خبر في مكان سيء في الوسط- يديعوت

الساعة 10:32 ص|23 يونيو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: ناحوم برنياع

 (المضمون: اسرائيل ليست قوة عظمى بحيث تعفيها الاسرة الدولية من البطش في حروبها ولا نظام طغيان يفتك بالناس وتتجاوز الاسرة الدولية قصته. نحن عالقون في الوسط - المصدر).

 فليسامحني الاعضاء المحترمين في اسرة حقوق الانسان، ولكن الحديث عن جرائم حرب في سياق القتال في غزة هو في أفضل الاحوال حديث عليل، وفي أسوأ الاحوال حديث كاذب. جرائم حرب في تشبيه لمن؟ في تشبيه لماذا؟ في تشبيه لما فعلته روسيا في اوكرانيا؟ في تشبيه لما فعلته الولايات المتحدة في العراق؟ في افغانستان؟ في تشبيه لما تفعله الصين في التيبت؟  لن أكشف للقارىء نبأ عاصفا اذا قلت ان اجراءات التحقيق الذي تمارسه الاسرة الدولية انتقائيا. فالقوى العظمى معفية من التحقيق، معفية من العقاب؛ وانظمة طغيان، تبيد الشعوب، في افريقيا وفي الشرق الاوسط، تتلقى التوبيخات من حين الى آخر، ولكنها تستهتر. اما اسرائيل فعالقة في مكان سيء في الوسط.

 

          في ضوء هذا الواقع، فان تقرير القاضية مكافين ديفيز يرأف باسرائيل. نعم، كانت في أماكن عديدة مبالغة في استخدام الذخيرة، اصابة غير متوازنة لمبان سكنية، قتل زائد لاطفال ومدنيين، وفي حالتين عربدة بالنار في محاولة لمنع اختطاف جندي. ولكن كل صاحب قرار في الاسرة الدولية يعرف بانه لا سبيلا عمليا لادارة حملات عسكرية في ظل الحفاظ على النقاء، بصفر نقاط خلل. ومثلما في دول غربية اخرى، فان حساسية الرأي العام في الداخل لسقوط الجنود، وخوف الحكومة والجيش من فقدان تأييد الرأي العام، يزيدون عدد الخسائر المدنية في الطرف الاخر.

 

          أمس، بعد نشر التقرير، اشتكت محافل في حكومة اسرائيل بمرارة من ان التقرير يساوي بين اسرائيل وحماس. انا لست واثقا من أني افهمها. عندما وجهت تقارير لجان تحقيق دولية كل انتقادها لاسرائيل، بدعوى أن اسرائيل هي دولة ذات سيادة، ملتزمة بالقانون الدولي، ليس مثل اعدائها في غزة اشتكت ذات المحافل من أن اسرائيل تتعارض للتمييز ضدها. اما الان حين تبذل لجنة تحقيق من مجلس الامم المتحدة جهدا لتوازن النقد، فان ذات المحافل تشتكي مرة اخرى.

 

          رئيس الوزراء، وزير الدفاع وقادة الجيش الاسرائيلي في اثناء الجرف الصامد ارادوا قتل عدد كبير قدر الامكان من مقاتلي حماس ومنظمات الارهاب الاخرى. ولم يكونوا عطاشى لدماء المدنيين في غزة. بل العكس: الخوف من التورط القانوني او السياسي بسبب النار الزائدة دفعهم لان يصروا على انظمة التحذير مثل نقر السطح، وتبذير الذخيرة الذكية، الغالية، وابقاء الطائرات القتالية لساعات في الجو، وكل ذلك من اجل عدم ارتكاب الاخطاء.  ولشدة المفارقة، فان ما دفع حماس للتوجه الى وقف النار في النهاية لم يكن قتل مقاتليها بل بالذات حجوم الدمار في الاحياء المدنية.

 

          المشكلة في الجرف الصامد لم تكن جرائم الحرب بل مجرد التدحرج نحو الحرب. فقد منعت حكومة اسرائيل تحويل الرواتب لحماس، منعت نقل البضائع وشددت قدر المستطاع الحصار على القطاع. لو ان الحكومة كانت سمحت بان تدخل الى غزة في 2014 كل ما تسمح بادخاله اليوم، لما كانت الجرف الصامد. هنا يوجد ذنب القادة. وهو يتعلق ايضا بادرة الحملة، بالجمود الفكري، ببطء الحركة، بالخوف من المخاطرة والاهمال في حماية الجنود والمدنيين قرب الحدود.

 

          في السنة التي مرت منذ الحملة استوعبت عدة دروس، المفاوضات السرية مع حماس، بوساطة قطر، وتخفيف الحصار يدلان على ذلك. كما استوعبت ايضا دروس عملياتية في البحر، في الجو وفي البر. ولكن لا داع لان نوهم أنفسنا: اذا ما وعندما تفتح جولة اخرى مع غزة – لن تكون مختلفة عن سابقتها، لا في التقارير التي ستولدها ولا بالاحساس الذي خلفته بالالم، بالتبذير وباضاعة الفرصة.