خبر القمامة صعدت الى رأس اللبنانيين.. هارتس

الساعة 09:09 ص|28 أغسطس 2015

القمامة صعدت الى رأس اللبنانيين
بقلم: تسفي برئيل


          قصة القمامة في لبنان تُذكر قليلا بقصة القطار الخفيف في تل ابيب. جلسات، لجان، مناقصات، المزيد من الجلسات والقليل من الدفعات من تحت الطاولة. وفي لبنان، وليس في اسرائيل بالطبع، الكثير من الدفعات من فوق الطاولة، وفي نهاية المطاف – لا شيء.
          في شهر أيار بدأت النقاشات حول كيفية اخلاء القمامة. خبراء من المانيا والدانمارك وايطاليا ودول عربية، تم استدعاءهم مقابل الاموال طائلة، لتقديم الاستشارة. وقد تم الاعلان عن عدد من المناقصات، لكن بعضها ألغي بسبب أنه في الدولة التي فيها القانون مثابة توصية، تبين أن المتنافسين لم يستوفوا شروط المناقصة.
          بعد ذلك بشهر أغلق مكب النفايات المركزي، وتوجهت الحكومة الى المجالس المحلية والمواطنين الذين لديهم ساحات ملائمة من اجل استئجارها لاقامة محارق القمامة فيها. الاستجابة كانت ضئيلة. فلا أحد يريد القمامة في منطقته.

لبنان يعيش ازمة سياسية عميقة بسبب أن الحكومة لا تعمل جيدا حيث لا يوجد رئيس، وبسبب ازمة القمامة الأخيرة


          الرائحة تصاعدت في بيروت حتى عنان السماء، وتهاون الحكومة في متابعة القمامة تحول الى الموضوع السياسي المشتعل والنتن. ذروة « تمرد القمامة » كانت أول أمس حينما قتل خلال المظاهرات، حسب بعض التقارير، ثلاثة مواطنين وأصيب 400. بدأوا يتحدثون في بيروت عن « ثورة » وعن « رغبة الشعب في اسقاط النظام » مثلما في تونس ومصر، وعن « لاعبين غرباء يحاولون استغلال الاحتجاج لاغراض سياسية ». في هذه الاثناء هدأت النفوس قليلا. فخشية المتظاهرين من انتشار العنف واستغلال الزعران للوضع وتحول الاحتجاج المدني الى مواجهات عنيفة مع الجيش والشرطة، دفعتهم الى تأجيل المظاهرة التي كان يفترض أن تُجرى بعد ظهر أمس. ويبدو أن الخشية من الحرب الاهلية التي عاشها لبنان مدة 15 سنة، ما زال حاضرا، الامر الذي يمنع التحطم الاجتماعي من جديد.
          لكن الذي يريد إحداث التمرد والثورة لا يجد من يتظاهر ضده. الحكومة التي يرأسها تمام سلام، وهو إبن لعائلة من النخبة السنية القديمة في لبنان وسياسي له خبرة كبيرة، لا تعمل. سلام عمل عشرة اشهر من اجل تشكيل هذه الحكومة الى أن أدت اليمين في شباط 2014. ولكن منذ ذلك الحين لا تستطيع اتخاذ القرارات أو سن القوانين أو ادارة شؤون القمامة على الأقل.
          حاول البرلمان اللبناني خلال 27 جلسة التوصل الى اتفاق حول تعيين رئيس، لكن بلا جدوى، وبشكل متعمد امتنع اعضاء البرلمان عن الحضور الى جلسات انتخاب الرئيس، وبالتالي لا يكون مجال للانتخاب. ايضا الانتخابات البرلمانية كان يفترض أن تتم في 2014، ولكن بسبب الخلافات السياسية التي رافقت موضوع انتخاب الرئيس، أجل البرلمان الانتخابات الى عام 2017. باختصار، ليس هناك من يتمردوا ضده وليس هناك نظام لاسقاطه.
          نظريا، الانتخابات العامة للبرمان كانت قادرة على توفير الحل، ولكن من اجل اجراء الانتخابات يجب الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، يأخذ في الحسبان القوة الديمغرافية لكل طائفة. محاولة التوصل الى اتفاق كهذا فشلت في عام 2013، ومن المشكوك فيه أن تساعد رائحة القمامة القيادة السياسية على التوصل الى اتفاق.
          الخيار النظري الآخر هو أن تتوصل السعودية وايران الى اتفاق حول هوية الرئيس الجديد، وأن تحاولا معا اجبار الحكومة والبرلمان على اجراء الانتخابات. لكن نظرا للعلاقات العدائية المتجذرة بين الدولتين فانه يجب التحلي بقدر كبير من الخيال من اجل التوصل الى اتفاق وتوافق بينهما، لا سيما أن لكل واحدة منهما حلمها الخاص فيما يتعلق بطابع الحكومة اللبنانية التي تحولت هي والدولة الى أسرى الحرب في سوريا والصراع السعودي الايراني. الخيار الثالث هو تهديد رئيس الحكومة بالاستقالة في حال لم يتمخض عن الجلسة الحاسمة للحكومة يوم الخميس القادم أي شيء. إن هذا خيار خطير يعني أن لبنان، بشكل رسمي، سيبقى بدون رئيس حكومة وبدون رئيس دولة. في أحسن الحالات ستواجه المزيد من الاخطار عند تعيين حكومة مؤقتة، وفي اسوأ الحالات ستجد نفسها داخل موجة جديدة من المظاهرات والاحتجاجات، حيث يتحول الجيش الى العامل الفعال. قائد الجيش ايضا، جان قهوجي، يوجد في منصبه بناءً على أمر تمديد ولايته.
          القمامة هي « القشة التي قسمت ظهر البعير »، كما قال محللون لبنانيون. ولهذا الكوم يمكن اضافة الازمة العميقة لتزويد الطاقة الكهربائية والدين العام الذي يبلغ أكثر من 68 مليار دولار ومليون لاجيء سوري يخنقون الاقتصاد اللبناني وحزب الله الذي يجر الحرب السورية الى داخل لبنان والضربة التي أصابت التجارة اللبنانية نتيجة هذه الحرب. لكن كل هذا سيتم تأجيله الى أن تتلاشى الرائحة الكريهة. ويتوقع أن تنتهي هذه الرائحة لأن الخصوم السياسيين والمتظاهرين يفهمون أن موازين القوى لا تستطيع في هذه الفترة ضمان انتصار أي طرف، وأن من الافضل الابقاء على الوضع الراهن.