خبر المحافظ على الجذوة- معاريف

الساعة 08:42 ص|25 يونيو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: يوسي أحيمئير

 (المضمون: على دولة اسرائيل تقع مسؤولية تخليد اسم رئيس الحكومة اسحق شمير من خلال تسمية شارع على اسمه في القدس وتل ابيب وباقي المدن الاسرائيلية - المصدر).

 

          بعد بضعة اشهر من موت اسحق شمير، توجهت الى بلدية تل ابيب بطلب تسمية شارع الى اسمه. وكان الجواب أنه حسب الاجراءات فان أي طلب للتخليد يتم النقاش فيه بعد سنتين من وفاة الموصى به. عُدت وطلبت بعد سنتين، وكان الجواب أن لجنة الاسماء تم حلها، وأن الموضوع سيتم النقاش فيه فيما بعد.

 

          لقد مرت ثلاث سنوات منذ موت رئيس الحكومة اسحق شمير – في 10 تموز، الساعة العاشرة صباحا، سيقام احياء للذكرى له ولزوجته شولاميت بالقرب من قبريهما في مقبرة كبار الأمة في جبل هرتسل – وحتى اليوم لا يوجد في المدينة الكبيرة، التي عاش وعمل فيها، شارع على اسمه. وسبب هذا الاهمال الغير مبرر هو رئيس الحكومة السابع، وتغييب الموضوع عن الحوار الجماهيري.

 

          في تاريخ الدولة، يبدو أن اسحق شمير هو رئيس الحكومة الاكثر اجحافا من بين رؤساء الحكومات المتوفين. ولغاية الآن عندما يتم ذكر اسمه في وسائل الاعلام فانه يُقال عنه « اجلس ولا تفعل شيئا »، « الوضع القائم »، الشخص الذي « يذهب الى النوم في الظهيرة في منتصف يوم العمل » وغير ذلك.

 

          لقد سجل اسحق شمير قائمة انجازات استطاعت قلة فقط من بين زعماء اسرائيل تسجيلها: الحرب ضد الانتفاضة بلا هوادة، ودفع م.ت.ف وعرفات الى الدرك الأسفل، واقامة عشرات الاحياء السكنية في كل أرجاء اسرائيل، واقامة العلاقات الدبلوماسية مع 30 دولة بما فيها الصين والهند، وتعزيز مكانة اسرائيل في العالم والمبادرة الى السلام، بما في ذلك مؤتمر مدريد، ازدهار الاقتصاد الاسرائيلي بنسبة نمو بلغت 6 بالمئة، تقوية الايمان بعدالة الطريق الصهيونية والحق في ارض اسرائيل الكاملة.

 

          لكن الانجاز الذي اعتبره شمير الافضل كان الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفييتي ومن اثيوبيا. نصف يوبيل مر على بداية موجة الهجرة الكبيرة التي ترتبط بسقوط النظام الشيوعي في روسيا الذي دفع مليون شخص للمجيء الى اسرائيل. يمكن القول إن هذه الهجرة قد أنقذت الدولة. الكثير من القادمين الجدد لم يعتبروا أنفسهم صهاينة وانما أرادوا بناء حياتهم من جديد في الغرب. وهنا دخل رئيس الحكومة الى الصورة وبادر الى خطوة سياسية وصهيونية منعت تعريف الذين خرجوا من الاتحاد السوفييتي كمهاجرين أو لاجئين، ودفع باتجاه قدومهم الى اسرائيل.

 

          بفضل موقفه المصمم في هذا الموضوع، حظي شمير برؤية القادمين الجدد بالآلاف في كل شهر، وتم استيعابهم في مراكز الاستيعاب. ومع ذلك لم يكن شمير مستعد بأي شكل من الاشكال للربط بين الهجرة وبين التنازل عن حق الاستيطان والمستوطنات في كل ارجاء البلاد. وعلى عكس ذلك، فقد ادرك أن هذا التعزيز لاسرائيل بالقوى البشرية اليهودية يستطيع ملء الفراغات على خارطة الوطن. ومع ذلك فان تصميمه حول هذا الموضوع الايديولوجي، حق الاستيطان، تسبب بالضغط الامريكي الشديد على اسرائيل، الضغط الذي وجد تعبيره في وقف منح الضمانات بمبلغ 10 مليارات دولار من اجل استيعاب الهجرة.

 

       لم يرتدع

 

          بقدر ما كان مصمما في الموضوع الايديولوجي، فقد كان شمير ليّناً وعمليا في الجانب التكتيكي. وقد ظهر هذا الامر خلال حرب الخليج في 1991 عندما قام رئيس الحكومة الاكثر يمينية بكبح وزير الدفاع وقائد الاركان وقائد سلاح الجو، حيث لم يقبل توصيتهم بارسال طائرات سلاح الجو لقصف أهداف في غربي العراق. وقد وافق في هذه الحالة على موقف الرئيس جورج بوش الأب الذي يقول إن التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة هو الذي سيفعل ذلك وسيضع حدا للاعتداءات العراقية برئاسة الدكتاتور صدام حسين، وسيوقف اطلاق صواريخ القسام على اسرائيل.

 

          وفيما يتعلق بمؤتمر مدريد، وبخلاف ما هو سائد، فان ذهاب رئيس الحكومة شمير الى المؤتمر لم يفرض عليه من الادارة الامريكية، وقد كان هذا المؤتمر حسب رأيه تكتيكيا وليس مؤتمرا دوليا يلزم اسرائيل بالانسحاب الى حدود 1967 وتقسيم القدس. واعتبر شمير مؤتمر مدريد منصة لطرح موقف اسرائيل الواضح وفرصة لاختبار نوايا الدول العربية حول التوصل الى سلام حقيقي قابل للبقاء، بحيث تحافظ اسرائيل فيه على حقوقها في جميع ارجاء البلاد مع استعدادها منح السكان العرب المحليين حكما ذاتيا.

 

          صحيح أن شركاءه في الائتلاف من اليمين قفزوا لمجرد ذهابه الى مدريد، وتسببوا بازمة ائتلافية، وبالتالي تبكير موعد الانتخابات. لكن شمير لم يرتدع، فقد ذهب بقامة مرفوعة الى الانتخابات، التي خسر فيها المعسكر الوطني السلطة.

 

          يمكن اعتبار هذا الخطأ للجناح اليميني الاصولي سببا لانهاء حكم شمير. ويمكن ايضا الاشارة الى الخلافات الشديدة في الليكود، ويمكن أن يكون اتهام دعاية اليسار حول « فساد الليكود » أو التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية الاسرائيلية. لكن السبب الحقيقي لانقلاب حزيران 1992 وصعود اسحق رابين الى السلطة كان مختلفا. المفارقة هي أن القادمين الجدد الذين ناضل شمير من اجلهم هم الذين تسببوا بسقوطه. كيف؟ حزب العمل في المعارضة قام بتأجيج النار في اوساط من جاءوا الى البلاد بأنه ليس هناك اماكن عمل لهم. اسحق شمير قال إنه خلال سنتين – ثلاث سنوات سيكون لكل قادم جديد بيت وعمل يناسب مهنته. ولم يتوقع رئيس الحكومة شمير أن يدفع ثمنا سياسيا بسبب شكاوى القادمين الجدد. فقد أحضر هو وحزبه الى الوطن مئات الآلاف من اصحاب حق التصويت الجدد، الذين يسهل التأثير عليهم، وقد ساهموا من خلال تصويتهم الأول بذهاب بضعة مقاعد لحزب العمل في المعارضة، وبالانقلاب الذي وضع حدا لحكم الليكود.

 

          إن فقدان السلطة غير مهم مقارنة مع الانجاز الاكبر لاضافة مليون يهودي الى دولة اليهود. وقد ساهم شمير بأفعاله بشكل كبير في تعزيز الدولة، التي قادها مدة ست سنوات ونصف. لقد حان الوقت لتخليده، وأن يتم تسمية شارع على اسمه في مدينته تل ابيب مثل باقي مدن اسرائيل.