خبر « الجهاد »... صمام الأمان.. أ. محمد البطش

الساعة 01:07 م|10 سبتمبر 2015

ثمة تصريحات ومواقف سياسية كثيرة خرجت في الأسبوعين الأخيرين، تتعلق بالوضع الفلسطيني الراهن غداة الإعلان عن دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، وقد تزامنت تلك الدعوة مع الحديث عن مشروع « بلير » لتحقيق هدنة طويلة في غزة.

كان لافتاً أن حركة الجهاد الإسلامي أكثر من استشعر خطورة الوضع ومآلاته الصعبة على القضية الفلسطينية، ولذلك تحركت لاستكشاف حقيقة ما يجري، دون أن تغرق في الردود والتصريحات الإعلامية حول المواضيع سالفة الذكر، وقد لاحظ الإعلاميون ندرة ودقة التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الحركة التي ترفض أن « تحدد جدول أعمالها وفق ما تريده وسائل الإعلام المختلفة!! ».

أجرت الجهاد اجتماعات واتصالات عدة مع قيادات الفصائل والشخصيات الفلسطينية، وزار أمينها العام ونائبه كلاً من الدوحة ودمشق والقاهرة، والتقوا عزام الأحمد في بيروت، كل هذه التحركات كانت تحت عنوان إنقاذ الوضع الفلسطيني من أزمة غياب التوافق وطغيان حالة التشظي والانقسام التي باتت تعطل أي إنجاز يمكن أن نحققه في مسيرة كفاحنا الوطني.

تقدير الأمين العام للحركة د. رمضان شلّح كان دقيقاً عندما وافق على إجراء مقابلة مع قناة الميادين حول الوضع الفلسطيني، فقد جاءت المقابلة نظرياً وعملياً بمثابة دليل عمل للفلسطينيين حول إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي، فمن الناحية الإستراتيجية في إدارة الصراع رفض د. رمضان مشروع « بلير » وحذر منه لسببين، أولهما: لا خير يرجى من توني بلير الذي وصفه بالسمسار، والثاني: أن الجهاد تؤمن بأن المواجهة هي الأصل طالما وجد الاحتلال ، ولكنها تقبل بالتهدئة بما لا يمس وحدتنا الجغرافية والسياسية (لا نخرج من دائرة الصراع ولا يسمح للعدو أن يستفرد بأهلنا وأسرانا أو يتلاعب بحياة أبناء شعبنا)، وهذا يستند إلى تعاطي الحركة مع التهدئة كتكتيك في إطار المقاومة التي تقدره وفق الحاجة التي تقتضيها المصالح الوطنية والمصلحة الحياتية للناس.

ولذلك كان موقف حركة الجهاد حاسماً بالرد على استشهاد أي من الأسرى المضربين، وهو موقف ساقه الأمين العام د.شلّح في معرض حديثه عن إدارة الصراع وقدرات المقاومة، في رسالة واضحة للتأكيد على موقف الحركة التي ترفض مطلقاً استفراد العدو بأي طرف كان على الساحة الفلسطينية، وتؤمن كذلك بالشراكة بين كل أطراف المعادلة الفلسطينية التي لا تقبل التفرد.

في الموضوع المثار حول الهدنة حسم د. شلّح الموقف الفلسطيني الرافض لخطة « بلير » وقطع الطريق على كل من يرى فيها إنقاذاً لغزة عندما قال: « هذه خطة لتثبيت احتلال الضفة وإبعاد غزة من الصراع ». وفي ذات الوقت قال صراحة إنه سيذهب إلى القاهرة للبحث في إيجاد مخارج تخفف من وطأة المعاناة الواقعة على الفلسطينيين.

الاستنتاج العام من كل ما سبق أن حركة الجهاد الإسلامي تحاول أن توازن بين نهج المقاومة الذي ترى ضرورة استمراره طالما وجد الاحتلال وبين حاجات المجتمع الفلسطيني لرفع الحصار وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، دون المساس بركائز وحدة الأرض والشعب والمصير

الاستنتاج العام من كل ما سبق أن حركة الجهاد الإسلامي تحاول أن توازن بين نهج المقاومة الذي ترى ضرورة استمراره طالما وجد الاحتلال وبين حاجات المجتمع الفلسطيني لرفع الحصار وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، دون المساس بركائز وحدة الأرض والشعب والمصير.

أما في الموضوع الفلسطيني الداخلي، فلقد أبرز الموقف السياسي الذي أعلنه الأمين العام للجهاد د. شلّح خلال لقائه بالسيد عزام الأحمد في بيروت، أبرز هذا الموقف حرصاً كبيراً على حفظ ما بقى من عُرى الوحدة وهو موقف ليس بجديد على الحركة التي بدا واضحاً أنها ورغم الملاحظات الكثيرة على أداء ودور منظمة التحرير والسلطة خلال السنوات الطوال التي مضت، إلا أنها لم تيأس أمام إحباط الواقع والتجارب السابقة التي خاضتها في إطار السعي لإصلاح الوضع الداخلي وصياغة برنامج وطني جامع، فجاء مطلب الأمين العام للحركة بتأجيل اجتماع المجلس الوطني والدعوة السريعة لعقد الإطار القيادي المؤقت، وهي فرصة قد تكون الأخيرة لترتيب الوضع الفلسطيني بما يحافظ على المنظمة ويعيد لها الاعتبار كإطار ناظم لحركة التحرر الوطني بدلاً من استخدامها في الأزمات تارة ولتمرير برنامج المفاوضات والتنازل تارة أخرى.

قبل ذلك كان الأمين العام للجهاد د.شلّح توجه للقاهرة في مسعى جدي لإقناعها أولاً: بضرورة استئناف الجهود المصرية المتعلقة باستكمال تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال الذي تم التوصل إليه برعاية مصرية، وهذا يعني أن الجهاد معنية بدور مصري للابتعاد عن كل المربعات الكمائن الخطرة التي تستشعرها الحركة في الوساطات التي تقوم بها الأطراف الدولية.

 وثانياً: أن تعيد مصر الحياة لجهود إنهاء الأزمات الداخلية الفلسطينية ولعل من بينها استضافة القاهرة لاجتماعات الإطار القيادي المؤقت وجع الأطراف الفلسطيني على طاولة الحوار مجدداً.

 وأخيراً: ترتيب العلاقات المصرية بكل الأطراف الفلسطينية بما فيها حركة حماس وهذا ينطلق من رؤية د.رمضان شلّح بأن غزة بشكل خاص لا تستطيع أن تعيش في جو من الخلاف والمشاكل مع مصر. لذلك كانت غزة حاضرة في نقاشات الأمين العام مع المسؤولين المصريين، بما في ذلك قضية الشبان الأربعة المفقودين في سيناء، والتي يوليها أبو عبدالله اهتماماً شخصياً لبعديها الإنساني والوطني.

الدكتور شلّح كان واضحاً وصريحاً في تحركاته الأخيرة وهي صراحة قد لا تعجب البعض ، لكنها ضرورية كونها تضع المحاذير والمخاوف الجدية أمام كل الأطراف نتيجة أي ممارسة سياسية فردية وهو بذلك يضع الجميع أمام مسؤولياته ، فعلى سبيل المثال طرح موضوع شرعية تمثيل المنظمة ليس بهدف نزع الشرعية عنها وإنما ليعي من يديرون المنظمة بأن عليهم تحمل المسؤولية عن وضع المنظمة مستقبلاً إذا ما استمرت سياساتهم. وأيضاً في رفضه وتحذيره من خطة بلير.

وقد بلغت هذه المواقف الصريحة غايتها، فقد تم الإعلان عن تأجيل انعقاد جلسة المجلس الوطني ، كما بات واضحاً أن بلير قد فشل في تمرير خطته، وأصبح الفلسطينيون أمام فرصة جديدة للتباحث والجلوس إلى طاولة الحوار، ولا أظن أن دور حركة الجهاد قد انتهى عند هذا الحد.

ختاماً: من المهم هنا أن نشير إلى أحد الأوجه الدالة على قدرة الجهاد الإسلامي على توحيد الجهد الفلسطيني، هو نموذج مخيم جنين حيث اجتمع الأهالي وشباب المقاومة في واجب التصدي لقوات الاحتلال وهو ما نرى فيه ترجمة عملية لحديث الأمين العام د.شلّح عن الحالة الشعبية القابلة للانفجار بوجه الاحتلال في الضفة الغربية.

 

*صحفي وناشط شبابي