طفت على السطح كالهجرة واللاجئين الجدد والملف النووي الإيراني وغيرها .

في هذا السياق المحلي والاقليمي والدولي جاءت الهبة الجماهيرية في القدس والضفة وما رافقها من عمليات فدائية بطولية لتثبت مجدداً أن الشعب الفلسطيني عبقري في اختيار اللحظة المناسبة لنقل الصراع مع العدو إلى مرحلة جديدة , برزت هذه العبقرية في الانتفاضتين : الأولى والثانية وها هي تبرز مجدداً الآن , مدركاً أن المقاومة  وحدها هي الكفيلة  بأن تجعل الاحتلال باهظ الثمن ومٌكلّف للعدو مادياً وبشرياً ومعنوياً , وانها القادرة على جعل الاستيطان مشروعاً فاشلاً بارتفاع تكلفته الأمنية والاقتصادية , وانها تستطيع  أن تضع الكيان الصهيوني بأسره في مأزق أمني ووجود , بل وتقّوض الأساس الذي يقوم عليه المشروع الصهيوني وهو توفير الأمن لليهود في ( أرض الميعاد ) .

وكي لا تضيع هذه التضحيات ولا تخمد نيران هذه الهبة الجماهيرية لا بد من استثمار هذه الأجواء الثورية في القدس والضفة الغربية وتحويلها إلى مشوع وطني مقاوم لتحرير الضفة الغربية من الاحتلال الصهيوني بدون مفاوضات  في إطار مشروع تحرير كل فلسطين , ولكن لنعمل فيما تفقنا عليه بالحد الأدنى وهو تحرير الضفة الغربية , وهو هدف ممكن التحقيق رغم اختلاف أهمية الضفة للعدو عن غزة التي سحب جيشه منها وأزال مستوطناته منها تحت ضغط المقاومة , وقبلها انسحب من جنوب لبنان تحت ضغط المقاومة دون مفاوضات . صحيح ان التكلفة ستكون ثقيلة علينا كسلطة ومقاومة وشعب والتضحيات ستكون هائلة ولكن لا خيار آخر أمامنا سوى الاستسلام  لإرادة العدو والبقاء تحت الاحتلال إلى أجل لا يعلمه إلاّ الله تعالى , وبذلك تكون المقاومة قدراً وليس خياراً ومهما كان الثمن باهظاً والتكلفة مرتفعة فهو أقل من الثمن الذي سندفعه بالبقاء تحت الاحتلال إلى ما لا نهاية وانتظار الفرج من الخارج . 

وهذا المشروع الوطني المقاوم لتحرير الضفة الغربية يجب أن يكون جزءاً  من المشروع الوطني الأكبر لتحرير كل فلسطين , وفي إطار استراتيجية وطنية شاملة تكون المقاومة محورها والتحرير هدفها , وليكن الهدف المرحلي الآن هو تحرير الضفة الغربية كهدف ممكن التحقيق اذا ما اتفق عليه الكل الفلسطيني وتم تحويله إلى خطة عملية تُطبق على الأرض وليس مجرد تنظير سياسي أو فكرة نظرية , على ان يقوم كل طرف بدوره الوطني المكلف به , ابتداء من فصائل المقاومة التي يقع عليها العبء الأكبر في التصدي للاحتلال , والسلطة التي يقع عليها عبء دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ووقف التنسيق الامني مع العدو  مهما كان الثمن باهظاً عليها  وعلى الشعب وانتهاء بمؤسسات المجتمع  المدني والقوى الشعبية التي تقوم بواجبها في دعم صمود الشعب على أرضه واستخدام آليات المقاومة الشعبية  وسلاح المقاطعة وغيرها من أساليب نضالية .