خبر أعطني يدك.. رمضان كريم ... د.علي عقلة عرسان

الساعة 11:56 ص|12 يونيو 2015

فلسطين اليوم

 

أعطني يدك.. وكل عام ونحن بخير..

أعطني يدك.

البرد شديد، والليل موحش، والفجر بعيد..

والظلم ظلام، والعَتْمة ضياع، والدرب طويل، وبعض الزاد رفيق.

يدي وحدها ضعيفة، وطريقي بلا رفيق تطول، وبك أنا قوي وأنت بي أقوى..

أعطني يدك، وكل عام ونحن بخير.

الظلم ظلام.. والعَتْمَة ضياع.. والطغاة قبيلة،

ولا أمن لنا من جوعٍ وخوف..

إذ نسكن والشرَّ في ظلمة جَوف.

العزلة تفترس الروح، والخوف ينمو في الأحشاء،

البُغَاث في أرضنا تَسْتنسر، وأجنحة الغربان تغطي السماء،

ومن بين أصابعي الخمس يتسرب الزمن.

أعطني يدك قبل أن تضيع الفرصة، ويهرب العمر،

قبل أن تجف الخضرةُ في العود، ويغيض الماء في الأرض،

ويتسرَّب الأمل من شقوق الضلوع، وينفطر القلب حسراتٍ على ما فات..

فلات حين مندَم.. ولا حين حتى لِلات.

أعطني يدك،

رمضان يدق الباب، وكل عام ونحن بخير.

إذا كان بيني وبينك جبل فلنمشِ نحو نقطة اللقاء عبر الجبل..

لا شيء أقوى من إرادة الإنسان إذا أراد،

والمثل العربي الفصيح يقول:

« جبلٌ لجبلٍ لا يلتقيان، وإنسان لإنسان يلتقيان.. ».

فلنكن ذاك الجبل الإنسان.

الإرادة الخيِّرة زورقُ نجاة في بحر عاصف،

وألف بستان وبستان يتفتح في كل مكان وزمان..

والخلاص.. أن نرى..

أعطني يدك، وكل عام ونحن بخير.

إن كان بيني وبينك دمٌ، فامسح بدمي حقدَ قلبك، وامسح بعفوك حقدَ قلبي..

فالحقد موت، والحب حياة، ونحن أبناء الحياة الذين بَشِموا من الموت..

ولا بد من أمل.. فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.

أنا وإياك في الليل البهيم نهيم، ثم نهيم..

والريح تعزف لحن العاصفة،

والفضاء من حولنا محشُوٌّ بالنُّذُر.

طريق الرمل بلا معالم.. وموج بحر الغربة أفواه سمك القرْش،

والدرب المَجْهَلُ ظلال موت..

وقد بَشِمنا من الموت.

قدماي تغوصان في الرمل، ويضيع مني الطريق..

ألا تغوص قدماك في الرمل مثلي، ويضيع منك الطريق.؟

أنا وإياك في الليل البهيم نهْبَ زوابع الرمل..

والصحراء تأكل الوجه.. والوحدة قهر وموت..

ليس لي سواك، وليس لك سواي..

لا تُكابر..

أعطني يدك.. أعطني يدك.. فبعض الزاد رفيق.. وبعض العمر رفيق.

النيازك تنقضّ علينا من سماء البشر..

وعيبنا الكبير أننَّا لم نهيئ ما يقينا شر النيازك والبشر،

وابتلعنا البغضاء المنقضّة علينا من أقمار الفضاء، ومن أيدي البشر..

عيبنا أنا نمنا طويلاً، وأنا يسحرنا النوم،

وأنا ما زلنا النوم.

أخطأنا أنا وأنت.. أخطأنا أنا وأنت.. أخطأنا أنا وأنت..

الخطأ ضيقٌ.. والعفو سَعة..

والعالم واسع واتساع..

والله غفور رحيم.

الأرض تتسع لأكثر من اثنين،

والقلب المحب فضاءٌ رحب،

وعين الرضا عن كل عيب كليلة..

والله واسع عليم.

أعطني يدك.

رمضان يدق الباب

 وكل عام ونحن بخير.

تلومني وألومك، تبغضني وأبغضك، تضعِفُني وأضعِفُك..

تُدمي قلبي وأُدمي قلبك.. لا بأس.. لا بأس..

فنحن الجرح والسكين..

الحشرجة والأنين..

الطاعن والطعين..

نفنى وينشرح صدر العدو،

نضعُف ويقوى العدو..

لكن قل لي: أين الحكمة، وإلى أين المصير.؟!

هذا حقل موت ينمو فيه البؤس، ويفرّخ فيه اليأس،

حالة تجعلنا فريسة.

لستَ قوياً من دوني.. ولستُ قوياً من دونك..

أعطني يدك وهاك يدي.. أقوى بكَ وتقوى بي..

أخطأنا.. أنا وأنت..

الخطأ ضيقٌ.. والعفو سَعة..

والله غفور رحيم.

أعطني يدك: نحن اثنان نشد إلينا يد ثالث..

والثالث يشدُّ.. فنغدو أمَّة..

الفرقة ضعف، والضعف ضياع،  والضياع موت..

ونحن أبناء الحياة.. والحياة عفو..

والله غفور رحيم.

أعطني يدك..

رمضان كريم..

وكل عام ونحن بخير.

تعال نجلس قرب حَوْرة عملاقة على ضفة نهر بردى القديم، نشم النسيم

قربَ ناعورة على نهر العاصي، شدوها رخيم..تبكينا ونبكيها،

والله وحده بنا عليم

تعال إلى رأس البسيط..

البحر هادئ، والغابة الخضراء نداء..

وقد يكون لنا في تلك الطبيعة عيد. فلطالما حرمنا العيد.

تعال إلى ثرثرة ابتسام الموج على نهر الفرات..

تعال إلى.. وإلى .. وإلى..  

تعالضعنا، وأضعنا.. وضيَّعنا أمتنا..

تعال إلى ظلّ زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيئ..

شجرة من زيتون إدلب.أو حوران، أو الجليل.. 

ننظر منها الفرات والنيل، بعيني زرقاء اليمامة..

ما فات فات، وأمات منا الذي أمات..

تعال نبعث فينا الحياة.. بعضَ الحياة..

تعال نسأل الأيام الخوالي عن بيت كان لنا في الشام..

فيه شجرةُ نارنج،

وعريشُ عِنب،

وزيزفونةٌ مفتونة بالياسمين،

تعانقه خلسة في ضوء القمر..

وساقية ذات موسيقى سماوية ساحرة،

وبركة يتدفق منها الماء، ويطفو فوقها ورق الورد..

وفي ذلك الظل البهيج ينمو الحب..

تعال إلى سمرٍ وسهر..

فرمضان خير،

وسهراته في الشام، نَعيم..

تعال..

النرجس يرنو إلينا، وفي مقلتيه رجاء ودمع ندم.

تعال نذرف معه دمعة علينا..

على ما آل إليه حالنا في عتمة لفت العقل والروح..

تعال نبكي على أهلنا في مخيم الزعتري، في براري الوطن،

وعلى قبة الصخرة، ومن في باحة الأقصى يُذَل ويهان..

ونسأل: كيف أصبحنا بهذا الموت.. وهذي القسوة !؟

كيف لا يحركنا الدم، ولا يوقظنا الصوت، ولا نعرف أهلنا في الحياة والموت؟!

كيف نسينا الأمس، أضعنا اليوم، نخاف الغد..

ولا نملك من أمرنا رشَدا، ولا من أنفسنا إلا حسرات؟!

كيف افترسَنا الظلمُ، القهرُ، الخوفُ، الفتنة، الشك..

وكيف أصبحنا هذا القدر من الضعف، الخواء، الخوف..؟!

وعصفاً مأكولاً منبوذاً في الفلوات.. مواتاً فوق موات.

يهدّدنا العدّو فيرتفع منا الصوت، يرتعد القلب، يخفت العزم، ونصير الموت..

كيف تَبَعْثَرنا أشلاء على طرقات البلدان، بانتظار عطف الأمم؟!

وكيف أضعنا الطريق.. أحدنا إلى الآخر..

وفقدنا الثقة.. أحدُنا بالآخر

كيف زلزلنا جدران بيتنا بأيدينا..

وتناهبنا الجدران فسقط السقف، وزال البيت، وانكشف عنا الغطاء،

صرنا دماء فوق دماء،

وعُراة في العَراء،

ومعرَّة للعري، وبؤس الشقاء..

يتسرّب من بين أيدينا حُبُّ البيت.. الوطن، وحب الوطن.. البيت،

نمشي من يباب إلى يباب.. من خراب إلى خراب.

صرنا المعرَّة والخراب؟!

صرنا المعرَّة واليباب!!

أنت مسؤول.. وأنا مسؤول..

أنت مسؤول.. وأنا مسؤول..

لا فائدة من إضاعة الوقت بالتلاوم والعتاب..

الكَذِب، .. عذاب

الكَذب، عَذاب

أنت مسؤول وأنا مسؤول..

أعطني يدك، لم يفت الوقت.. فللمحبة ألف باب..

للمحبة ألف باب،

والعفو من شيم الكرام، وألف باب للقاء..

وألف باب، ثم باب..

أعطني يدك..

تعال إليّ.. أَجِيئ إليك..

تعال، أَجِئ..

العمر قصير، وقلبي وحيد، ويدي ضعيفة، وكفٌ واحدة لا تصفّق..

والسماء تعجّ بالغربان..

أعطني يدك.. وكل عام ونحن بخير.

في الأوقات الخمسة، في الصلوات..

 يتفتّح العفوُ،التاريخ، عند أبواب الحرَم المكي، عند الأموي،

في النجف، وعند ضريح الحسين، وقبر صلاح الدين،

في كنائس الشام، ومحاريب الأقصى، الأزهر الشريف،

في جامع الزيتونة.. وعند قمم الأوراس.. ورباط المجاهدين،

وفي كل مكان من فلسطين..

التاريخ نداء..

والإيمان نداء..

والحرية نداء..

ونور المعرفة نداء..

وفضاء الله نداء.

وفي كل يوم بين أيدينا ألف درس، من ألفٍ إلى ياء،

وألف بابٍ، لألف رجاء.

من غزة وجنين، من رفح والقدس، من سيناء والجولان،

ومن بيروت وبغداد.. إلى قمم الأوراس..

يصيح بنا الأجداد والآباء والشهداء:

ماذا تفعلون.. نسيتم أنفسكم.. هل جننتم؟

نسيتم دمنا وقيمنا وقضايانا،

وصلتم في الهِراش حدود التوحش والإيحاش..

إلى إنعدام الدين، وإماتة اليقين، وإعدام الذاكرة، وموت الشعور.؟!

فماذا تفعلون.؟!

أَضَعفٌ على ضعف، وجبنٌ على خوف، وفجورٌ على مجون،

وفسادٌ فاق حدّ الظن، وحدَّ الجنون..؟!

ماذا تفعلون..؟ من أنتم.. ما أنتم..؟ ومن تكونون؟!.

فيمرّ بنا الصوت من دون صدى..

صحراءٌ نحن، بيداء مدى..

تأكل الصوت، ورجع الصدى..

تأكل الوجه.. وكلَّ المدى..

صحراءٌ نحن..

صحراءٌ نحن..

نأكل بالشهداء ونشرب..

نَشْرَق بالدماء ونطرب..

يا لهول ما نحن.. يا لهول ما نحن..

موت يجرّ الموت..

موتٌ يجرّ الموت..

لا فرق عند الناس بين موت وموت..

تعدّدت الأسباب..

لكن شتَّان بين حيّ وحيّ.. بين ميتٍ وميت.

أعطني يدك..

أعطني يدك.. ولنستعد حياةً، ونصنع الحياة..

أعطني يدك.. فما زال أمامنا العمر، وفينا الأمل..

أعطني يدك.. وكل عام ونحن بخير.

ورمضان كريم.

 

دمشق في ‏الجمعة‏، 12‏ حزيران‏، 15

 

علي عقلة عرسان