خبر طريق التهدئة المسدود

الساعة 06:40 ص|07 سبتمبر 2015

أطلس للدراسات

ما بين أجواء التفاؤل المفرطة حول التهدئة التي سادت قبل أكثر من أسبوع، وبين عودة التهديدات الإسرائيلية والتلويح باحتلال مستشفى الشفاء والحديث عن فشل وساطة بلير؛ تكمن الأزمة الحقيقية لحوارات التهدئة، التي يقدر كل متابع موضوعي انها ستصل الى الفشل مقارنة بالتوقعات الكبيرة التي رافقتها، وذلك دون الحاجة للإحاطة بتفاصيل الحوارات.

ورغم أن أجواء التفاؤل وعودة لغة التهديد ما هي إلا أدوات دعائية ورسائل إعلامية في سياق الردع والحرب النفسية أو في سياق زرع الأمل وبث التفاؤل لتعزيز الصمود والصبر بقرب قطاف ثمرة التضحيات، وهي تعكس صورتين متناقضتين؛ إلا ان المشترك بينهما هو عدم الواقعية، فلا التهدئة المقرونة برفع الحصار البري والبحري منظورة المستقبل، ولا إسرائيل تنوي الوصول لمستشفى الشفاء في الحرب القادمة، لأسباب كثيرة أهمها التكلفة العالية وفشل النتائج.

 

مركبات أزمة حوارات التهدئة

أولى مكونات هذه الأزمة انها ولدت في رحم خطيئة الانقسام ويراد لها تعميقه، وولدت بعيدًا عن غطاء الشرعية السياسية الفلسطينية؛ مما يجعلها أمام تكرار مطلب الدفع بالعملة السياسية دخول حماس في نفق الاحتواء ودفع أثمان جزرة الشرعية.

كما ان نتائج الحرب الأخيرة وحجم التضحيات واشتداد الحصار من الجانب المصري جعلتنا نغادر مربع التهدئات الميدانية السابقة التي لم تكن مشروطة حقيقة بتحقيق إنجازات كبيرة، وكانت تنظر إليها إسرائيل على انها مجرد وقف لإطلاق النار من الجانب الفلسطيني، وتتصرف هي وكأن يدها وسياساتها طليقة؛ غادرنا مربع التهدئات الميدانية ووضعنا لمقاومتنا أهداف رفع الحصار البري والبحري دون أي ثمن، على اعتبار ان هذه الأهداف دفع ثمنها ممهورًا بالدم وباتت حقًا مكتسبًا، لكن يبدو اننا علقنا في منتصف الطريق، فنتائج الحرب الاجمالية على المستوى العسكري عززت روح المقاومة والصمود، وأثبتت ان غزة عصية على الكسر رغم جبروت العدوان، وشكلت ردعًا معينًا للمغامرات الإسرائيلية، وباتت غزة رقمًا صعبًا من الناحية العسكرية يحسب له ألف حساب، وقد كوي الوعي الاسرائيلي بمستوياته وشرائحه المختلفة بأن أمنهم طويل المدى لن يتحقق إلا بتسوية تستجيب فيها إسرائيل لمطلب رفع الحصار، لكن مع كل ذلك فإن نتائج الحرب التي عززت تمسكنا بمطالبنا وبثت فينا الكثير من الثقة وجعلتنا نغادر مربع التهدئات الميدانية لما هو أوسع وأرحب لم تصل بعد الى حد كي الوعي الاسرائيلي بالهزيمة وأنه مضطر للذهاب لمسارات التسوية.

إسرائيل من جهتها تشعر أيضًا أنها ردعت غزة وكبدتها خسائر كبيرة ومؤلمة، تجعلها تحسب ألف حساب قبل التفكير بالمبادرة بتصعيد عسكري، وهي بذلك تراهن على ما تحقق حسب اعتقادها من ردع لغزة، وتعمل الى جانب ذلك على المحافظة على التهدئة عبر تنفيس الاحتقان في القطاع بواسطة تسهيلات من حين الى آخر، وبواسطة خلق انطباع بأن وجهتها نحو محاولة إيجاد مقاربة مقبولة لرفع الحصار عبر رسائل إيجابية مختلفة ينقلها وسطاء دوليون، وأيضًا تأتي أحيانًا عبر تصريحات مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وأمنيين، أي التلويح بالردع والعصا الغليظة من جهة والتنفيس وتقديم عروض غامضة بروح إيجابية من جهة أخرى، والمهم لديهم هو تقطيع الوقت وكسب المزيد من الهدوء.

نتنياهو لن يستجيب لمطلب رفع الحصار البري والبحري بدون مقابل طالما انه لم يشعر بالهزيمة أمام غزة، وأنه مضطر، وأنه خياره الوحيد، رغم كل ما سينطوي عليه من خسارة سياسية داخل الحلبة الإسرائيلية، حيث سيعتبر استسلامًا أمام حماس وسيكون له تداعياته على ما يسمى بتماسك جبهتهم الداخلية، وعلى مستوى ثقة الاسرائيليين بحكومتهم وجيشهم ودولتهم، وقدرة هؤلاء على توفير الأمن.

صحيح ان إسرائيل تريد، بل وتسعى للتخلص من غزة، بما تشكله من عبء أمني وسياسي وديمغرافي، ولتدق المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية؛ لكنها لا توهم نفسها بأن حماس ستقبل أن تخرج غزة من الصراع، وحتى فرضًا لو ان حماس لمحت الى ذلك، فإن إسرائيل لن تصدقها ولن تصدق ان غزة، التي تعتبر حاملة مفتاح العودة، يمكن لها ان تصل الى ذلك الحد من الانهزام، لا سيما في ظل حكم حماس وشعورها القوي بنشوة النصر.

كما ان لشخصية نتنياهو عامل مهم في أزمة وصول الحوارات الى طريق مسدود، فهو من النوع الذي يقدس الوضع الراهن، وهو ليس ثوريًا بما يكفي للوصول الى اتفاقات جديدة، يخشى التغيير ومحكوم بالولاء للمتزمتين ويفتقد لكاريزما رابين وشارون، لدرجة انه حتى اليوم يدين انسحاب شارون من القطاع، وهو الذي مقابل عدم الافراج عن 30 أسير فلسطيني تقريبًا أفشل مفاوضاته مع أبي مازن بوساطة كيري وغامر بتحميل إسرائيل المسؤولية السياسية لفشل المفاوضات، لأنه لم يجرؤ على مواجهة لوبي اليمين، فهل سيجرؤ على ان يقدم ميناء لما يطلق عليهم « حماسستان ». يضاف لذلك ملف الأسرى ورفات الجنود الإسرائيليين، وهو ملف معقد للغاية وذو حساسيات كبيرة لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وعليه؛ فإننا نجد ان أزمة الحوارات بين حماس وإسرائيل هي أزمة عميقة ومستمرة، وتعود لأسباب موضوعية تجعل إمكانية نجاحها تصل الى الصفر، ودون الحاجة تقريبًا لمعرفة من قال وماذا قال؛ فإن الفشل هو المرجح دومًا.

وللفشل مخاطر كبيرة أولها انه يصيب الجميع بخيبة أمل وإحباط عميق يؤدي مباشرة الى تسارع وتيرة التجهيز والاستعداد والاندفاع لمواجهة جديدة، وأن مجرد إشاعة أجواء الحرب ستحمل ديناميكية خاصة بها تزيد حالة التوتر وأجواء التصعيد، مما يجعل الانزلاق لحرب جديدة هو الخيار الأقرب؛ لذلك وخشية من إعلان فشل الحوارات ربما ستلجأ جميع الأطراف لطلب تدخل أطراف جديدة على خط الحوارات واحتواء الموقف.