خبر الإعلام « الإسرائيلي » « خان وظيفته » خلال الحرب على غزة

الساعة 05:54 ص|23 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

يخلُص تحقيق صحافي – أكاديمي أجراه المعلّق في الشؤون القضائية في الإذاعة الإسرائيلية، أستاذ القانون البروفيسور موشيه نغبي، عن أداء الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب على قطاع غزة قبل عام، إلى أن الإعلام «خانَ وظيفته» وكان شريكاً، طوعاً في غالبية الحالات، في نشر ما أملاه عليه الجيش، وإخفاء معلومات أخرى «خشية التأثير في المزاج العام للإسرائيليين».

ويتناول تحقيق البروفيسور نغبي، «العقبات» التي حالت دون أن تكون التغطية مهنية، بدءاً بالرقابة العسكرية، ومروراً بضغوط قادة المؤسستين الأمنية والسياسية، وانتهاءً بـ «الرقابة الذاتية النابعة من دوافع وطنية» للصحافيين الذين قرروا، بغالبيتهم، طوعاً أن يكونوا جزءاً من المؤسسة التي تخوض الحرب، وتنازلوا مسبقاً وعمداً عن تأدية المهام المطلوبة من «إعلام حرّ في نظام ديموقراطي يوفر القانون حصانة دستورية له»، مضيفاً الى ذلك «اعتبارات الربح والخسارة» التي اعتمدها مالكو المؤسسات الإعلامية التجارية ليفرضوا على العاملين عندهم «تغطية» لا تعكر صفو الإسرائيليين، ولا «تنفّر جمهور المعلنين».

ويعتبر نغبي التغطية المبتورة خلال الحرب، مساً خطيراً بـ «حق الجمهور في معرفة أسباب الخروج إلى الحرب ودوافعها والأحداث الدراماتيكية التي شهدتها وظروف وقف الحرب».

عندما تدوي المدافع

ويشير نغبي إلى أن هذه الظاهرة ليست بجديدة في إسرائيل، وأن «خيانة الإعلام الطوعية لرسالته»، وليس حواجز الرقابة العسكرية، كانت وما زالت العامل الرئيس في المسّ الخطير بتوفير سوق حرة من الآراء، وبتطبيق حق الجمهور في معرفة ما يدور داخل المؤسسة الأمنية»، مستذكراً تلخيصاً سابقاً للبروفيسور زئيف سيغل، جاء فيه أن «الصحافة في إسرائيل تحرّرت من قيود السلطة، لكنها اليوم لم تتحرّر من القيود التي كبّلت يديها بها»، إضافة الى ما كتبه في حينه البروفيسور شلومو أفنيري، بأن «سلوك الإعلام الإسرائيلي خلال الحروب شبيه بسلوك نظيره في الأنظمة الديكتاتورية».

ويلفت نغبي إلى أن من اعتقد أن الإعلام الإسرائيلي سيصحّح مساره، خلال تغطيته الحروب، مع ظهور الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي، خاب ظنّه، وأن مقولة المعلّق العسكري السابق عميرام نير، خلال الحرب الأولى على لبنان (1982)، بأنه «عندما تدوي المدافع تصمت الأقلام» مبرراً عدم انتقاد الجيش، ما زالت سارية المفعول بكل قوة.

ويبدي الكاتب تفهّمه لعدم نشر أخبار خلال الحرب أو وقت الطوارئ في حجة أنها تعرّض المخطط العسكري أو الجنود للخطر، لكنه يرفض توجّه غالبية محرّري المؤسسات الإعلامية بفرض رقابة ذاتية على أنفسهم، «ليخونوا بذلك واجبهم بتحقيق حرية التعبير وفتح سوق حرة للسجال العام يفيد في نهاية الأمر صناع القرار، حتى إن وُجهت إليهم انتقادات شديدة». ويضيف أن إعلاميين بارزين لم يقفوا عند هذا الحد فحسب، إنما ساهموا في إخراس أصوات زملاء لهم تجرأوا على النقد، ودعوا إلى إقصائهم ونزع الشرعية عنهم على خلفية موقفهم، مثلما حصل للمعلّق اليساري في صحيفة «هآرتس» جدعون ليفي، الذي كتب مقالاً جريئاً إبان الحرب اتّهم فيه الجيش بارتكاب جرائم حرب في غزة بحق المدنيين العزّل، فاتهمه زملاؤه بـ «ارتكاب جريمة الخيانة»، هذا إضافة إلى إلغاء 1600 شخص اشتراكهم في الصحيفة احتجاجاً على المقال، وإعلان شركات دعاية كبيرة مقاطعتها الصحيفة.

«الوطنية» تسبق المهنية

وبرّر الصحافي في حينه، النائب حالياً في الكنيست عن حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني ينون مغال، موقفه المعادي لليفي بالقول: «أنا قبل كل شيء يهودي، ثم إسرائيلي، ثم صحافي... واستنفاد حريتي الصحافية خلال الحرب قد يكون عملاً غير يهودي وغير إسرائيلي وبالتأكيد ليس وطنياً».

واتفق 59 في المئة من الإسرائيليين معه بالقول أنهم يؤيدون «فرض قيود على الصحافة وعلى انتقادها سدنة الدولة خلال أزمان الطوارئ».

 

إخفاء حقائق أو تزييفها

ويؤكد معدّ التحقيق أن غالبية وسائل الإعلام ذات النفوذ الأوسع اعتمدت خلال الحرب على غزة مقاربة بعدم تحدّي المؤسسة الأمنية ومنع سجال نقدي لقراراتها «حتى إن كان الثمن دموياً»، مقتبساً تبرير صحافيين كبار ذلك بالقول أنهم امتنعوا عن الانتقاد لرغبتهم في «عدم تعكير مزاج الجمهور ووحدته، وعليه قبلوا بنشر متواضع عن معلومات مهمة أو القيام أحياناً حتى بتزييفها، مثلما فعلوا عند خطف المستوطنين الشبان الثلاثة، وبثّوا الانطباع بأنهم على قيد الحياة ليشاركوا عند الكشف عن جثثهم بتضخيم الصدمة لتبرير قرار الحرب على غزة».

ويتوقف المعلّق تحديداً عند تجاهل قنوات التلفزة الرئيسة مشاهد الدمار في غزة. ويتّفق معه محرر الأخبار الدولية في القناة الثانية نير عراد نير، بقوله أن «مواراة التقارير عن الدمار في غزة عمّقت الفجوة بين ما بثّته محطات العالم والمحطات الإسرائيلية»، مضيفاً أن مردّ ذلك ليس رقابة عسكرية أو ضغوط المؤسسة الأمنية، «إنما الشعور بأن تقارير عن ضحايا فلسطينيين تمسّ بنسبة المشاهدة». ويتابع أن الإعلام الإسرائيلي يتيح للمستهلك أن يسيطر عليه، والأخير يقوم بذلك طوعاً... وعليه تم تخصيص 15 دقيقة فقط من 15 ساعة بثّ يومية عن الحرب لما يحصل للغزيين، أما نشرة الأخبار التي امتدت لساعتين، فخصصت خمس دقائق فقط للدمار في القطاع».

ضغوط «اليد الخفية»

ويتوقف معدّ التقرير عند الدور الذي يلعبه مالكو المؤسسات الإعلامية (اليد الخفية) في تحديد مضمون «ما يجب بيعه للجمهور»، ويشير إلى أنه باستثناء «هآرتس» التي تكبدت خسائر كبيرة بسبب موقفها الجريء، فإن مالكي قنوات التلفزة نجحوا في فرض أجندتهم على كبار موظفيهم، التي قامت أساساً على «عدم تعكير مزاج جمهور المشاهدين أو المتلقّين بعرض صور الدمار في غزة الذي خلّفه الطيران الحربي الإسرائيلي»، لاعتقادهم أن الأمر سيتسبّب في خفض نسبة المشاهدة وإلحاق أضرار مادية للمؤسسة الإعلامية التي يعملون فيها.

وفي رأي الأستاذ ساغي الباز، فإن الانتقادات للجيش وقادته وكشف قصوراته، في نظر مالكي محطات التلفزة، «تعكّر هدوء الجمهور الذي يعتبرها عملاً غير وطني فينفر منها، وبالتالي يهرب المعلنون الذين لا يريدون هم أيضاً أن يظهروا كمن يتماثل مع الانتقادات خلال الحرب». ويضيف أن لا مفر أمام العاملين حتى وإن كانوا صحافيين كباراً، من الانصياع للأوامر خشية فصلهم من العمل.

ويرفض محرر صحيفة «هآرتس» ألوف بن، هذه المقاربة بالقول أن الإعلام ليس مسؤولاً عن المزاج الوطني العام، «ودفع الخبر عن أطفال قتلى في غزة إلى هامش النشرة الإخبارية لئلا يغضب الجمهور الإسرائيلي، ليس بالعمل المهني قط». لكن معدّ التقرير يؤكد أن «هآرتس» بقيت وحيدة تغرّد خارج السرب.