خبر لماذا نتعاطف مع الحيوانات أكثر من تعاطفنا مع البشر

الساعة 08:29 م|31 مايو 2015

فلسطين اليوم

بعد أقل من أسبوع من فوز حزب المحافظين البريطاني بالانتخابات، أعلن الحزب عن خططه لإلغاء الحظر الذي تم فرضه عام 2004 بشأن صيد الثعالب، وهذا التصرف استثار فوراً غضباً جماهيراً عارماً، وإن كنت تتساءل عن الأسباب التي أدت إلى هذا الغضب، فعليك أن تدرك أنه في خضم محاولات (ديفيد كاميرون) الرامية إلى تلميع صورة حزب المحافظين، جاء هذا القرار ليعكس أحد أساليب حزب المحافظين القديمة والمثيرة للضحك، والتي تشبه قيامك لأسابيع باقناع شخص تحبه بأنك لست عنصرياً، ومن ثم وفي أول لقاء لكما تأتي وأنت ترتدي العباءات البيضاء لجماعة كو كلوكس كلان العنصرية.

ومن جهة أخرى، يبدو أن القرار الذي اتخذه الحزب غير حكيم، وذلك بالنظر إلى عدم صحة رفع الحظر عن ممارسة تلقى ذماً شعبياً على نطاق واسع، كونها تسمح للأغنياء بالتفاخر بقتل وذبح هذه المخلوقات الصغيرة فقط بهدف المتعة، وبمقارنة هذا القرار مع قرار قتل حيوانات الغرير الذي اتخذه حزب المحافظين منذ فترة أيضاً واستثار به بعض الأشخاص، نجد أن قرار رفع الحظر عن قتل الثعالب أسوأ من قرار قتل حيوانات الغرير، لأن القرار الأخير ومهما بدا معيباً إلا أنه يستند إلى بعض الأسباب العلمية والزراعية، وليس بدافع الترفيه، وهذا التوصيف لا ينطبق على صيد الثعالب، ومن خلال هذا المنظور يمكن فهم سبب غضب العامة على هذا القرار الأخير.

يؤكد الكثيرون أن الغضب الشعبي حول موضوع الثعالب تجاوز بدرجات كبيرة الغضب من التخفيضات التي طالت نظام الضمان الاجتماعي البريطاني والذي قد يؤدي إلى تدمير حياة الآلاف من البشر، حتى أن حملة “أنقذوا خدمات الرعاية الصحية” في بريطانيا لم تحصل على هذا المستوى العالي من الاهتمام، وبالمثل، وبشكل أكثر إثارة للقلق، تم تقديم التماسات مليونية لإجبار البرلمان الأوروبي للنظر في موضوع فرض حظر على جميع البحوث التي تستخدم الحيوانات، وهذه الالتماسات قد يكون لها عواقب وخيمة على الآلاف بل الملايين من المرضى، بالنظر إلى مدى اعتماد البحوث الطبية الناجحة على إجراء التجارب على الحيوانات.

مهما كان رأيكم حول هذه القضايا، فإن الأمثلة المذكورة أعلاه تبين بوضوح أن للحيوانات أولوية على البشر، وفي الواقع هذا الأمر ليس بجديد، وخاصة في المملكة المتحدة، فمثلاً الجمعية الملكية لحماية الحيوانات من العنف (RSPCA) تم تأسيسها قبل ستين عاماً من تأسيس المجتمع الوطني لمناهضة العنف ضد الأطفال (NSPCC)، علماً أن أول تجريم للعنف ضد الأطفال يرجع بالواقع إلى جمعية (RSPCA)، حيث تم تعريف الطفل بأنه “حيوان صغير” لأنه لم يكن يوجد قوانين تحمي الطفل حينها، ورغم أنه يوجد في المملكة المتحدة أيضاً بعض القوانين الصارمة والشاملة التي تنظم التجارب على الحيوانات، إلا أن هذا القوانين لا تمنع التجارب على الحيوانات صراحة، مما يجعل هذه القوانين غير مقبولة بالنسبة للكثيرين.

ولكن ما الذي يجعل البشر يعطون أولوية للحيوانات بشكل يفوق الاهتمام بالجنس البشري؟

في الواقع هذه السمة هي من سمات الإنسان بشكل حصري، فأنت لا ترى مثلاُ فرس نهر يقوم بافتراس أسد للدفاع عن حمار الوحش، كما أنه من غير المحتمل أن تهاجم النوارس القطط لحماية الفئران.

التعاطف هو عامل مهم وأساسي في هذا الموضوع، فقدرة الإنسان على إدراك وفهم معاناة شخص آخر –أن يضع نفسه مكانه-، هو أمر بالغ الأهمية بلا شك في استيعاب معاناة الآخرين وإتيان الرد عليها، والدماغ البشري يجيد بشكل غريب القيام بهذه المهمة، حيث يستطيع قراءة الإشارات القادمة من الأشخاص الآخرين، وتقييم شعورهم، ولكن هذه المهمة تحتوي على بعض التحيز الأناني، فالعواطف التي يشعر بها الإنسان حين قيامه بتقييم مشاعر الشخص الذي أمامه ستنعكس على هذا التقييم بشكل دائم، وهناك منطقة في الدماغ “التلفيف فوق الهامشي الأيمن” تعمل على كشف هذا التحيز الأناني والتغلب عليه.

ومع ذلك، فقد أظهرت الدراسات أنه من الصعب للغاية التعاطف بشكل صحيح عند تكون حالة الشخص “المقيِّم” مختلفة بشكل جذري عن حالة الشخص الآخر “المقيَّم”، بمعنى أن آلية الدماغ بكشف التحيز الأناني والتغلب عليه لها حدود معينة، فمثلاً في حال معاناة شخصين لا على التعيين من تجربة مأساوية متماثلة، فإنهما سيكونان ممتازين في التعاطف مع بعضها بشكل صحيح، ولكن إذا كان أحد الأشخاص يمر بتجربة متعة في حين يمر الآخر بتجربة معاناة، فمن ثم لن يستطيع الشخص الأول التعاطف مع الثاني لأنه سيقلل بشكل جدي من معاناة الأخير، فكلما كانت حياة شخص ما أكثر متعة وراحة كلما كان من الصعب عليه تقدير احتياجات ومشاكل الأشخاص الذين يمرون بتجارب معاناة.

يبدو أن الحيوانات قادرة إلى حد ما أن تكسر القاعدة السابقة، فالبشر لديهم ميل قوي للتعاطف مع الحيوانات، ومما لا شك فيه أن جزء من هذا الميل نابع من المجتمع والثقافة، ولكن هناك ميل  يتطور لدينا نحن البشر لاستحسان أو للاستجابة بشكل عاطفي نحو أي شيء “لطيف”، لذا نجد أن صور الثعالب أو الكلاب أو القطط هي التي يستخدمها متظاهرو حقوق الحيوان، بدلاً من استخدام صور ذباب الفاكهة على سبيل المثال، ويقترح البعض أن هذا الميل تطور لدينا على مدى الأجيال السابقة، وأننا نميل لاستحسان أي شيء له صفات الأطفال البشريين (صغير، لطيف، ضعيف، مرح، يمتلك عيون كبيرة…الخ).

بالإضافة إلى ما تقدم يحمل بعض الأشخاص فرضية “العالم المنصف”، وهو تحيز مستمر لنظرة أن العالم هو عادل في جوهره، على الرغم من كونه عشوائي إلى حد كبير، وهذا الاعتقاد يمكن أن يكون جزءاً لا يتجزأ من رؤية الشخص للعالم، وسعيه بجد للحفاظ على هذه النظرة، ونتيجة لذلك نجد بعض الأشخاص يلومون الضحية، ووفقاً لنظرة العالم العادل، إذا كان شخص ما يعاني، فإنه يتعرض لذلك لأنه أقدم على فعل ما واستحق هذه المعاناة.

يوجد بعض الأدلة التي تشير إلى أن آليات الدفاع اللاوعي تبدأ عملها، خاصة إذا تصادف الشخص مع ضحية تشبهه، فرؤية ضحية يمكن ربط حالتها بحالته يعني أن ما حدث للضحية يمكن أن يحدث لهذا الشخص، وهذا بحد ذاته تفكير مخيف، وهنا يتدخل الدماغ ليستنتج أن الضحية أخفق في مكان ما حتى استحق نتيجته، مبتعداً عن فكرة أن الأشياء السيئة يمكن أن تحدث لأي شخص، وبالتالي، نحن نحط من قدر معاناة الآخرين للحفاظ على السلام الداخلي ضمن عقولنا.

ولكن الحالة السابقة لا تنطبق على الحيوانات، فالناس تستطيع أن تشجب وتدين صيد الثعالب وتدفع بمطالباتها هذه إلى أقصى الحدود، لأنه مهما حصل فإنه من غير المحتمل ولا المنطقي أن يلاقي البشر ذات مصير الثعالب، ومن جهة أخرى، من المستحيل أن نحدد على وجه اليقين الأسباب التي أوصلت البشر إلى حالة أصبحوا معها ضحايا، ولكن بالنسبة للحيوانات، مهما كانت الظروف، فهي دائماً بريئة، لأنها ببساطة لا يمكنها القيام بأي فعل يستحق أن تعاني لأجله على يد البشر، وحتى لو قامت الكلاب بهجمات شرسة على البشر، فإنها تفعلها لأنها تشعر أنه كان يجب عليها المهاجمة، وليس لأنها تتمتع بالعنف أو بالقسوة، وبالتالي، معاناة الحيوانات تنتهك حدودنا الأخلاقية بشكل أكثر سهولة مما تفعله معاناة البشر.