خبر خيارات إسرائيل المرتبكة..محمد السعيد إدريس

الساعة 07:48 ص|06 سبتمبر 2015

خيارات إسرائيل نحو إيران واتفاقها النووي تزداد تعقيداً بعد أن تكشفت فضائح ما كان يعد استراتيجياً داخل اسرائيل بالخيار الأول، وهو توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية.

إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كشف في حوار تلفزيوني مثير كيف أفشل وزراء الحكومة المصغرة وقادة الأجهزة الأمنية هذا الخيار وقت أن كان وزيراً للحرب في حكومة بنيامين نتنياهو، كما كشف أن إسرائيل فكرت ثلاث مرات في أعوام 2010، 2012، 2013 ضرب وتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

تحدث باراك عن مسألتين أساسيتين سيطرتا على المناقشات ولم يستطع الوزراء المجتمعون الاتفاق حول إجابات محددة عليها ومن هنا كان رفض خيار الضربة العسكرية، المسألة الأولى وصفها باراك بـ «النضج العملياتي» بمعنى: هل الجيش الإسرائيلي قادر على أن يضرب بشكل ذي مغزى المنشآت النووية الإيرانية ويعيد طياريه إلى الديار بسلام.

أما المسألة الثانية التي اعتبرها مصيرية فكانت: من أجل ماذا يمكن وصف قرار الضربة العسكرية بأنه خيار جيد مع أسئلة أخرى من نوع: ماذا ستكون نتائج هذه العملية إذا ما نجحت؟ ماذا ستحدث العملية بالمشروع النووي الإيراني، وماذا ستحدث في الشرق الأوسط؟

وإذا كان باراك قد اتهم أشخاصاً بأسمائهم بأنهم هم من أعاقوا قرار الضربة العسكرية الإجهاضية للمنشآت النووية الإيرانية مثل: مائير داغان، يوفال ديسكن، غابي اشكنازي، تمير باردو، دان مريدور، بيني بيغن، يوفال شتانيتيس، ويوجي يعلون، وأنه، أي ايهود باراك مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان هم من كافحوا لفرض خيار الضربة العسكرية فإن الاتهامات أخذت تنال بالأساس من شخص باراك نفسه وبنيامين نتنياهو من منطلق افتقادهما صدق النية وافتقادهما العزيمة على اتخاذ القرار، وهناك شبه توافق على أن فشل خيار الضربة العسكرية له ثلاثة تفسيرات أو، بالأحرى، ثلاثة أسباب.

أول هذه الأسباب، وكما يقول الكاتب «بن كاسبيت» في صحيفة «معاريف»، هو نتنياهو لأنه لم ينجح في تجنيد القوى النفسية المطلوبة لاتخاذ القرار، ولأنه رئيس حكومة قوي فقط بالأقوال وضعيف بالأفعال، ومن هنا جاء تجرؤ أشخاص مثل يوفال شتاينتيس ودان مريدور وبيني بيغن، وايلي يشاي وبوغي يعلون على رفض هذا القرار، هم تجرأوا لإدراكهم أن نتنياهو، حسب إدراكهم، لم يكن جاداً في الدفع بهذا الخيار.

أما السبب الثاني فهو رفض الأجهزة الأمنية للقرار، من منطلق خطر وهو التحسب للنتائج، ما يعني أن إسرائيل بإدراك القادة الأمنيين لم تكن قادرة على تحمل نتائج ما بعد هذه الضربة في حال حدوثها.

كان على رأس الرافضين مائير داغان رئيس الموساد، ويوفال ديسكن رئيس الأمن الداخلي (الشاباك) وكل من غابي اشكنازي وعاموس يادلين وافيف كوخافي من المخابرات العسكرية.

السبب الثالث هو باراك نفسه، لأنه وزير الحرب وصاحب القرار الأساسي، ولعل هذا ما يفسر أسباب الحملة الشديدة الآن عليه، إضافة إلى أنه لم يكتف بالهروب من اتخاذ القرار، عكس ما يزعم، بل إنه فضح القدرات الاستراتيجية الإسرائيلية، ومن هنا جاء اتهامه من جانب بعض الكتاب بأنه «عميل إيراني» واتهامه من جانب كتاب آخرين بأنه «عميل باراكي» أي أنه عميل لنفسه ويخوض معاركه الشخصية على حساب كل شيء، حتى ولو كان على حساب المصالح الوطنية العليا، فهو بهذا الاعتراف سيعطي للإيرانيين أوراقاً مهمة للنيل من إسرائيل سيكون في مقدورهم توظيفها للمضي قدماً في امتلاك القنبلة النووية وامتلاك الصاروخ الباليستي القادر على حمل هذه القنبلة إلى حيث يريدون، مثل القول بعد كل هذه المكاشفات الإسرائيلية الفاضحة «نحن ملزمون بالدفاع عن أنفسنا من هؤلاء المجانين في «تل أبيب» الذين جلسوا وخططوا كيف يهاجموننا»، ومثل «العالم سيفهم الآن لماذا نقوم بامتلاك صواريخ باليستية، وسيبرر لنا هذا الأمر، خصوصاً أنه لم يعد الحديث يدور عن تكهنات وإشاعات بتهديدات إسرائيلية، بل عن اعترافات مباشرة من أحد كبار المسؤولين الصهاينة عن الأمن».

مكاشفات إيهود باراك دفعت الصحافة الموالية لرئيس الحكومة وخاصة صحيفة «إسرائيل اليوم» لتشديد هجومها عليه وإفقاده فرص تحقيق «الصيد في المياه العكرة هذه الأيام الذي يخوض فيها نتنياهو حرباً داخل الكونغرس ضد الرئيس الأمريكي لإفشال موافقة الكونغرس على الاتفاق النووي مع إيران، من بين ما حرصت الصحيفة على قوله إن ما قام به باراك هو «كشف أسرار إسرائيل التي من المفترض أن تبقى لغزاً لخصومنا» وأنه من دون مبرر تم نشر تفاصيل متعلقة بقدرات الجيش الإسرائيلي، التي أفضت، في نهاية المطاف، إلى الخلاصة النهائية وهي: عدم مهاجمة إيران.

هكذا وضع باراك نهاية مأساوية لخيار مشكوك في حديثه، الأمر الذي دفع نتنياهو للتمسك بالخيار الثاني وهو إسقاط الاتفاق النووي داخل الكونغرس الأمريكي وخوض حرب ضد الرئيس باراك أوباما وهو الخيار الذي يراه إسرائيليون منتقدون بأنه خيار فاشل هو الآخر، ودفعهم للبحث عن خيار ثالث بديل بعد أن فشل الخيار العسكري قبل أن يبدأ، وحتماً سيفشل خيار نتنياهو في الحرب ضد الرئيس أوباما الذي من شأنه أن يؤدي إلى خسارة إسرائيلية هائلة فضلاً عن الانقسام المؤكد في صفوف اليهود الأمريكيين بين مؤيد لرئيس الحكومة وخاصة منظمة «إيباك» (اللوبي الصهيوني) و مؤيد للرئيس الأمريكي.

فقد بادر عشرات المسؤولين السابقين الكبار في الجهاز الأمني الإسرائيلي والجيش والمخابرات (بعضهم ممن تزعموا في السابق رفض خيار الضربة العسكرية) إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية برسالة يطالبونه فيها بالتسليم بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، وطالبوا في رسالتهم الحكومة الإسرائيلية بالتفرغ لتجديد الثقة وتعزيز التعاون والتنسيق السياسي والأمني مع الإدارة الأمريكية، وأوضحوا أن إسرائيل تحتاج إلى انعطاف حاد في توجهاتها السياسية والمبادرة إلى خطوة سياسية توفر الثقة وتدعم إسرائيل في حل الدولتين مع الفلسطينيين، وتسمح بإنشاء مسار «سُني- غربي» معتدل ضد القوى المتطرفة التي تقوض الاستقرار في المنطقة.

من بين الموقعين على هذه الرسالة باسمهم وباسم زملاء لهم ما زالوا في الخدمة ولا يستطيعون الإدلاء بآرائهم رئيسا الشاباك سابقاً عامي ايالون وكرمي غيلون، ونائب رئيس الموساد سابقاً عميرام ليفين، والعميد احتياط عوزي عيلم الرئيس السابق للجنة الطاقة النووية في ديوان رئيس الحكومة، والجنرالات السابقين ديفيد بن يعشاط، وشلومو غازيت، واليكس طال، وابيعيز بعاري، وعمرام متسناع، ومندي ماروز، وداني روتشيلد، وغيورام رام، وميخا رام، وامنون ريشف، ونتاي شاروني وغيرهم.

هذا الخيار تدعمه أطراف أخرى من بينهم 340 حاخاماً يهودياً من مختلف أنحاء الولايات المتحدة وجهوا (18-8-2015) رسالة إلى أعضاء الكونغرس الأمريكي تحثهم على دعم الاتفاق مع إيران، ووصفوا الاتفاق بأنه «يهدف إلى منع إيران من حيازة السلاح النووي». واضح من تعدد هذه الخيارات أن الكيان يواجه ارتباكاً استراتيجياً في التعامل مع المتغيرات الإقليمية الجديدة وخاصة في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي وبالذات خطر التقارب الغربي والأمريكي على وجه الخصوص مع إيران، وخطر تداعي الوظيفة التاريخية الإسرائيلية كأهم قاعدة للدفاع عن المصالح الغربية في الشرق الأوسط بظهور أطراف إقليمية أخرى قادرة على القيام بالمهمة، فضلاً عن تداعيات سقوط رهانات نتنياهو على أولوية الملف الإيراني وأولوية الخطر الإيراني للهروب من استحقاقات باتت ضرورية وحتمية نحو الشعب الفلسطيني.