خبر تعديل المبادرة العربية... بالون اختبار جديد لنتنياهو

الساعة 05:55 ص|30 مايو 2015

فلسطين اليوم

لم تأتِ تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأول، بشأن تعديل المبادرة العربية، من فراغ، ولا هي في واقع الحال بجديدة على الإطلاق. لكن عودة نتنياهو إلى المبادرة، التي لم يعلن يوماً عن قبولها، تشكل مدماكاً جديداً في خطة ونهج إعلامي سياسي، يبدو أن الرجل يعتمده في حكومته الرابعة، لتوسيع حيّز المناورة الإسرائيلية في مواجهة تسونامي سياسي يتوقع مراقبون إسرائيليون أن تواجهه حكومة الاحتلال قريباً.

ويحمل إعلان نتنياهو في لقائه مع المراسلين السياسيين في الصحف الإسرائيلية، عن أن المبادرة التي أطلقت قبل 13 عاماً لم تعد صالحة على ضوء التطورات في المنطقة، نية للهروب من الملف الإسرائيلي الفلسطيني إلى الملف الإيراني، وتطويع الأخير ليكون طريقاً ومخرجاً إلى تحالف « أو تعاون » بين إسرائيل ومحور « الدول العربية السنية المعتدلة »، وهو التعبير الذي كرّره نتنياهو كثيراً في خطاباته السياسية، لتمييزه عن إيران و« المحور الشيعي المتطرف »، الذي يتحالف معها، بحسب رأي نتنياهو.

وجاء تصريح نتنياهو حول المبادرة العربية ردّاً على دعوة الجنرال السعودي السابق، أنور العشقي، قبل أسابيع، نتنياهو إلى قبول المبادرة السعودية التي يؤيدها، بحسب العشقي، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وكبار مستشاريه.

وما يعزز فرضية الردّ هو تركيز نتنياهو في تصريحاته، على العنصر نفسه أو الركن الذي بات أساسياً في التوجه الإسرائيلي العام، وهو تهميش عنصر وحجم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتحويله إلى جزء من كل يمكن حله بعد التوصل إلى اتفاق صلح إقليمي، أو تأسيس تعاون إقليمي مشترك يقوم على اساس مناهضة إيران واستغلال الرفض العربي لمساعي إيران للتحول لقوة نووية، من جهة، ومناهضة تنامي قوة تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش)، ورفاقه، سعياً للوصول إلى تعاون و« سلام أمني »، يكون مكملاً لنظرية نتنياهو المعلنة منذ سنوات بوجوب التوصل بداية إلى سلام اقتصادي.

ويحاول نتنياهو من خلال إعلانه هذا، إلى جانب تصريحاته الأخيرة عند لقائه مع وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني، تقديم تصور إسرائيلي « شامل » للتسوية في الشرق الأوسط ككل، ولكن عبر الاستراتيجية الإسرائيلية نفسها السائدة منذ مؤتمر مدريد، بالحديث عن تصور إقليمي شامل، مع تطبيق فردي في مسارات مختلفة دون ربط مسارات وقنوات التسوية معاً، وتفكيك الصراع العربي الإسرائيلي إلى مركبات مستقلة عن بعضها البعض.

لكن رئيس حكومة الاحتلال يتبع في خطابه الجديد خطاً مغايراً لذلك الذي سار عليه لغاية الآن، ربما بفعل تقارير وزارة الخارجية المتشائمة مما ينتظر إسرائيل بعد اتفاق إيران مع الدول الغربية، والتي تشي بتسونامي سياسي وضغوط هائلة على إسرائيل وفي مقدمتها مآلات المبادرة الفرنسية التي ستطرح على مجلس الأمن الدولي في سبتمبر/ أيلول المقبل.

وفي هذا السياق، فإن ما كشفته صحيفة « معاريف »، أمس، عن حصولها على أربع مسودات لمقترحات قرار عن البرلمان الأوروبي، يعزز الاعتقاد بأن نتنياهو قرر اعتماد مرونة في الخطاب والبلاغة، وتكرار القول إنه ملتزم بحل الدولتين لكن الظروف غير ملائمة حالياً بفعل الظروف الإقليمية، ونتيجة الفوضى الناجمة عن الثورات العربية وعدم وجود استقرار سياسي وأمني في المنطقة.

وبيّن تقرير « معاريف » أن البرلمان الأوربي قرر تأجيل موعد البت في هذه المقترحات، وذلك على أثر تصريحات نتنياهو أمام موغريني، ومحاولة إسرائيل إقناع أعضاء البرلمان الأوروبي بنية الاحتلال واستعداده لاستئناف المفاوضات في حال وافق الفلسطينيون على ذلك.

ويبدو نتنياهو كمن يراهن في الوقت الحالي، خصوصاً مع إعلان المجموعة الأوروبية في الفيفا أنها ستعارض إبعاد إسرائيل عن اتحاد كرة القدم الدولي، على خط مهادن ومرن، يسحب عبره البساط من تحت المبادرة الفرنسية ويدفع إدارة باراك أوباما إلى إعلان معارضتها لقرار أممي في مجلس الأمن الدولي، والتلويح باستخدام حق النقض (الفيتو) عند انعقاد المؤتمر السنوي العام للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.

ويسعى نتنياهو في المرحلة الحالية، حتى بعد تسليم إسرائيل بفشلها في إحباط اتفاق مع إيران، إلى تجنب أي صدام علني مع إدارة أوباما، وتجنب أي توتر غير محمود العواقب مع الدول الأوروبية، خصوصاً مع فرنسا، بالنظر إلى الانسجام الأمني والسياسي مع ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل.

ويمكن القول إن اقتراح نتنياهو على موغريني بخصوص إطلاق مفاوضات لترسيم حدود الكتل الاستيطانية التي تبقى تحت سيادة الاحتلال، وفق كل اتفاق مستقبلي، بحسب نتنياهو، كان الخطوة الأولى في هذا المضمار، وشكل الالتفات إلى المبادرة العربية بعد 13 عاماً خطوة إضافية في محاولات نتنياهو تجنب عقوبات أوروبية، ونقل الكرة من الملعب الإسرائيلي إلى الملعب الفلسطيني على المسار الفلسطيني، وإلى الملعب العربي في سياق إيران والمبادرة العربية.