خبر المجلس الوطني الفلسطيني بين زمنين..بقلم د. وليد القططي

الساعة 04:34 م|08 سبتمبر 2015

لا أؤمن كثيراً بمقولة الزمن الجميل , فكل زمان فيه قدر كافي من الجمال والقبح , وملئ بالخير والشر , ويتدافع فيه الحق والباطل , فضلاً عن أن الجمال والقبح والخير والشر والحق والباطل قد تخضع للنسبية في بعض أوجهها . ولكن فيما يتعلق بتاريخ المجلس الوطني الفلسطيني سأضطر أن أؤمن بهذه المقولة وأقسّم تاريخه إلى زمنين – من وجهة نظري على الأقل – يُفصل بينهما الدورة الثانية عشر في القاهرة التي وافق فيها المجلس على البرنامج المرحلي للتحرير . مع إدراكي أن البعض – وفق نظرية النسبية – يُسمّى المرحلة السابقة لهذه الدورة بمرحلة الجمود قاصداً التمسك بالثوابت الوطنية والحقوق الطبيعة والتاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني .

فقد كان المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره المؤسسة العُليا لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائه عام 1964 م عنواناً للوحدة كونه الإطار السياسي الجامع لقوى الشعب الفلسطيني الفاعلة , والبرلمان الممثل فيه معظم فئات الشعب الفلسطيني في تلك المرحلة . وقد كان عنواناً للتمسك بالثوابت الوطنية والحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني عندما حدد الهدف الوطني بتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر وأكد على حق العودة . وقد كان عنواناً للتأكيد على هوية القضية باعتبارها قضية وطنية محورها تحرير الأرض والإنسان وليست مجرد قضية إنسانية لمساعدة اللاجئين , وقد كان أيضاً عنواناً للهوية الوطنية الفلسطينية بأبعادها الوطنية والقومية والإسلامية وصياغة رموزها الجامعة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده . وقد كان واضحاً في تحديد وسيلة التحرير بالكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد , وفي رفضه للمشاريع السلمية التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها القرار 242 الصادر عقب هزيمة حزيران 1967 م , ولم يخطئ في تحديد العدو ممثلاً في الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية .

لم يستمر هذا الزمن طويلاً فقد بدأ بالتغير التدريجي ابتداءً من الدورة الثانية عشر للمجلس عام 1974م في القاهرة الذي تبنى فيه البرنامج المرحلي الذي ينص على إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها , وأن أي خطوة تحريرية تتم هي حلقة لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية وكان هذا التحّول في الخطاب السياسي لأعلى سلطة في المنظمة هو الذي مهد لاتفاقية وسلطة أوسلو بعد ذلك بعشرين عاماً .

وما بين الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني عام 1974 التي تبنى فيها البرنامج المرحلي , والدورة الواحد والعشرون في غزة عام 1996 والتي تم فيها تعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني لتتلاءم مع اتفاقية أوسلو ثمان دورات ثم في كل دورة منها تسجيل تنازل جديد في الخطاب السياسي الفلسطيني , وأهم محطاتها الدورة العشرون في الجزائر عام 1991م والتي سبقت اتفاقية أوسلو والتي تحدثت في قراراتها السياسية عن ترتيبات انتقالية مؤقتة لإقامة الدولة الفلسطينية التي تُرجمت فيما بعد إلى سلطة فلسطينية مؤقتة تمهيداً للدولة التي لم تأتِ بعد .

من الواضح أن هذه التنازلات جاءت كمحصلة لتغيرات الكثير منها موضوعية لها علاقة بالمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية , ولكن بعضها ذاتية ناتجة عن فكر سياسي يقوم على فرضيات ثبت خطأها تعتمد على استراتيجية التنازل كآلية لتحرير بمعنى أنه لو اعترفنا بشرعية ( اسرائيل ) على اكثر من ثلاثة أرباع مساحة فلسطين ستترك لنا بقية فلسطين ( الضفة والقطاع ) , وأن الحل السياسي التفاوضي مع ( اسرائيل ) بالرعاية الأمريكية سيحقق جزءاً من المطالب الفلسطينية التي ستكون موطئ قدم لتحقيق المطالب الأخرى , وأن أمريكا ستضغط على ( اسرائيل ) لتقديم ثمن للسلام رغبة من أمريكا في تحقيق الاستقرار في المنطقة ...

ولم يكن الفكر السياسي الذي انتج التنازلات المتواصلة منذ عام 1974م والتي أوصلتنا إلى المأزق الحالي هو الخطيئة الوحيدة للمنظمة والمجلس الوطني , بل كان تجاهل وإقصاء قوى أساسية في الساحة الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي عن المشاركة في المجلس هو بمثابة خطيئة أخرى يتم تكريسها مجدداً من خلال الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله بدون مشاركة الحركتين رغم قوتهما الشعبية والنضالية , بينما تشارك فصائل منطوية تحت جناح المنظمة لم يعد لها وجود شعبي أو نضالي في الساحة الفلسطينية .

ان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بمكوناته الحالية لا يعكس موازين القوى السياسية والشعبية والنضالية الحقيقية , وهو ترسيخ للانقسام وضد مبدأ الشراكة السياسية , ولن يحل أي مشكلة أو أزمة من مشاكل وأزمات الشعب الفلسطيني كالاحتلال والانقسام والحصار والفقر وغيرها , وأي انعقاد للمجلس الوطني الفلسطيني يجب ان يقوم على اسس شرعية شعبية وتمثيلية وثورية كاملة , وفي اطار اعادة بناء المنظمة على اسس توافقية تحمي الثوابت الوطنية وتحفظ مصالح الشعب الفلسطيني وتقوم ببناء استراتيجية وطنية جامعة تستند إلى مشروع وطني موّحد لتحرير فلسطين .