خبر الخوف من الهجر- معاريف

الساعة 11:32 ص|03 يوليو 2015

فلسطين اليوم

الخوف من الهجر- معاريف

بقلم: يوسي ملمان

(المضمون: الحكومة الاسرائيلية تسعى الى اقامة جدار فاصل على طول الحدود مع الاردن، وفي نفس الوقت تمنع الاردن من الحصول على طائرات هجومية بدون طيار مما يسبب خيبة أمل كبيرة في المملكة - المصدر).

الاردن هو الحليف الأهم لاسرائيل في الشرق الاوسط. فمنذ عشرات السنين وهما تتقاسمان المصالح المشتركة، وتتعاونان أمنيا في الحفاظ على الحدود والتنسيق الاستراتيجي في مواضيع مختلفة. وهذا الامر ينبع من الوضع الجيوسياسي، رغم أن العلاقات غير متكافئة: الاردن يرتبط باسرائيل أكثر من ارتباط اسرائيل به.

اتفاق السلام الذي وقع بين الدولتين في 1994 منح الغطاء القانوني للعلاقات المميزة وللسلام الموجود فعليا، الذي كان قائما قبل ذلك منذ ستة عقود. المملكة الهاشمية تعتبر اسرائيل الدعامة لوجودها واستمرار بقائها. ومثلما أثبتت تجارب الماضي فان اسرائيل هي بوليصة التأمين للاردن. فهي من جانبها تعتبر الاردن منطقة فاصلة أمام التهديدات من الشرق. كان هذا في الماضي الجيش العراقي الذي عبر الحدود مرتين لمحاربتها، في 1948 وفي 1967. أما اليوم فخطر الشرق قد يأتي من داعش الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا ويحاول الدخول الى الاردن – بدون نجاح حتى الآن.

هناك شرخ في العلاقات في الآونة الاخيرة بين الدولتين. والسبب هو موضوعان يؤثران في العلاقات: الاول هو معارضة اسرائيل على حصول الاردن على الطائرات بدون طيار. والثاني قرار الكابنت اقامة جدار على طول الحدود الشرقية.

اتحاد المصالح

هبت اسرائيل أكثر من مرة في الماضي لمساعدة المملكة الهاشمية لانقاذ حياة الملك الحسين، والد الملك الحالي عبد الله. ففي عام 1958 سمحت اسرائيل للطائرات البريطانية مع مظليين بالتحليق في أجوائها لمساعدة الحسين، وبذلك أفشلت محاولات جمال عبد الناصر لاحداث الانقلاب ضد العائلة المالكة؛ مرتين على الأقل في الخمسينيات والستينيات نقلت المخابرات الاسرائيلية معلومات أنقذت حياة الملك من محاولات ناصر لقتله؛ في 1970 وضعت اسرائيل قواتها قرب الحدود الاردنية وهددت بالتدخل اذا لم ينسحب الجيش السوري الذي دخل الى المملكة.

كانت العلاقات بين الدولتين سرية تماما حتى موعد التوقيع على اتفاق السلام. حيث التقى الحسين ومساعديه المقربين عشرات المرات سرا مع ممثلين اسرائيليين، بما في ذلك رؤساء حكومات ووزراء خارجية ووزراء دفاع ورؤساء اركان ورؤساء موساد. كان اللقاء الاول في 1963 حيث تم مع مدير عام مكتب رئيس الحكومة يعقوب هرتسوغ في العيادة الخاصة للدكتور هربرت عمانوئيل، طبيب الملك اليهودي. وبعد سنتين التقى الملك مع وزيرة الخارجية غولدا مئير في فيلا خاصة في باريس، تعود لأحد الاثرياء اليهود.

اللقاءات تجددت بعد حرب الايام الستة في حزيران 1967، رغم أن الملك كان قد خسر الضفة الغربية بعد أن استجاب لدعوة عبد الناصر وانضم الى الحرب ضد اسرائيل. كان هذا هو الخطأ الأكبر للملك الاردني. خطأ آخر لكنه أقل خطورة هو عدم الانضمام الى حرب يوم الغفران والهجوم المفاجيء للجيش المصري والسوري. لو كان فعل ذلك لكان نجح في اعادة أجزاء من الضفة الغربية، مثلما نجحت مصر في اعادة أجزاء من سيناء، وأعادت سوريا مناطق قليلة من هضبة الجولان.

وبدل ذلك خطا الملك خطوة غريبة هددت حياته. فقبل الحرب بأسبوعين التقى مع رئيسة الحكومة غولدا مئير. وفي اللقاء الذي تم في مقر الموساد في غليلوت، حذر الملك من أن المصريين والسوريين يخططون لهجوم مفاجيء، لكنه لم يستطع تحديد الموعد الدقيق وأكد على أن الهجوم سيحدث قريبا. الحسين استند الى مصدر جيد في سوريا، وقد اتضح مع مرور الوقت للاستخبارات الاسرائيلية أن ذلك المصدر كان جنرال في الجيش السوري، تم تشغيله من قبل الاستخبارات الاردنية وكان مطلعا على الخطط الحربية. غولدا مئير ورؤساء الدولة لم يتعاملوا بجدية مع تحذيرات الملك، كما أنهم تجاهلوا المؤشرات على أن الحرب قادمة.

التعاون بين الدول يعتمد على المصالح المشتركة في المستوى الاستراتيجي، رغم نشوء الخلافات بين الفينة والاخرى التي تسببت بازمة في العلاقات. أخطرها كان في عام 1996 حينما وافق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على طلب رئيس الموساد داني يتوم إرسال مقاتليه الى الاردن لتصفية رئيس المكتب السياسي  لحماس خالد مشعل. الملك، الذي اعتبر العملية الفاشلة « طعنة في الظهر »، فكر بقطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التعاون السري، لكن في نهاية الامر تغاضى عن الاهانة وفهم أن العلاقات مع اسرائيل حيوية له وللمملكة.

العلاقة بين الدولتين ترتكز على اعتقاد وجود أعداء مشتركين. في السابق كان هؤلاء الأعداء مصر عبد الناصر وسوريا حافظ الاسد. اليوم كفت سوريا عن كونها تشكل تهديدا على الاردن أو اسرائيل. فعلى خلفية الحرب الدائرة منذ أكثر من اربع سنوات، لم تعد موجودة كدولة، بل هي مقسمة وبعض اجزائها يسيطر عليها داعش، القاعدة، جيش سوريا الحر ومليشيات كردية ودرزية. بشار الاسد يسيطر فقط على 20 بالمئة من اراضي الدولة، تشمل دمشق والشاطيء الذي هو معقل الطائفة العلوية (الشيعية).

اضافة الى ذلك تعتبر القيادة في الدولتين أن الفلسطينيين هم عدو يهدد المصالح الوطنية والامنية الخاصة بهما. ومن خلال خطوات عسكرية ودبلوماسية نجحت الدولتان في منع اقامة الدولة الفلسطينية   منذ 1947. اليوم ايضا رغم تأييد نتنياهو اللفظي لحل الدولتين، والملك عبد الله الذي يؤيد بشكل علني اقامة الدولة الفلسطينية، إلا أنهما في الحقيقة لا يريدان قيام أي دولة بينهما، دولة شاندويش فلسطينية.

التعاون الامني بين الدولتين يترجم الى خطوات تكتيكية، بالذات في محاربة الارهاب والحفاظ على الحدود. وتعتبر الدولتان أن التنظيمات الارهابية في الشرق الاوسط، مثل حماس وحزب الله أو القاعدة أو داعش، أعداء خطيرين يهددون وجودهما. وهما تحاربان هذه التنظيمات في اطار الصراع الدولي ضد الارهاب العالمي. اليكم مثال على هذا التعاون. في 2006 نقل اشخاص من الاستخبارات الاردنية مروان جبور، وهو فلسطيني من غزة، الى جسر اللنبي وسلموه لـ « الشباك ». جبور خرج الى افغانستان وانضم الى القاعدة، وتم اعتقاله من اجهزة الامن في الولايات المتحدة وباكستان، وقد تم تعذيبه من المحققين في الدولتين وبعد ذلك تم نقله الى الاردن للاستمرار في التحقيق معه، وحينما تسلمه « الشباك » قال له أحد رجال الجهاز « أهلا بأسامة بن لادن ». وقد تم التحقيق مع جبور في اسرائيل وبعدها تم نقله الى غزة.

عبد الله واللاجئين

يوجد بين اسرائيل والاردن « سلام بارد »، وهناك علاقات دبلوماسية كاملة وتجارة بنسبة غير كبيرة، وقد وقعت الدولتان على اتفاق منطقة تجارة حرة. رجال اعمال من اسرائيل ينجحون بين فينة واخرى، بمساعدة شركاء اردنيين، في بيع منتجات زراعية وأدوات صناعية للعراق وكردستان ودول الخليج والسعودية.

اسرائيل تقدم للاردن، حسب شروط اتفاق السلام،  50 مليون كوب من المياه سنويا. ويوجد ايضا تعاون في موضوع جودة البيئة، تطوير منطقة البحر الميت وابادة الحشرات وغيرها. لكن هذا ضئيل. كانت القيادة الاردنية تتوقع أن يثمر اتفاق السلام ويعود بفائدة اقتصادية تساعد على نمو اقتصاد الدولة، لكن هذا لم يحدث. حتى لو تحقق الاتفاق الذي وقع مؤخرا بين الدولتين (رغم معارضة الاخوان المسلمين الشديدة في الاردن)، والذي يقضي بأن تقدم اسرائيل الغاز من الحقول في البحر المتوسط، إلا أن هذا سيكون قليل جدا ومتأخر جدا.

يشار الى أن « الورقة » الاردنية كانت احدى التعليلات المهمة لجهود رئيس الحكومة بغطاء من سفير الولايات المتحدة في اسرائيل دان شبيرو، لاقناع الحكومة واعضاء الكنيست والجمهور على نقل خط الغاز الذي لم ينفذ حتى الآن لأنه لا توجد اغلبية في الكنيست، ومراقب الدولة يطالب بعدم نقله الى أن ينتهي فحص الامر.

وضع المملكة الهاشمية ازداد خطورة في العقدين الاخيرين، فعدد السكان بلغ 8 ملايين انسان، وهذا بسبب موجات اللاجئين الذين يصلون اليها. كانت البداية مع دخول الجيش الامريكي الى العراق مرتين، في العام 1991 وفي 2003،  ومنذ أكثر من اربع سنوات على خلفية الحرب الاهلية في سوريا. يوجد على الارض الاردنية أكثر من مليون لاجيء. اقتصاده في وضع صعب وهو بحاجة الى مساعدة دولية مستمرة لرعاية اللاجئين، لكن المساعدة قليلة جدا.

ويدفع الاردن ايضا ثمن مشاركته في التحالف الدولي الذي يحارب في سوريا. أحد طياريه الذي وقع في أسر داعش، قتل حرقا، كما ظهر في الفيلم المصور. المساعدة من الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج كثمن على استعداده لتدريب وحدات المتمردين ، غير كافية. حدوده التي تبلغ 180 كم مع العراق و350 كم مع سوريا مهددة من قبل داعش والقاعدة.

على خلفية هذه الضائقة يشعر الاردن أن اسرائيل تدير ظهرها له، وهناك غضب في المؤسسة الاردنية تجاه اسرائيل، التي تضغط على الادارة الامريكية كي لا تعطي الجيش الاردني طائرات بدون طيار. وحسب تقارير صحفية عربية فان الاردن يطلب الحصول على طائرات بدون طيار من اجل الدفاع عن حدوده على الجبهتين. لكن اجهزة الامن الاسرائيلية تعارض بأن يكون لجارتها في الشرق طائرات هجومية بدون طيار. مصدر أمني قال لصحيفة « معاريف » إن معارضة اسرائيل تقتصر على الطائرات الهجومية: « لا نعارض أن يكون لدى الاردن طائرات بدون طيار من اجل الرقابة وجمع المعلومات ».

خطوة اخرى تسببت بخيبة الامل في عمان وهي قرار المجلس الوزاري السياسي الامني المصغر هذا الاسبوع البدء في بناء جدار مع ادوات مراقبة ومجسات على طول الحدود مع الاردن. الحديث عن حدود يبلغ طولها 235 كم اضافة الى 100 كم في غور الاردن والضفة الغربية. هذا الجدار سيشبه الجدار الذي بين اسرائيل ومصر وبين اسرائيل وسوريا في هضبة الجولان. وستبلغ تكلفته 3 مليارات شيكل.

حسب هذا القرار سيوضع في هذه المرحلة جدار على طول 30 كم من شمال ايلات حتى المكان الذي سيقام فيه في المستقبل مطار جديد يستبدل المطار القديم في المدينة. اقامة المقطع الاول ستكلف 200 مليون شيكل. وسيتم بناء المطار على بعد 200 متر فقط من الاراضي الاردنية.

هناك عدة اسباب تقف وراء القرار. رئيس الحكومة ووزراءه الذين يكافحون تسلل المهاجرين واللاجئين من افريقيا عن طريق سيناء، قاموا بوضع هذا على سلم أولوياتهم السياسي، ويتحدثون في السنة الاخيرة عن سيناريو جديد يقول إن المهاجرين الافارقة والآسيويين الذين لا يستطيعون تجاوز الجدار في مصر، سيدخلون الى الاردن ومن هناك يعبرون الحدود المفتوحة الى اسرائيل. بالنسبة لنتنياهو والوزراء فان اقامة هذا العائق ستمنع التسلل.

قبل بضعة اشهر قال ضابط رفيع المستوى في وحدة الجيش في ايلات إن اقامة المطار تتطلب تغييرات في وسائل الدفاع عن الحدود. لكن الاجهزة الامنية تعتبر أن اقامة الجدار أكبر وأهم من حماية المطار. حسب تقديرات ضباط في الجيش الاسرائيلي فان الجدار سيساهم في تقوية الامن على الحدود المشتركة، خصوصا أنه سيقلص خطر منظمات الارهاب الاسلامية المتطرفة التي ستحاول العمل مستقبلا داخل الاردن.

نتنياهو ويعلون ورؤساء الاجهزة الامنية يدركون حساسية قرار بناء الجدار، وكيف يتعاملون معه في الاردن. لذلك نشرت الحكومة اعلانا استثنائيا في اعقاب القرار جاء فيه أن الجدار سيقام في الطرف الاسرائيلي من الحدود وأنه لن يمس بسيادة الاردن ومصالحها الحيوية. مشكوك فيه أن يكون هذا الاعلان قد هدأ النفوس في المملكة التي لا تخاف من أخذ اراضيها لصالح الجدار بقدر ما تفهم أنهم في القدس يخافون من عدم الاستقرار المستقبلي للنظام الهاشمي.

بكلمات اخرى، هذان القراران، بناء الجدار ومنع الاردن من الحصول على الطائرات الهجومية بدون طيار، اشتملا على رسائل واضحة أنه رغم التعاون إلا أن اسرائيل لا تعتمد على الاردن وتخاف من المخاطر التي قد تهدد النظام الهاشمي.