خبر المواعيد النهائية بين القلق والتحفيز

الساعة 06:56 م|24 مايو 2015

فلسطين اليوم

على الرغم من أن معظمنا يكره المواعيد النهائية، إلّا أنها غالباً ما تلعب دوراً هاماً جداً في تحفيزنا، وذلك لأسباب نفسية مختلفة.

يبدو أن الكثير من الأشخاص يحبون المماطلة في أعمالهم، أو على الأقل يماطلون فيها على الرغم من معرفتهم أنهم بحاجة للقيام بها، فكثيراً ما نرى العديد من المشاركات على الفيسبوك أو التويتر والتي يشير الأشخاص فيها أنهم لا ينبغي أن يقضوا وقتهم على الفيسبوك أو التويتر لأن لديهم عمل مهم يجب عليهم القيام به، ولكنهم مع ذلك يماطلون فيه، وهنا الأشخاص يماطلون من خلال الذهاب إلى الانترنت والإشارة إلى أنهم يماطلون، وهذا يعتبر مستوى متقدم حقاً من إضاعة الوقت.

ولكن – وأعتقد هنا أن معظم الأشخاص على دراية بما سأقوله- بمجرد أن يبدأ الوقت المتاح للقيام بالمهمة المحددة في النفاد، يضعف معدل المماطلة، ويصبح الإلهاء الوحيد تقريباً الذي يبعدك عن أداء المهمة هو تلك النظرة المذعورة التي ترمق بها الساعة من حين لآخر، والتفكير بأنه لا يمكن أن يكون الوقت قد مضى بهذه السرعة، وهنا نستطيع لمس قوة المواعيد النهائية.

بالمعنى التاريخي، كلمة (deadline) أو خط الموت، كانت تدل على الحدود التي كانت ترسم حول السجن، والتي إذا ما عبرها السجناء سيتم إطلاق النار عليهم من قبل الحراس، ولكن هذا التعريف لم يعد ينطبق على هذه الكلمة في هذه الأيام -إلا إذا كنت تعمل لصالح مدير صارم للغاية-، فبدلاً من ذلك، أصبحت هذه الكلمة تستخدم اصطلاحياً الآن للإشارة إلى الوقت الذي يجب أن يتم خلاله إكمال مهمة ما، ومع هذا التعريف أصبح مصطلح الموعد النهائي موجوداً في كل مكان في العالم الحديث.

هناك العديد من أنواع المواعيد النهائية التي يمكن للشخص أن يواجهها في حياته، فمثلاً هناك موعد نهائي لاستكمال رحلة للعمل، كما أنه عندما يقوم رئيسك بالعمل بتكليفك بالعديد من الوظائف والمهام فهو غالباً ما يحدد موعد نهائي لتسليم هذه الأعمال والمهام أيضاً، وبالإضافة إلى ذلك فقد يعني الموعد النهائي شيء آخر، فعندما ترتب للقاء مع أشخاص آخرين يجب عليك عندها أن تكون مستعداً للقائهم في وقت معين، وهذا الوقت هو موعد نهائي أيضاً، أو عندما تتلقى رسالة نصية من شخص تحبه سيكون عليك الرد عليه قبل فترة زمنية معينة لتجعله يعلم أنك مهتم -ولكن ليس سريعاً جداً لكي لا تبدو وكأنك يائس-.

إن عواقب تخطي المواعيد النهائية قد تختلف إلى حد كبير، كما أن ردود الأشخاص تجاه هذا التأخير تختلف بشكل كبير أيضاً، ولكن يمكن القول بشكل عام أنه كلما اقترب الأشخاص من المواعيد النهائية المحددة لهم، فإنهم عادة ما يصبحون أكثر حماساً ويعملون بجد أكبر لإنجاز المهمة التي بين أيديهم، كما وقد نستطيع أن نقول أن أداءهم في إنجازها يتحسن أيضاً.

هذه الناحية النفسية لم يغفل عنها بالطبع علماء النفس، حيث قاموا بإجراء الكثير من البحوث حول المواعيد النهائية، وتبعاً لهذه البحوث فإن التحسن الذي يطرأ على أداء الشخص مع اقتراب موعد التسليم النهائي يمكن أن يتم تحديده وفقاً لقانون (يركس-دودسون)، الذي يشير إلى أن التحسن في أداء الشخص يزداد مع زيادة معدل الاستثارة التي يحصل عليها، ولكن فقط حتى نقطة ذروة محددة، يبدأ بعدها الأداء بالانهيار عندما يصبح الشخص أكثر إرهاقاً أو تشتتاً.

يمكن للاستثارة هنا أن تشير إلى الضغط أو الحالة العصبية أو التوتر الذي ينجم عن الوعي الكامل بالعواقب المحتملة لعدم استكمال مهمة هامة إلى جانب ضيق الوقت المتبقي لإنجازها، فعلى الرغم من أن الدماغ البشري يميل نحو المماطلة، بيد أنه يميل بشكل أكبر لتجنب الحوادث غير السارة التي قد تنجم عن التأخير، لذلك فإنه يميل إلى اعتماد مبدأ “انتهاء وقت اللعب” مع اقتراب الموعد النهائي للعمل، ولكن من الواضح بأن هذه المعادلة لا تعمل إلا حتى حد معين، وبعد ذلك يمكن للإجهاد أن يكون له بعض العواقب غير السارة أيضاً.

ولكن لماذا يستمر هذا بالحدوث؟ فعلى الرغم من أن الأشخاص يتعاملون مع العديد من المواعيد النهائية في حياتهم، بل وحتى قد يواجهون أكثر من موعد نهائي في اليوم الواحد، إلّا أنه دائماً ما ينتهي بهم الأمر مراراً وتكراراً وهم مصابون بالذعر من اقتراب الوقت النهائي لتسليم أعمالهم كونهم لم يقوموا بعد بأداء مهامهم التي أقسموا لأنفسهم أنهم سينجزونها عندما كان لديهم متسع من الوقت، وعلى الأغلب جميعنا يعرف شخصاً واحداً على الأقل يتميز بأنه دائم التأخر عن مواعيده وإنجاز مهامه، ويبدو وكأنه لا يستطيع أن يفهم المبدأ الأساسي لجدولة الوقت والالتزام به، وإذا كنت لا تعرف أي شخص بمثل هذه الصفات فهذا على الأرجح لأن ذاك الشخص هو أنت تحديداً، فإذا كان هذا صحيحاً، يجب عليك أن تعلم بأن أصدقائك يجدونك مزعجاً بشكل لا يصدق.

ولكن دفاعاً عن الأشخاص الغير منظمين، يبدو أن هناك نزعة نفسية عميقة الجذور تدفعنا للقيام بذلك، وهذه الحالة تعرف في علم النفس باسم مغالطة التخطيط، حيث يحدث هذا لأن الدماغ البشري يمتلك وجهة نظر متفائلة بشكل غريب عندما يتعلق الأمر بتقدير المدة التي يمكن فيها إتمام مهمة ما، لذلك فإن تقديراته دائماً ما تكون أقل من المدة المطلوبة، وفضلاً عن ذلك، فإن الدماغ يميل أيضاً لنسب الإخفاقات السابقة في الوفاء بالمواعيد لأسباب خارجية، فعلى سبيل المثال يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يقولوا “أعرف أنني وصلت إلى الجنازة متأخراً جداً، ولكن هذا لأن كأس العالم كان يعرض على التلفاز”، هذه الافتراضات المتفائلة تميل للهيمنة على الناحية التخطيطية والإدارية في أدمغة أولئك الأشخاص، ولكن هذه التبريرات تبقى صالحة حتى اقتراب الموعد المحدد، وحينها يصبح من الصعب أو حتى من المستحيل تجاهل الواقع الفعلي.

قد يقول قائل أن قوة المواعيد النهائية تتخذ معيار شخصي، أي أنها تعتمد على مدى أهمية المهمة المسندة للشخص بالنسبة للشخص ذاته، ولكن هذه النظرة لا تستطيع تفسير جميع الأمثلة المرتبطة بالمواعيد النهائية، فمثلاً فيما يخص تحديد المواعيد النهائية لتسجيل الناخبين للإدلاء بأصواتهم من أجل انتخابات سياسية معينة، فإن هذا العمل ليس له أي فوائد ملموسة أو عواقب مباشرة على الشخص، فما هو إذاً الدافع خلف قيام بعض الأشخاص فجأة بالتسجيل فقط عند حلول الموعد النهائي؟

حسناً، يبدو أن هناك العديد من المتغيرات المحتملة التي تدفع الشخص للقيام بذلك، ولكن أحده أهم تلك المتغيرات هو تأثير الندرة، فمن المعلوم بأن الأشخاص دائماً ما يرغبون بالأشياء بشكل أكبر عندما تصبح نادرة (تماماً مثل المعادن الثمينة، والطبعات المحدودة، والحيوانات الأليفة الغريبة…الخ)، لذلك فعندما يقترب الموعد النهائي لتسجيل أصوات الناخبين فإن خيار التسجيل يبدأ بالتلاشي رويداً رويداً، ويبدو أن احتمال خسارة هذا الخيار يحفز الأشخاص للتسجيل بغض النظر عن نواياهم في التصويت، وذلك لمجرد إبقاء هذا الخيار في التصويت متاحاً أمامهم، وقد يكون الدافع أيضاً وراء ذلك هو الرغبة بالشعور بالتفوق على أولئك الذين لم يسجلوا أسماءهم، حيث أن هذا يعزز من شعور المرء بمركزه الاجتماعي.

في النهاية، قد تكون المواعيد النهائية غير سارّة ومزعجة، لكنها على ما يبدو تجعل بعض الأمور تنجز بالتأكيد، بغض النظر إن كان ذلك سيؤدي إلى نتائج جيدة أم لا.