خبر نتنياهو يفرض هيمنته على الإعلام « الإسرائيلي »

الساعة 08:05 ص|20 مايو 2015

فلسطين اليوم

أثار قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يوم الأحد بإقالة المدير العام لوزارة الاتصالات « الإسرائيلية »، المسؤول عن الإصلاحات في منظومة الاتصالات الأرضية والخليوية في « إسرائيل »، آفي بيرغر، كثيراً من التساؤلات حول خلفيات القرار. بدا للوهلة الأولى، أن القرار جاء انتقاماً من وزير الاتصالات السابق جلعاد أردان الذي رفض المشاركة في حكومة نتنياهو. لكن تبيّن أنّ القرار جاء لرغبة نتنياهو بوقف جملة الإصلاحات، وخصوصاً ما يتعلق بصلاحيات شركة بيزك للاتصالات الأرضية وسيطرتها على سوق خطوط الإنترنت العريضة، مما رفع بشكل فوري قيمة أسهم الشركة في بورصة « تل أبيب » يوم الاثنين إلى 4.5%، ليدخل على خزينتها نحو 700 مليون شيقل تقريباً.

واتضح أن للقرار خلفيات أخرى ترتبط بحقيقة العلاقات بين نتنياهو وبين صاحب الأسهم الأكبر في الشركة والمسيطر عليها شاؤول ألوفيتش، الذي يملك أيضاً موقع « والا » الإسرائيلي، الذي يعتزم خوض غمار المنافسة في سوق القنوات الإخبارية مع استعداد الموقع أخيراً لإطلاق قناة إخبارية، بعد أن كان قد استثمر في العامين الأخيرين أكثر من 20 مليون شيقل لتطوير خبرات الفيديو وبناء استوديو جديد. وكان موقع « والا » قد منح في الآونة الأخيرة، نتنياهو تغطية إيجابية، كما حذف في أكثر من مرة، أخباراً مسيئة له ولزوجته سارة، خصوصاً في أوج المعركة الانتخابية.

يبدو أنّ هذا هو الرابط والمحرك الأساسي، لإقالة بيرغر من جهة، وقيام نتنياهو باعتباره وزيراً للاتصالات، بالتوقيع في الوقت ذاته على مذكرة تلزم القناة العاشرة بدفع مبلغ 18 مليون شيقل من الديون المستحقة عليها للدولة. ويندمج كل ما يحصل في الواقع الجديد للمشهد الإسرائيلي، إذ يتضح أن نتنياهو بصفته وزيراً للاتصالات، يسيطر اليوم عملياً على مصير عدد من قنوات التلفزيون الإسرائيلية. يستطيع نتنياهو، مثلاً، المصادقة على قرار يقضي بتفكيك السلطة الثانية للتلفزة، مما يضع مستقبل القناة الإسرائيلية الثانية في خطر. كما أن باستطاعته، في حال تمرير الإصلاحات التي يريدها في سلطة البث الرسمية المسؤولة عن الإذاعة والقناة الأولى، أن يتحكّم بمصير هذه السلطة وتقليص مدى استقلالية القرار فيها.

وإذا أُخذ بعين الاعتبار أنّ نتنياهو ألزم شركاءه في الائتلاف التوقيع على بند يلزم الوزراء وأحزابهم بتأييد كل مشروع قانون يطرحه وزير الاتصالات ومعارضة كل قانون يعارضه، يتضح أن نتنياهو قد وصل عملياً إلى تحقيق أحد أهم الأهداف التي رافقت مسيرته السياسية والحزبية في إسرائيل، وتكمن بالسيطرة على الخطاب الإعلامي في إسرائيل، وتجييره لتمجيده هو دون سواه، إذ لم يكن هناك سياسي في إسرائيل في العقود الثلاثة الأخيرة، استغل الإعلام وبنى مجده عليه، مثل نتنياهو، منذ أن كان ملحقاً بالبعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة أيام الانتفاضة الأولى. مع ذلك، فإن نتنياهو أكثر سياسي إسرائيلي عادى الإعلام الإسرائيلي، والعكس صحيح. وبدأت العداوة منذ بداية مشواره السياسي في إسرائيل بعد عودته من الولايات المتحدة، وانتخابه زعيماً لليكود بعد هزيمة يتسحاق شامير وصعود إسحاق رابين في حكومته الثانية عام 1992 بعد انعقاد مؤتمر مدريد.

واظب نتنياهو وبشكل منهجي على اتهام الإعلام الإسرائيلي بأنّه يساري ومحكوم بنخبه العمالية اليسارية التاريخية، وأنّه يفتقر إلى الثوابت والضوابط القومية الصهيونية، على الرغم من أن الإعلام تجند دائماً إلى جانب الدولة. واستوعب الإعلام الرسمي والحكومي عدداً من نخب الحركة التصحيحية بقيادة جابوتينسكي، أمثال الصحافي يئير شطيرن، حفيد قائد الإيتسل يئير شطيرن، ويعقوف أحي مئير نجل، أبا أحي مئير، أحد قادة تنظيم « بريت هبريونيم » الفاشي .

ومنذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة للمرة الأولى عام 1996، لم يخف سعيه إلى « تطويع الصحافة الإسرائيلية » ومحاولة تجنيدها لجانبه شخصياً، وليس بهدف تأييد مواقفه السياسية أو مواقف معسكر اليمين في إسرائيل فقط. وبدا ذلك جلياً في السنوات الأخيرة مع إصدار صحيفة « يسرائيل هيوم » التي يمولها الثري الأميركي المتطرف، شلدون إيدلسون، إذ تمكن نتنياهو عبر هذا المنبر من بسط هيمنة كبيرة في الإعلام الإسرائيلي، مستغلاً حقيقة توزيع الصحيفة يومياً بمئات آلاف النسخ مجاناً.

وتمكن نتنياهو عبر الصحيفة أيضاً من استمالة عدد من كبار الصحافيين الإسرائيليين ممن كانوا يناهضون سياساته ومواقفه السياسية، على رأسهم دان مرجليت، والسفير الإسرائيلي السباق لدى موريتانيا بوعز بيسموط.

لكن هذه الصحيفة وتوق نتنياهو لتمجيد ذاته عبر الصحف، فرضا عليه في موازاة ذلك، حرباً من أكبر الصحف الإسرائيلية، يديعوت أحرونوت، وصحيفة هآرتس، إذ اعتبرت هذه الصحف أن السماح بتوزيع صحيفة مجانية يشكّل ضربة للمنافسة الحرة من جهة، وخطراً على مستقبل حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة في إسرائيل. ودخل نتنياهو في حرب مع هذه الصحف ومع أحزاب اليسار التي حاولت تقديم مشروع قانون يحظر توزيع الصحف مجاناً.

وفي موازاة سعيه لتكريس هيمنته على الإعلام وعلى المشهد الإعلامي، كان نتنياهو قد تمكن في سياق عملية تشكيل حكومته الأخيرة، على الرغم من المصاعب التي رافقته، من إبقاء السيطرة على القضايا الرئيسية بين يديه، لذلك قام بتوزيع صلاحيات متضاربة على الوزراء، إذ إن ملف إيران بات من مسؤولية وزير الأمن موشيه يعالون، لكنه أيضاً من اختصاص وزير الاستخبارات يوسي كاتس، والوزير المكلف بالشؤون الخارجية، سيلفان شالوم، ناهيك عن وجود نائبة في وزارة الخارجية، تسيبي حوطيبيلي. والأمر نفسه، ينطبق على مجالات أخرى تبيّن أن المسؤوليات الوزارية تتداخل في ما بينها، ما يضمن لنتنياهو احتكاكاً داخلياً بين وزراء الحكومة يجعلهم يلجؤون في نهاية المطاف إليه، باعتباره صاحب الكلمة الأخيرة، الأمر الذي يحول دون اصطفاف وزاري مناوئ له داخل الحكومة.