خبر مرّة أخرى حول هدف إقامة دولة فلسطينية.. منير شفيق

الساعة 08:26 ص|18 أغسطس 2015

فلسطين اليوم

قالت العرب « لا مشاحة في المصطلح ». وذلك بما يعني أن استخدام المصطلح يتوقف معناه على اتفاق المتحاورين حوله وعلى محتواه. ومن ثم ليست المشكلة في المصطلح، وإنما في ما يقصد منه. 

 ولكن مع ذلك، إن استخدام المصطلح أمر هام جداً لأن من الممكن أن تهرب معاني كثيرة من خلال مصطلح معين. وهو ما يضمره الذين يستخدمونه ليوقعوا غيرهم في ما يرفضون الوقوع فيه إذا ما وضح ما يحمله المصطلح الملغوم من أبعاد يراد تهريبها تهريباً، أو كما يقال تسديد ضربات تحت الحزام في الظلام. 

مثلاً استخدام مصطلح: « إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين »، فالحل العادل يحمل أبعاداً كثيرة منها عودة اللاجئين ولكن منها توطينهم وتعويضهم بدلاً من عودتهم. فيعتبر التوطين والتعويض حلاً عادلاً. 
من هنا ثمة مشاحة في استخدام مصطلح الحل العادل. ولا يجوز أن يقال لا مشاحة في المصطلح هنا. فكلمة عدالة يمكن أن تكون حمّالة أوجه وفقاً لمن يستخدمها. ولا سيما إذا كنا في صدد يتعلق بالقضية الفلسطينية. 

 وهذا ينطبق أيضاً على استخدام مصطلح الحق. وذلك حين لا يحدّد ما هو المقصود بحق الشعب الفلسطيني أو الحقوق الفلسطينية. أو قل بتوضيح لا يقبل اللبس هل هو الحق في كل فلسطين: الحق في تحريرها من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح. أم هو الحق بإقامة دولة أو دويلة في حدود ما قبل حرب حزيران 1967. ومن ثم حصر الحق الفلسطيني ضمن الأراضي التي احتلت في تلك الحرب فيما طارت الطيور بأرزاقها في الأراضي الفلسطينية التي اغتصبت في حرب 1948 أو من خلال قرار 181 لعام 1947 الصادر عن هيئة الأمم المتحدة. وهو قرار مخالف للقانون الدولي الذي يعطي حق تقرير المصير في فلسطين حصرياً للشعب الفلسطيني الذي كان في فلسطين يوم وقوع احتلالها من قبل الاستعمار البريطاني 1917/1918. وهو مخالف أيضاً لميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي يؤكد القانون الدولي المذكور ولا يبيح لهيئة الأمم أن توصي بتقرير مصير أي بلد بعيداً عن إرادة شعبها. فهيئة الأمم لا يحق لها أن تحل مكان شعوب المستعمرات في تقرير مصير بلدانها. ومن ثم لا يحمل قرار التقسيم رقم 181 لعام 1948 أية شرعية حتى لو كان توصية وليس قراراً. 

 ولهذا فإن استخدام هدف إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 يحمل شبهتين أولاً حين يستخدم مصطلح « حدود » عند الإشارة إلى خطوط الهدنة لعام 1948/1949، وثانياً حين يعتبر نوعاً من الحل إذ تقوم شبهة القبول بـ« حلّ الدولتين ». 

 عندما يقال هنا أنه يحمل « شبهة » الحدود، وشبهة حلّ الدولتين لا يعني الاتهام بالاعتراف القانوني بالحدود او بحلّ الدولتين. فالشبهة هنا ترفع إقامة الحد تمشياً مع القاعدة الفقهية التي يُرفع الحد عند الشبهة ولكن رفع الحد (الاتهام) هنا يفترض بأن لا تضع نفسك في موضع الشبهات. 

 الأمر الذي يقضي تجنب مصطلح هدف إقامة الدولة الفلسطينية فوق الأراضي التي احتلت في حزيران 1967. وذلك لما يحمله من أبعاد ملغومة أو ما يثيره من شبهة. ومن ثم استخدام مصطلح دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من الأراضي التي احتلت في العام 1967، وبلا قيد أو شرط: أي بلا مفاوضات أو صلح أو اعتراف.

على أن يُضاف شعار تحرير كل الأسرى. ليصبح هدف النضال الآني والممكن التطبيق النجاح به في الظرف الراهن هو تحرير القدس والضفة الغربية وإطلاق كل الأسرى من خلال استراتيجية المقاومة والانتفاضة، وبلا قيد أو شرط.

أما بعد ذلك في ما يتعلق بما سيحدث، أو يُقام، في الأراضي المحرّرة فإن ذلك يتقرّر بعد تحقيق الهدف وليس قبله تجنباً لكل شبهة تقود إلى انقسام أو إلى صراع. أي الجواب « بعد ذلك لكل حادث حديث » بما في ذلك الشكل الذي ستقام به سلطة إدارة تلك المناطق ضمن برنامج تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر، وهو البرنامج الذي قامت عليه فتح (المنطلقات) كما عدد من فصائل المقاومة قبل حرب حزيران 1967. 

وأغلب الظن أن التصريح الذي صدر عن الشهيد الشيخ أحمد ياسين حول إقامة دولة فلسطينية جاء في إطار الجواب عن سؤال إن كان يُمانع بإقامة دولة فلسطينية بعد تحرير الأراضي التي احتُلَّت في حزيران 1967. فقال أنه لا يمانع بإقامة دولة فلسطينية. ولم يكن الجواب تبنياً لهدف إقامة الدولة الفلسطينية قبل تحرير الأراضي التي احتلت في حزيران 1967. ولهذا ثمة فارق كبير بين الإجابة عن السؤال الذي طُرِح على زعيم حماس من جهة وجعله هدفاً للنضال من جهة أخرى أو ما اعتُبِر من قبل قيادة م.ت.ف بـ« المشروع الوطني الفلسطيني ». 

فالفارق هنا كبير بين حصر « المشروع الوطني الفلسطيني » بهدف « إقامة دولة فلسطينية »، وهو ما أدّى إلى طريق اتفاق أوسلو من جهة وبين جعل الهدف الراهن هو تحرير الأراضي التي احتلت في الخامس من حزيران من خلال المقاومة والانتفاضة وبلا مفاوضات ولا اعتراف ولا صلح، أي بلا قيد أو شرط ومن ثم يترك مصير الأراضي المحرّرة ليُقرَّر بعد التحرير من جهة أخرى. 

ولقد وقع الأسوأ عندما سارعت م.ت.ف في العام 1988 لإعلان إقامة الدولة الفلسطينية وحصرها في حدود 1967 وبإشارة مبطنة لقرار 242. الأمر الذي قاد إلى البحث عن نيل الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية. وقد اشترطت دول كثيرة مقابل ذلك أن تعترف الدولة الفلسطينية بدولة الكيان الصهيوني القائمة على 78% من أرض فلسطين. أو في الأقل التعهد بالاعتراف بتلك الدولة إذا قامت الدولة الفلسطينية أو بعد إقامتها. لأن التعهد هنا وإن لم يُعْتَبَر اعترافاً رسمياً ودبلوماسياً إلاّ أنه يُعتَبَر من وجهة نظر القانون الدولي تعهداً ملزماً في حالة إقامة الدولة الفلسطينية. ومن ثم من غير الممكن التنصل من تنفيذه. وهذا هو الحال مع مبادرة السلام العربية سيئة الذكر. وبهذا يكون الكيان الصهيوني قد حصل على تنازل مجاني، وقبل أن يقدم أي شيء من جانبه. 

إن عدم انجرار حماس والجهاد وعدد كبير من النخب الفلسطينية والهيئات الشعبية الفلسطينية وعدد من الفصائل الفلسطينية إلى هذه الطريق يُبْقي الباب مفتوحاً لتصحيح الخلل الكارثي التاريخي الذي أوصل إلى اتفاق أوسلو وتداعياته، خصوصاً، في عهد محمود عباس حتى الآن. وكان هدف إقامة دولة فلسطينية سبباً أساسياً في حدوث هذا الخلل.