خبر حروب إسرائيل التي تغيّرت بتغيّر الذات والأعداء.. حلمي موسى

الساعة 07:24 ص|31 أغسطس 2015

تبدو إسرائيل في كثير من المرّات وكأنها كيان غريب الأطوار والسلوك، خصوصاً في أدائها العسكري. ويشهد على ذلك حجم التناقض بين التقديرات وطبيعة المخاوف التي يبديها القادة السياسيون والعسكريون والسياسة التي يتبعون. فمن جهة تسمع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وهو يتعامل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما فتظن أن إسرائيل هي القوة الأعظم في العالم وليست أميركا. وتسمع تقديرات قادة الجيش الإسرائيلي حول البيئة الاستراتيجية فتشعر أن الدولة العبرية تعيش عصراً ذهبياً تداعت فيه المخاطر الوجودية القريبة ولم يعد هناك خطر وجودي سوى المشروع النووي الإيراني.
ومع ذلك فإن الإسرائيليين والعرب على حد سواء يقرون بقدرات الجيش الإسرائيلي مقارنة بما هو متوفّر من القدرات العربية. ويرى الجميع كيف أن الانقسامات والحروب الداخلية العربية سواء داخل القطر الواحد أو بين بعض الأقطار حرمت العرب من أن يكون لهم جبهة واحدة يمكن أن يقولوا إنها جبهتهم الموحدة. وبالتأكيد كان هذا في مصلحة إسرائيل التي لم تعد تستشعر خطراً من النظام العربي لا بصورته المجتمعة ولا بصورته المنقسمة. وهناك قول بات راسخاً في الذهن الإسرائيلي وهو أنه ليست هناك جيوش عربية لمحاربتها. وهذا ما قاد إلى رفع التقديرات بشأن المخاطر الأخرى وأبرزها ما تسميه إسرائيل «منظمات ما دون الدولة» وتقصد بها بشكل كبير «حزب الله» في لبنان و «حماس» في قطاع غزة واحتمالات أن يتبلور خطر من تنظيم «داعش» سواء في الجبهة السورية أو حتى من سيناء.
وبخلاف منظومة الحروب التقليدية التي كانت إسرائيل تعرف فيها مواضع الضعف المركزية فتضربها وتنهار الدفاعات التي في مواجهتها وتحقق الاختراق وبالتالي الانتصار، نشأت منظومة حروب غير تقليدية كانت حرب لبنان الثانية والحروب على غزة نموذجاً لها. وتميّزت الحروب الأخيرة بعدم قدرة إسرائيل ليس فقط على تحقيق الانتصار فيها وإنما أيضاً على تحديد موعد انتهائها. وكان جلياً أن جانباً هاماً من أسباب ذلك يعود إلى عجز إسرائيل عن تحديد مواضع الضعف المركزية وبالتالي انعدام القدرة الجوهرية على التأثير الحاسم في الخصم.
ولكن إلى جانب ما سبق تميّزت الحروب الأخيرة بلجوء إسرائيل إلى الغارات الجوية وتجنّب الحركة البرية. وكان الدافع الأبرز لذلك هو الخشية من وقوع إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين. فالاشتباك مع مقاومين لم يعُد مهمة سهلة. وهذا ما خبرته وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي مثل إيغوز وشييطت في لبنان والمظليين وشييطت في غزة. ومن الجائز أن المقالة المنشورة هنا حول النقاشات حول احتلال مستشفى الشفاء بغزة في الحرب المقبلة تظهر جانباً من التردّد في الأداء الإسرائيلي.
ومن المؤكد أن التردّد لا يعود فقط إلى اعتبارات قانونية فاحترام إسرائيل لقوانين الحرب مشكوك جداً فيه وهو ما تؤكده الكثير من المحافل الدولية. أن التردّد يعود أساساً إلى التغييرات التي جرت في طبيعة المتحاربين من الجانبين. فالإسرائيلي الذي طوّر لنفسه نظرية حرب تقوم على ما يشبه نظرية «صفر إصابات» الأميركية والتي تمّ تطبيقها في يوغوسلافيا وجزئياً في افغانستان والعراق، لا يملك الظروف نفسها التي يملكها الأميركي. فلبنان على بعد مئات الأمتار من المستوطنات الإسرائيلية وكذا الحال مع قطاع غزة. وصار جلياً أن الحرب الجــــوية لا تحسم حرباً وأن التحرك البري مكلف من ناحية الخسائر البشرية. وهذا دافع آخر للتردّد ليس فقط في صفوف المخططين العسكريين وإنما أيضاً في صفوف أصحاب القرار السياسي.
ومن الجائز أن السجالات التي دارت في إسرائيل سواء حول أسر جلعاد شاليت ونجاح حماس في إخفائه لسنوات على بعد مئات الأمتار فقط من القوات الإسرائيلية أو حول المفـــقودين الإسرائيليين من الحرب الأخيرة تظهر مقدار التردد والعجز. واضح أن إسرائيل لا تريد العودة لاحتلال قطاع غزة وبالتالي لإعادة تحمّل المسؤولية عن مليوني فلسطيني في ظل رفضها أيضاً التقدم لتســـــوية مع السلطة الفلسطينية في رام الله على أســــاس دولتين لشعبين. ولكن لا يـــــقل أهمية عن ذلك أن إسرائيل صـــــارت أيضاً عاجزة لاعتبارات عملياتية عن تحقيق أهـــــداف كبيرة لها بأثمان بخسة.
وما تساؤلات المراسل العسكري لموقع والا، أمير بوحبوط، عن سبب عدم تنفيذ الجيش الإسرائيلي لعمليات خاصة في قطاع غزة في الحرب الأخيرة، إلا جزء من المعادلة الجديدة. كما أن جواب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، بني غانتس عن سؤال مشابه بالحديث عن وجوب التحرر من الأوهام وعدم التشبه بالأفلام القديمة ما هو إلا تعبير عن جزء آخر. وليس متوقعاً أن تكون الحرب المقبلة مغايرة في جوهرها، إذا وقعت، للحروب الأخيرة سواء في لبنان أو القطاع.
ومع ذلك، فإن ما يلحظه المرء هذه الأيام أكثر من أي وقت آخر هو مسارعة عسكريين وسياسيين إسرائيليين إلى استخدام ما لديهم من معلومات استخبارية في سبيل تشكيل نوع من التحذير والردع. حدث هذا مؤخراً بعد الغارات الإسرائيلية التي أعقبت انطلاق صواريخ من سوريا باتجاه الجولان المحتل واصبع الجليل. وحدث أيضاً في غزة عندما اعتقلت إسرائيل شاباً ادعت أنه من حماس ونشرت باسمه معلومات من حفر الأنفاق إلى العلاقات الاستراتيجية مع إيران. ولكن الأهم ما نشر على لسان وزير الدفاع السابق إيهود باراك حول مناقشات الخطط الإسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية.


تقديم وترجمة: حلمي موسى