خبر نتنياهو وأوباما يدفنان مسيرة السلام بصمت

الساعة 10:12 ص|20 مايو 2015

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

بعد سنوات من إعلانه عن موت اتفاقية أوسلو، وبعد مرحلة طويلة من المناورات والضبابية والتلاعب بالكلمات وألاعيب العلاقات العامة؛ أطلق نتنياهو أخيرًا، بشكل جلي وواضح، إعلان دفن مسيرة السلام القائم على حل الدولتين، بصمت ودونما ضجيج أو مراسم دفن، سواء عبر تصريحه عشية الانتخابات عن تخليه عن حل الدولتين أو عبر البرنامج السياسي لحكومته الرابعة، الذي لم يتضمن سوى جملة باهتة – لذر الرماد في عيون تعشق السراب – عن المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، ومع جيران إسرائيل العرب.

والغريب أن أوروبا وأمريكا، أصحاب مشروع حل الدولتين، ليس فقط انهما لم تعبرا عن انزعاجهما وإدانة التراجع الاسرائيلي السياسي عن مشروع سياسي أسس لأكثر من عقدين من العمل السياسي، وكان بمثابة الأساس والإطار والمرجع لمجمل النشاط المحلي والإقليمي والدولي على كافة الأصعدة؛ بل ان كلًا من أوروبا وأمريكا أظهرتا قدرة من التملق الكبير للسياسات الاسرائيلية عبر التأقلم معها وحث الأطراف لرؤية بعض ما في كأس نتنياهو، وعبر بيان الحكم على الأفعال، وكانت قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ومن باب الضغط عليها، طالبتها بتبني برنامج حل الدولتين، وعندما تنكر نتنياهو لهذا المطلب تقبلت الأمر وتراجع موقفها لقاعدة تستند على الحكم على الأفعال، وهي حقًا غير جادة حتى في ذلك.

الموقف الأوروبي الأمريكي المتقبل عمليًا لتنكر نتنياهو لحل الدولتين، يعيد إلى أذهاننا موقف الرباعية واشتراطاتها على الحكومات الفلسطينية، والذي شكل أساسًا سياسيًا لمحاصرة من لا يستقيم مع شروط الرباعية، وأهمها شرط الاعتراف بدولة إسرائيل، ألا نستحق أيضًا ان يفرض على حكومات إسرائيل شرط الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ أو أقله شرط تبني الموقف الدولي القائم على مبدأ حل الدولتين والسعي لتحقيقه؟ أم انها سياسة الكيل بمكيالين ومكيال للضعفاء وآخر للأقوياء والأصدقاء؟

إنها السياسة القائمة على المصالح وعلى موازين القوى على الأرض، ويخطأ من يراهن على أن يقوم الآخرين بما يجب عليه هو ان يقوم به؛ فأوروبا لن تكون في يوم فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، هذا عدا عن كون أقطابها الكبرى والوازنة متحيزة لإسرائيل؛ فعندما تغيب القضية الفلسطينية عن مشهد وساحات الفعل اليومي، وينحصر فعلها بالمناشدات والبيانات والاجتماعات الرسمية وإطفاء الحرائق، في ظل حضور جزء فاعل لأحد أوجه القضية الفلسطينية، وهو حصار غزة وإعادة بنائها، لكنه يحضر في سياق منعزل عن سيرورة القضية الفلسطينية؛ فإنه يغدو ملفتًا للانتباه أكثر على الساحة الدولية، ويغذي فكرة تجزئة القضية الفلسطينية، ويلتقي عمليًا مع عدم معارضة إسرائيلية، ويجعل من المريح للجميع العمل وفق مبدأ الالتقاء على ما لا يختلف عليه، وهي فرصه لإسرائيل وللآخرين لإظهار إنجاز وتقدم ما على إحدى جبهات الصراع الاسرائيلية الفلسطينية.

تراجع فعاليات المشهد الفلسطيني انعكس بشكل واضح على أولويات العرب، كجماعة أو كدول، فالقضية الفلسطينية كانت في ذيل بيان جامعة الدول العربية، مباشرة قبل الصومال، كما ان اللجنة العربية المكلفة من قمة شرم الشيخ للاجتماع بقيادة البيت الأبيض لم يسمع عنها أو عن نشاطها أحد، بينما الاجتماع القيادي الخليجي مع رئاسة البيت الأبيض المتعلق بالموضوع الإيراني، الذي عقد في الثالث عشر من مايو الجاري، قد دشن ذروة التراجع العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فكانت قضايا العرب الأكثر سخونة التي اضطر أوباما لمواجهتها والغوص فيها تتعلق بإيران والأسد وداعش والحوثيين، لذلك تحدث أوباما دون ان يشعر باي حرج عن ان ما يتطلع إليه في العام القادم على المستوى الفلسطيني ينحصر في توفير فرص عمل للفلسطينيين وفي منح الأمل لسكان القطاع، وكأنه يقول ان ما يمكن ان يفعله يتعلق فقط بالجانب الانساني والاقتصادي.

أوباما بتصريحاته لقناة العربية (الحدث) عن رؤيته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتجنبه المقصود لذكر كلمة « احتلال » وتهربه من تحميل نتنياهو أدنى مسؤولية، والاكتفاء بوصفها بأنها « قضية معقدة »، ومطالبة إسرائيل بعدم التنكر للمشكلة التي تعيش بجوارهم؛ هو بذلك أيضًا يدفن مسيرة السلام بصمت.

لم تعد القضية الفلسطينية تعني أوباما، كما لم تعني الرؤساء الأمريكيين السابقين، فهي مجرد ضريبة كلامية وعلاقات عامة في بداية حكمهم ولاحتواء العرب والمحافظة على رعاية السلام باعتباره وظيفة دائمة للدولة الكبرى، حتى هذه الضريبة الكلامية سرعان ما تتراجع في ظل التعنت الاسرائيلي وضغوط اللوبيات الصهيونية، وفي ظل الشعور بأن القضية ليست ساخنة لدى العرب بما يكفي للتدخل الفاعل، وربما لدى أوباما الآن أسباب أكثر من سابقيه لإهمال الملف الفلسطيني، وهو انشغاله بالملف الإيراني ورغبته عدم استفزاز الاسرائيليين وأصدقائهم، وتعويضهم عن الملف الإيراني في الملف الفلسطيني.

بعد أكثر من عقدين من المراهنة على حل سياسي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية عبر المفاوضات المباشرة المدعومة بتدخل دولي والمستندة أصلًا الى قناعات الغالبية الاسرائيلية بأهمية السلام القائم على الاعتراف بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني؛ فإن كل تلك المراهنات تبخرت ووصلت الى طريق مسدود، ولم يتبقّ منها إلا التزاماتها على الفلسطينيين، الأمر الذي يحتم إعادة النظر بكل إستراتيجية المفاوضات وأدواتها ومرجعياتها.