خبر اتفاق التهدئة أبعد حتى من مرمى حجر الدولة

الساعة 07:16 ص|20 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

يكاد لا يمضي يوم دون أن نقرأ أو نسمع تصريحًا أو خبرًا مسربًا يتعلق بتقدم حوارات التهدئة بين حماس وإسرائيل، التي تقودها وترعاها أطراف متعددة، حتى بات موضوع التهدئة موضوع الساعة الحاضر بقوة في المجالس وفي المنتديات الاجتماعية وداخل مكاتب الفصائل وفي البرامج الرئيسة لمحطات الإذاعة والتلفزة الفلسطينية، والبعض أصبح لا يكتفي بالعموميات ويتحدث عن تفاصيل التفاهم أو الاتفاق، وكأنه أصبح يقينًا وقريبًا جدًا ولا تفصلنا عنه إلا أيام أو أسابيع، وينظر هؤلاء الى التهدئة وكأنها « كبسة زر » مسقطين من حساباتهم بسهولة ويسر حسابات وشروط طرفي التهدئة الرئيسيين والبيئة والظروف السياسية والأجندات والسياسات والأيديولوجيات، إما لاستعجالهم في إثبات مشروع دولة غزة أو في محاولة لنشر الأوهام وتخدير الناس على طريقة « هانت والفرج بات قريبًا ».

إننا نعتقد ان التهدئة التي يدور الحديث عنها، والقائمة على معادلة ضمان توفير الأمن لفترة طويلة مقابل الرفع الكلي للحصار، بما في ذلك ممر مائي؛ هي أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، نظرًا لأسباب كثيرة، وفي مقدمتها طبيعة المتحاورين والتزاماتهم السياسية والأيديولوجية والظروف الاقليمية والدولية، ولا نبالغ ان قلنا انها أبعد حتى من مرمى حجر الدولة، تلك المسافة التي اشتهر أبو عمار في استخدامها لمقاربة قصر المسافة التي تفصلنا عن إقامة الدولة.

إن كلًا من حماس وإسرائيل معنيتان بإقامة مثل هذه الحوارات، بل وتسريبها ونشرها، وربما المبالغة في تقدمها، لتحقيق أهداف مشتركة لكليهما (المحافظة على استمرار الهدوء، وبث حالة من التفاؤل للمحافظة على عدم الانزلاق اضطرارًا لحرب جديدة)، ولتحقيق أهداف خاصة بكل طرف على حدة، فإسرائيل عبر تسريب مثل هذه الحوارات تسعى لتحقيق أهداف منها:

- تخفيف الضغوط والمطالبات الدولية التي تحثها على رفع الحصار عن القطاع، وهي تقدم نفسها هنا على انها جادة في رفع الحصار، وأكثر من ذلك بتوفير ممر ملاحة مائي بشرط واحد وهو توفير الأمن لمواطنيها، وهو شرط مقبول دوليًا.

- ممارسة الضغوط على عباس والسلطة الفلسطينية، ومحاولة اللعب على البديل، ولعبة التنافس بين المسارات، والعمل بمبدأ « فرق تسد »، وإدخال السلطة في حالة توتر وقلق وضغط سياسي.

- نزع ما تبقى من وحدانية التمثيل الفلسطيني، وضرب الهوية والقضية الوطنية في الصميم، فلا وجود لشعب فلسطيني واحد، ولا وجود لقيادة واحدة تمثل هذا الشعب، الذي هو - حسب نتنياهو - ليس سوى تجمعات مستقلة لكل منها قيادته، ولكل منها أهدافه ومطالبه.

كما ان لحماس أيضًا أهداف خاصة تسعى لتحقيقها عبر نشر مثل هذه التسريبات، والمبالغة أحيانًا في جدية تقدم الحوارات، ومن بين تلك الأهداف:

- هذه الحوارات تمنحها القدرة على إحداث المزيد من الاختراقات على الساحتين الاقليمية والدولية على طريق اكتساب المزيد من الشرعية السياسية، وشرعية كونها الحاكم الوحيد للقطاع، فطالما ان إسرائيل، وهي العدو اللدود، مستعدة لأن توقع معها اتفاقات طويلة الأمد، ومستعدة للذهاب بعيدًا في تعزيز حكمها وسيطرتها على القطاع؛ الأمر الذي يحولها الى عنوان شرعي لكل من يريد ان تكون له صلة مع القطاع، كما يسقط عنها أي فيتو إسرائيلي سابق على العلاقات الدولية مع حركة حماس.

- هذه الحوارات ترسل برسائل لبعض الدول انه لا أمل لكم بمقاطعة حماس أو محاولة تجاهلها، فقد غدت الجهة الأكثر قوة في المنطقة، الأكثر استقرارًا سياسيًا في فلسطين.

- هي رسالة موجهة أيضًا لعباس وللسلطة الفلسطينية (الحقوا حالكوا) واستجيبوا لنا، فلم نعد مضطرين (للابتزاز)، وهي أيضًا رسالة موجه لمصر بأننا بتنا على أبواب التحرر من الاستبداد المصري الذي يتحكم بأكسجين حياة سكان القطاع.

وعليه؛ فإن لكل من حماس وإسرائيل مصالح مشتركة وأخرى خاصة بكل منهما، تقف خلف تسريبات هذه الحوارات والمبالغة أحيانًا في مستويات تقدمها، وهو الأمر الذي سيجعلنا ربما نسمع الكثير من الجعجعة ولا نرى طحينًا.

مع ذلك؛ فإن أحدًا لا يستطيع ان ينفي الحقائق، حقيقة وجود مثل هذه الحوارات، وحقيقة ان ثمة قنوات حوارية أخرى لا نعرفها ولا نسمع عنها، فطبيعة مثل هذا النوع من الحوارات غير المباشرة، والتي يكثر فيها الوسطاء الذين لا يعرفون عن بعضهم البعض، وفقط ثمة طرفان يركزان ويمسكان بخيوط العملية متعددة المستويات، والوسطاء أحدهم في تل أبيب والثاني في الدوحة؛ تسمح، بل تفرض أحيانًا وجود قنوات للاستهلاك والتعمية الإعلامية وقنوات أخرى أكثر عمقًا وجدية بعيدة عن الاعلام، هذا عمومًا.

ولأننا لا نملك القدرة على معرفة حقيقة ما يدور داخل تلك الغرف المغلقة؛ فإننا سنعتمد في محاولة معرفة حقيقة تقدم حوارات التهدئة، وإلى أي مدى يمكن ان تصل تنازلات كل طرف أو قبوله بشروط الطرف الآخر؛ إلى استشراف وتحليل مواقف الأطراف من ملفات التهدئة المطروحة وقدرتهم الداخلية على المناورة وتمرير مثل هذه الاتفاقات.

 

أولًا: على المستوى الإسرائيلي

رغم امتلاك حكومة نتنياهو كل السيادة والحرية في التحاور مع حركة حماس للوصول الى التهدئة؛ فإن يد إسرائيل مغلولة الى حد ما بأغلال والتزامات سياسية دولية وإقليمية، فرغم ان الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة تطالب إسرائيل دومًا برفع الحصار عن القطاع؛ إلا انها تشترط دائمًا ان يكون ذلك في إطار مسيرة تعزز وجود السلطة الفلسطينية، وهو لا زال موقف سياسي دولي ثابت، رغم ان ثمة قناعات جديده تولدت لدى بعض الدول أو بعض موظفي الاتحاد الأوروبي بأن الانقسام بات واقعًا، وأن اشتراط تمكين السلطة قد يشكل عقبة وعائقًا أمام أي اتفاق، وبرغم هذه القناعات إلا ان الموقف الرسمي لا زال على حاله في المطالبة بتمكين السلطة.

من جهة أخرى؛ فإن يد إسرائيل مغلولة بمطالب حليفها الأقرب جغرافيًا، مصر التي لا زالت في حالة عداء سياسي مع حركة حماس، ولا يخفى على أحد انها ترقب بعين من عدم الرضى، وربما الرفض، لكل محاولات تسهيل وتعزيز حكم حماس، واسرائيل من جانبها لا تستطيع ان تضرب بعرض الحائط الرغبات المصرية.

من جهة ثالثة؛ فان شخصية نتنياهو - وهو الزعيم الأكثر تأثيرًا في سياسات اسرائيل - يعتبر من النوع الذي يقدس الوضع الراهن، ويخشى من ويهرب كمن يهرب من النار من أي اتفاقات نوعية جديدة تغير من الوضع الراهن، فهو ليس من طراز شارون أو رابين، وهو أقرب لشامير الذي تقوم فلسفته على تقطيع الوقت والاستثمار كثيرًا في العلاقات العامة.

وعلى المستوى الأيديولوجي والسياسي الإسرائيلي؛ فإن أبعد ما يمكن ان تصل إليه إسرائيل في موضوع الممر المائي هو تضمين الاتفاق لعبارات عامة وغامضة عن ممر مائي يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية الإسرائيلية، ودفنه عمليًا بالكثير من الاشتراطات واللجان وسقف زمني ممطوط جدًا، أي أشبه بموقفهم من الدولة الفلسطينية، وعلينا ألا نعتمد باستخفاف على تصريحات رجالات الأمن ومراكز الأبحاث، وحتى تصريحات لوزراء كبار في حكومة نتنياهو، طالبوا جميعًا بالدراسة الايجابية لمطلب الممر المائي، فكل هذه الأقوال والتصريحات والدراسات لن تصل الى قرار سياسي، في مقاربة لكل الأقوال التي تطالب نتنياهو بتعزيز مكانة السلطة في الضفة، وهو يفعل العكس تمامًا.

كما ان الثمن الأمني الذي ستطلبه إسرائيل لن يكتفي بمجرد اتفاق على وقف « الأعمال العدائية » أو وقف النار، بل نعتقد ان إسرائيل ستسعى ليشمل آليات وإجراءات ونظم تأكد وضمانات تتناول جانبًا مهمًا وواسعًا من النشاط العسكري للمقاومة.

كما نعتقد ان إسرائيل قبل توقيعها الاتفاق ستطالب باستعادة أسراها ورفات جنودها في إطار صفقة واحدة كبيرة تشمل الأسرى والتهدئة.

 

ثانيًا: على مستوى حركة حماس

في الماضي وافقت حماس على الكثير من التهدئات القصيرة، والتي ارتبطت فقط بوقف إطلاق النار من الجانبين، لكن تهدئة طويلة الأمد هي أمر آخر تمامًا، لما تحمله من معانٍ سياسية ونضالية، لا سيما انها لا تشمل النشاط الاستيطاني والعدوان الاحتلالي في الضفة، وتقتصر فقط على قطاع غزة، فمن المتوقع ان تنظر إليها حماس بحساسية بالغة، ولا سيما انها بعد حروب تدميرية للقطاع، لكن حماس تشعر انها كانت فيها صاحبة النصر، بالتالي فإنها صاحبة اليد العليا في الاشتراط وقطف الإنجاز، وفي ظل الحصار الخانق فإن حماس لن تستطيع أن تقبل أو تنال من هيئاتها إجازة اتفاق لا يرتقي الى حدود الانجاز الوطني الكبير، وفي مقدمته الممر الملاحي الآمن.

حماس التي تعاني من الحصار والعزل، وتتوق الى رفع الحصار، وتعزيز شرعية حكمها؛ لا تستطيع رغم كل ذلك التوقيع على اتفاق بائس لا يرتقي لمستوى الطموحات والتضحيات، ولا تستطيع تسويقه.

وعليه؛ نعتقد ان كلًا من حماس وإسرائيل رغم نضجهما للاستماع والتحاور، كل في مطالب الآخر، إلا انهما لم تصلا الى مرحلة التوصل لاتفاق يلبي الحد الأدنى من مطالب الطرفين، في انتظار ان تحسم حرب قادمة ما لم تحسمه الحرب السابقة.