خبر بين الانتماء والاخلاقية -يديعوت

الساعة 08:29 ص|07 سبتمبر 2015

فلسطين اليوم

بقلم: شمعون أزولاي

د. محاضر للفلسفة في الجامعة العبرية وعضو وحدة البحث في معهد برنكو-فايس

 (المضمون: جثة الطفل الميت تحطم كل حجة محتملة: ليس للطفل تاريخ وليس له ذنب، لا يمكن أن يعزى له الطمع والبحث عن المال السريع. فهو يجسد الانسانية بجوهرها ويضع امامنا حدود الولاء والصلة بالطائفة - المصدر).

صورة اللاجئين التي تغمر اوروبا تثير موجات من ردود الفعل والاصداء، ومعها يبرز الخلاف بين المؤيدين والمعارضين، بين الطاردين والمعانقين. هناك من يسرهم أن يروا اوروبا مشوشة وهناك منذ الان من يؤبنها. ولن لا يوجد هنا أولياء واشرار، والعصف الوجداني ليس من نصيب اوروبا وحدها. فما يظهر امامنا ليس فقط موضوعا اقتصاديا أو سياسيا بل معضلة اخلاقية وقيمية. وهي لا تتعلق فقط بالقطارات التي تشق طريقها من هنغاريا الى المانيا، بل تتعلق في كل لحظة ولحظة من حياتنا: المعضلة بين الولاء للهوية والطائفة وبين الالتزام الاخلاقي للانسان بصفته انسانا.

الولاء للهوية والانتماء للطائفة هما اساسيان وطبيعيان. فنحن لا نولد وننمو في فراغ، بل لعائلة ولشعب معينين – نحن جزء من القصة. معقول بل وحتى أخلاقي ان نفضل أقرباءنا. فالهوية هي التي تظهر في الوقفة الفورية الى جانب الطائفة، الجنس او القومية. فاذا ما كنت مثلا اعرف عن جريمة أخي، فان التردد في تسليمه معقول. وبالعكس فان التسليم الفوري عديم الشك سيبدو في نظرنا غريبا. والولاء احيانا افضل من العدل.

الولاء للطائفة وللهوية هو جزء لا يتجزأ وجوهري من حياتنا، ونحن نحتاجه كي نبني حياة ذات مغزى. وأمامه تقف الحرية والمطلب الاخلاقي المطلق، عديم الحدود وعديم الهوية. تلك التي تطلب منا احيانا حتى ان نقف امام الطائفة حين تمس بالقيم الاساس للانسان.

نحن بحاجة لكليهما ونتحرك بينهما. لا يمكنني أن احب الجميع وذلك لاني لا اكون احب احدا حقا. انا كفيل أن أكون كاولئك الاشخاص الذين يحبون الانسانية، ولكنهم لا يحبون الناس حقا. من جهة اخرى، فان الانغلاق داخل الطائفة وداخل الهوية يمكن أن يؤدي الى التزمت، انغلاق الحس وفقدان الحرية، الى حرب هوية لا تنتهي واغلاق حدود حقيقي ووهمي.

نحن نعرف هذا في اسرائيل، واوروبا تكتشف هذا الان امام اللاجئين. وبالذات اوروبا، التي حاولت شق الحدود واختارت لنفسها نشيدا جوهره اخوة الانسان بصفته انسانا تكتشف قوة الهويات التي اعتملت تحت السطح. فاوروبا لم تكن ابدا موحدة حقا، تماما مثلما لا يمكن لاي منا ان يكون كونيا حقا.

يمكن للانسان  وينبغي له أن يحافظ على طائفته وعلى هويته. فلا يمكن أن نقبل كل انسان لكل نادٍ. هذه هي الحدود المعقولة لتقييد الهجرة بدوافع اقتصادية. غير أن ثمة لحظة يتفجر فيها ستار الهويات. ثمة لحظة تهز فيها صورة طفل ينجرف الى الشاطيء الولاءات والصلات الطبيعية وتوقظ الانسانية التي في الانسان.

جثة الطفل الميت تحطم كل حجة محتملة: ليس للطفل تاريخ وليس له ذنب، لا يمكن أن يعزى له الطمع والبحث عن المال السريع. فهو يجسد الانسانية بجوهرها ويضع امامنا حدود الولاء والصلة بالطائفة. ومن لحظة تحطم حياة الانسان فيهيم في العالم عديم الاتجاه وعديم المكان، تجد ان من واجبك ان ترمم ثقته بالعالم. هذه هي اللحظة التي يتعين فيها عليك ان تفتح طائفتك، مهما كان الثمن والمخاطرة. والا ستكتشف بان لديك طائفة رائعة وذات مغزى تهيم في عالم عديم المعنى – عالم يلفظ فيه الاطفال نحو الشاطيء.