خبر تركيا: انتخاب رئيس البرلمان أول تحدّيات التحالفات الحكومية

الساعة 05:11 ص|23 يونيو 2015

فلسطين اليوم

ما زالت المشادات السياسية بين مختلف أحزاب المعارضة التركية سيدة الموقف، خصوصاً بعد فشل حزب « الشعب الجمهوري » (أكبر أحزاب المعارضة) بالحفاظ على المعادلات التي كانت سائدة خلال فترة الدعاية الانتخابية، والتي وحّدت مختلف الأحزاب في الهجوم على حزب « العدالة والتنمية »، بل جعلت من برامجها الانتخابية نسخاً متطابقة إلى حد بعيد، بخلاف الموقف من عملية السلام بين أنقرة وحزب « العمال الكردستاني »، وذلك في الوقت الذي سيكون فيه اختيار المتحدث باسم البرلمان الاختبار أو المؤشر الأول على الأحزاب التي ستنضم للحكومة المقبلة.

 

جميع الاحتمالات ما زالت واردة حول تشكيلة الحكومة المقبلة، لكن الامتحان الأول سيكون اليوم الثلاثاء، أي الجلسة الأولى للبرلمان التركي الجديد، والتي سيتخللها أداء النواب للقسم، ومن ثم محاولة انتخاب متحدث باسم البرلمان (رئيس للبرلمان)، والذي من أهم صلاحياته الحلول محل رئيس الجمهورية في حال غيابه.

 

بطبيعة الحال كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادراً على تكليف زعيم أكبر الكتلة النيابية، أي أحمد داود أوغلو، بتشكيل الحكومة مباشرة بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات، ولكنه آثر انتظار الجلسة البرلمانية الاولى، ليكون انتخاب رئيس البرلمان بمثابة جسّ نبض لمعرفة من هي الأحزاب الأقرب للتحالف مع بعضها.

 

وبحسب الدستور، يجب انتخاب رئيس البرلمان، خلال خمسة أيام من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، ويقوم الجميع بتقديم مرشحيهم، ويجري الاختيار عبر الاقتراع السري بين النواب. ويحدد القانون حصول المرشح للمنصب على أغلبية ثلثي أصوات البرلمان للحصول على المقعد خلال الجولتين الأوليين من التصويت، أي 367 من أصل 550 مقعداً، وإن لم يحصل ذلك تستوجب الجولة الثالثة الحصول على الأغلبية فقط؛ أي 267 مقعداً من 550، الأمر الذي لن يستطيع أي حزب ضمانه لمرشحه من دون التوافق مع الباقين.

 

وفي حال لم يضمن أي من المرشحين الأغلبية البسيطة في الجولة الثالثة، تجري الجولة الرابعة بين المرشحَين اللذين حصلا على أكبر نسبة أصوات، وبالتالي يتم تنصيب الفائز بينهما، وفي حال لم تتوافق أحزاب المعارضة على مرشح مشترك سيكون مرشح « العدالة والتنمية » هو الفائز بما أن الحزب يملك العدد الأكبر من النواب في البرلمان. وبما أن القانون يستوجب أن يكون للمتحدث باسم البرلمان أربعة نواب، فإنه وللمرة الأولى سيكون هناك نائب للمتحدث باسم البرلمان من حزب « الشعوب الديمقراطي ».

 

في غضون ذلك، جاء وصف داود أوغلو قريباً جداً من الواقع السياسي، عندما قال خلال حضوره حفل إفطار: « سنتحدث مع الجميع في كل شيء، لكن ما نسمعه هذه الأيام من تصريحات ومشادات بين مختلف قيادات المعارضة وممثليهم، يؤكد بأن هذه القيادات تتصرف بطريقة وكأن الحكم أمر لا بد من تقاسمه ».

 

ونفى داود أوغلو حصول أي اتفاقات بين « العدالة والتنمية » وأي حزب آخر بشأن الحكومة المقبلة، لكنه أكد في الوقت ذاته أن المشاورات والمحادثات مستمرة وستستمر مع جميع الأطراف.

 

يأتي هذا بينما احتدت التصريحات بين حزب « الحركية القومية » (يمني متطرف) وحزب « الشعب الجمهوري »، إثر الضربة القاسية التي تلقاها مشروع كمال كلجدار أوغلو، زعيم « الشعب الجمهوري » بمحاولته قطع الطريق على داود أوغلو، عبر الحفاظ على ما أطلق عليه « كتلة المعارضة » التي وحّدتها ظروف ما قبل الانتخابات ضد « العدالة والتنمية »، وذلك إثر رفض زعيم « الحركة القومية » دولت بهجلي العرض السخي الذي قدّمه كلجدار أوغلو بتسليمه منصب رئاسة الوزراء، مقابل الموافقة على حكومة ائتلافية جماعية للمعارضة، أو حتى حكومة بين الطرفين تضمن دعم « الشعوب الديمقراطي » بتخلي بهجلي عن شرط إيقاف عملية السلام.

 

لكل من أحزاب المعارضة هدف رئيسي، ويتركز هدف « الشعب الجمهوري » على العودة إلى الحكومة بأي طريقة، في محاولة لتقديم أي شيء لناخبيه واستعادة وزنه السياسي كحزب قوي، وذلك بينما تبقى عملية السلام مع « العمال الكردستاني » الهدف الأهم لكل من « الحركة القومية » و« الشعوب الديمقراطي »، فبينما يسعى الأول إلى ضربها وإيقافها مهما كان الثمن، يبذل الأخير جهده للحفاظ عليها، لأن إنهاءها سيعني انتهاء مشروع السلام الذي بني عليه، مما قد يعرض الحزب برمته إلى الفناء.

 

وتحاول المعارضة التركية ابتزاز « العدالة والتنمية » والضغط عليه من خلال ثلاثة مواضيع رئيسية، الأول هو عملية السلام مع « العمال الكردستاني »، والثاني إحالة الوزراء الأربعة الذين اتُهموا بعمليات فساد في ديسمبر/كانون الأول 2013 إلى المحاكمة، والثالث هو إلزام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالامتناع عن التدخّل في شؤون الحكومة، من خلال إعادة طرح « مشروعية » إنشاء القصر الرئاسي الجديد والتلويح بإصدار قرار بمنع أردوغان من الإقامة فيه.

 

لكن الرئيس التركي لم يصمت عن دعوات المعارضة المتكررة إلى الحد من حركته، إذ قال خلال خطبة في إفطار نظمته جمعية رجال الأعمال المستقلين (المقربة من العدالة والتنمية): « إني أعرف تماماً موقعي وصلاحياتي التي منحها لي الدستور التركي الحالي، لذلك لا أحتاج لتعليمات من أحد ».

 

في غضون ذلك، وبينما لم يُقفل الباب بعد في وجه حكومة ائتلافية بين « الشعب الجمهوري » و« العدالة والتنمية »، أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن نوعاً من التقدّم حصل في المفاوضات بين الأخير وحزب « الحركة القومية »، إذ إن المشروع التوافقي المطروح على الطاولة الآن، هو تغيير اسم عملية « السلام » إلى اسم « عملية دمقرطة البلاد »، وبالتالي ستقوم الحكومة بالخطوات اللازمة لحل القضية الكردية من دون السماح لحزب « الشعوب الديمقراطي » بتقديم نفسه كأحد رعاة العملية والاستفادة منها على المستوى الشعبي، وأيضاً عبر سحب شرعية زعيم « العمال الكردستاني » عبدالله أوجلان، كمخاطب ومفاوض وحيد في عملية السلام، وبالتالي لن تتوقف العملية على الأقل إلى حين الانتخابات المبكرة التي تشير معظم التقارير بأنها لن تكون بعد نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي.

 

وفي ما يخص الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، فإن « الحركة القومية » ستتوقف عن المطالبة بتحويلهم إلى مجلس الدولة الأعلى للمحاكمة، مقابل حصولها على 8 وزارات. وتشير التقارير إلى ترشيح النائب عن « الحركة القومية »، أكمل الدين إحسان أوغلو (المرشح الرئاسي السابق) إلى منصب وزارة الخارجية. أما أردوغان لن يضطر إلى مغادرة القصر الرئاسي الجديد، ولكن لن يُسمح له بترؤس الحكومة بشكل دوري، ليتحوّل إلى دبلوماسية الأبواب الخلفية عبر الالتقاء بوزراء « العدالة والتنمية » بشكل منفصل في القصر الرئاسي.