خبر قصة المهاجرين .. المقارنة الجارحة مع سلوك الغرب ..!.. أكرم عطا الله

الساعة 07:59 ص|06 سبتمبر 2015


تتفاعل قضية المهاجرين بشكل ربما كأبرز حدث يشد القارة الأوروبية في العقود الأخيرة، مشاهد الموت والغرق للأطفال وعائلاتهم هزت الضمير الأوروبي بشدة إلى الحد الذي أرغم حكوماتها على التصرف بسرعة خوفا من رأي عام مصدوم وساخط، في البداية تحركت المستشارة الألمانية ميركل وبدأ تحرك هادئ من بعض دول وقد شنت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية حملة كبيرة على الحكومة البريطانية لتجاهلها  قضية اللاجئين ليسارع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تحت ضغط الحملة ويعلن على صفحته على «الفيسبوك» أول من أمس، استجابة الحكومة بتخصيص 900 مليون جنيه استرليني لتوفير طريق آمن للمهاجرين للوصول لبريطانيا وتقديم خدمات إغاثية.
الحكومة النمساوية استجابت بعد ذلك لترسل حافلات تقلهم من مخيمات اللجوء في هنغاريا إلى النمسا بعد أن علمت أنهم بدؤوا التحرك سيرا على الأقدام بعد توقف القطار النمساوي هذا بعد أن أعلنت كل دولة عن مساهمتها باستيعاب وإنقاذ العدد الذي تم تقسيمه وفقا لإمكانيات الدول فقد تطوعت كل دولة لتقديم العون والمساهمة بتخفيف الكارثة التي حدثت وحلت بالشعب السوري.
السلوك الأوروبي كان صادما بالنسبة للشعوب العربية في إنسانيته وقد أخذت المقارنات طريقها على صفحات التواصل الاجتماعي بين مجتمعات لديها فائض إنسانية عززتها الصور الواردة من هناك وبين الدول العربية التي خلت تماما من أي شعور إنساني تجاه الكارثة، وذهبت التساؤلات أبعد عن دور وسائل الإعلام والعلماء الذين قادوا موجة التحريض على الفتنة. والمفكرون الذين صمتوا فجأة أمام أخطر أزمة إنسانية مثل القرضاوي وعزمي بشارة وشيوخ الجهاد وغيرهم الذين لم يجرؤ أي منهم على إصدار فتوى تحريم إغلاق الدول العربية في وجه اللاجئين فجأة تحولوا إلى حملان وديعة فقد صنعوا الكارثة وهربوا من نتائجها.
منذ عقود هناك مقارنات خافتة لأن سطوة الدعاة كانت أكبر من مواجهتها .. هؤلاء الذين استظلوا بالأمراء والملوك كانوا ولا زالوا يفصلون الفتاوى بما يتوافق مع مصالح السياسة والسياسيين الذين عجزوا عن بناء أوطان كان يجب أن ينساق المنظرون للدفاع عنهم وحين عجزوا عن الدفاع وجدوا في النيل من قيم الحداثة الأوروبية وسيلة أفضل فعندما تكون فاشلا فإن أفضل وسيلة هي الهجوم على الآخر الناجح.
كل من زار أوروبا وجامعاتها وشوارعها وصناعاتها أو حتى قرأ عنها أصابته الغيرة على المنطقة العربية التي تعيش في القرون الوسطى وتقبع في ذيل الأمم وعندما بدأ جيل الحداثيين يطالب بالاستفادة من ذلك التقدم صرخوا جميعا بصوت واحد «يريد أن يقلد الغرب الكافر» وليتنا نجحنا في تقليده وعلمه وأخلاقه وإنسانيته وحضارته ربما لصنعنا شيئا لهذه الأمة التي تهرب من أوطانها وهنا الحديث عن الشعوب وليس الحكومات التي تجري خلف مصالحها وتحالفاتها.
أتذكرون مقولة إن الغرب يعيش حالة من التحلل ثم كشفت لنا مأساة اللاجئين أنه أكثر شعوب الأرض تماسكا فقد هب على قدم رجل واحد لتقديم المساعدة واستعدت مئات الآلاف من الأسر «المتحللة» لاحتضان عائلات تطلب نجدتها ومقولة إن المرأة مجرد سلعة في الغرب بينما نحن من احترم المرأة .. وبمعزل عن وضع المرأة البائس في المنطقة العربية التي تعاني من الاعتداء والضرب والإهانة والمرتبة الدنيا والرجال بالزواج عليها بلا ضوابط فقد اكتشفنا أن المرأة هناك اكثر احتراما بما لا يقاس إلا من قلة قبلت تسليع نفسها فميركل وحدها تعكس الفارق بين المرأة لدينا ولديهم.
اللاجئون الذين هاجروا وسقط بعضهم في منتصف رحلة الموت كشفوا سقوطنا جميعا كمنظومة وعي عربي وثقافة هي وليدة تاريخ من الدم والقتل وأسقطوا معهم الأنظمة العربية والشعوب العربية التي تشبه ملوكها لأنهم نتاج نفس الثقافة التي لا تقيم أي وزن للإنسان وقفت مكشوفة بلا أخلاق في هذا الامتحان لقد سقط الدعاة الذين أغرقوا الفضائيات بدموع التماسيح وهم يتباكون على الشعب السوري في ظل حكم الأسد وحين تمزق الشعب السوري أشاحوا بوجوههم خوفا من غضب السلطان، لقد سقط المفكرون ومنظرو الثورات والمثقفون، سقط الإعلام الحر والأسير، وإعلام الرأي الآخر الذي اكتشف أنه ليس سوى بروبوغاندا الدمار والفوضى الخلاقة.
نحن نقف عراة أمام ماضينا وحاضرنا المخجل وعاجزين تماما كما فعلنا ووعينا وثقافتنا وتاريخنا مصدومين من هول الحدث وكيف تتوزع أمتنا على أرصفة العالم ونحن لسنا أكثر من متفرجين بل وأبعد أن البعض يحسد هؤلاء على الوصول لتلك الأرصفة وذلك العذاب، فأي فخر هذا في أمة يهرب أبناؤها من أوطانها إلى المجهول .. إلى الغرب الذي يظهر إنسانيته ويحنو عليها أكثر من أوطانها فمقارنة سيدات هذا الغرب يلتقطن الصور مع المهاجرين فيما تزورهم أميرات العرب من خلف جدار شائك وحدها تكفي.
إن أمة كامتنا بحاجة إلى رجة عنيفة كي تستعيد وعيها الغائب والمغيب بفعل فاعلين كثر، بحاجة إلى عملية هدم كبيرة كي تنظر لنفسها وتبدأ من جديد تعيد النظر بكل مكوناتها السياسية والأخلاقية والثقافية، أما أن تستمر في التعامي والجهل وتتلقن ثقافتها من دعاة ومنظري الأمراء وتصدق أن لديها تفوقا على كل الأمم فتلك هي الكارثة الحقيقية أن ليس لدينا ما نغتر به أمام العالم سوى الخراب والجهل وفشل الطب والتعليم وفشل إدارة الدول والأهم عدم احترام الإنسان فهل تشكل مأساة اللاجئين تلك الرجة العنيفة أم ستنتهي القصة بنواح خافت؟