خبر القدس: توتر متصاعد – وتعاون- اسرائيل اليوم

الساعة 10:55 ص|17 مايو 2015

فلسطين اليوم

بقلم: نداف شرغاي

الخليط هو مفهوم جديد في بحوث النزاع اليهودي – العربي في القدس، الذي صكه عبدكم المخلص قبل بضع سنوات. الخليط يجسد عدة تركيبات من التطبيع والتعاون بين اليهود والعرب في القدس الموحدة – ظاهرة لا تتطرق لها الصحافة كثيرا، تعبر عن ذكاء الجمهور الذي منذ سنوات عديدة يبث لقادته بأنه الى جانب العنف والارهاب توجد في القدس ايضا حياة من التسليم والتعاون، التي في مرات كثيرة تنتصر على السياسة والانقسام.

هذا الخليط، الذي كرست له فصلا في كتابي الجديد « القدس – وهم التقسيم » (من اصدار المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة)، هو في الاساس وليد الديمغرافيا المقدسية: بعد 19 سنة من التقسيم في العهد الاردني و48 سنة من التوحيد الاسرائيلي، فان يوم القدس الذي يصادف اليوم هو فرصة جيدة للكشف عن معطى ربما يفاجيء الكثيرين: الاغلبية الساحقة من اليهود في القدس، وربما اغلبية أكثر في اوساط العرب في المدينة لا يعرفون بتاتا واقع مدينة مقسمة. نحو 71 بالمئة من اليهود في المدينة ولدوا داخل واقع مدينة موحدة بدون حدود، و84 بالمئة من العرب في المدينة ولدوا داخل واقع كهذا.

 

          توجد لهذه الحقيقة نتائج: المدينة متصلة بواسطة منظومات بنية تحتية مشتركة يصعب، وربما يتعذر، الفصل بينها. خدمات مختلفة تقدم لكل اجزاء المدينة، من الشوارع وحتى شبكات موحدة للمياه، الكهرباء، الصرف الصحي والهواتف. في المستشفيات في القدس يعملون يدا بيد، اطباء وممرضات، يهودا وعربا، ويخدمون أبناء الشعبين. العديد من السائقين في « ايغد » وكذلك المسافرين فيها هم من العرب. السكان العرب اندمجوا في مجال الادوية والتجارة في القدس. المحلات التجارية والاسواق وشبكات التجارة ومراكز اللهو في المدينة تغص بالمشترين والبائعين من اليهود والعرب. واقع « الاختلاط » موجود ايضا في حدائق التنزه والتسلية التي توجد في خط التماس. العرب يذهبون الى حديقة الحيوانات وعين ياعل، وأولادهم يشاركون في المخيمات الصيفية التي تعقد في هذه المواقع. المزيد من العرب المقدسيين يطلبون الحصول على بطاقات الهوية الاسرائيلية، ويسجلون لشهادة الثانوية الاسرائيلية « البغروت »، ويطلبون التطوع للخدمة المدنية والدراسة في الاكاديميات الاسرائيلية.

 

          عدد اليهود الذين يصلون الى شرقي المدينة أقل، لكن هنا ايضا يوجد اختلاط: البلدة القديمة بكل احيائها تضج في السنوات الاخيرة بالسياح وبيهود كثيرين، وهناك تعاون داخل الاسوار في مجالات التجارة والسياحة. هذه « الاختلاطات » أقل حماسة في نظر عناصر الارهاب الفلسطينية الذين بادروا في السنة الاخيرة الى القيام بـ « انتفاضة صغيرة ثانية » – مثال آخر على ذلك حصلنا عليه يوم الخميس حيث حاولوا، بدون نجاح، أن يجروا الى داخل دائرة الكراهية جمهور فلسطيني كبير. ليس مفاجئا أن تستمر محاولات « التعرض » للقطار الخفيف الذي تحول الى رمز للتعايش في المدينة والى ورقة عباد الشمس الخاصة بها.

 

          من يتحدث مع سكان شرقي القدس وليس مع قادتهم الذين يتبجحون بالحديث باسمهم، سرعان ما يكتشف أن العديد منهم يفضلون مواصلة الحياة في اطار السيادة الاسرائيلية، وعدم الانتساب الى السلطة الفلسطينية. وكأصحاب بطاقة « ساكن » فانهم يحظون بسلسلة من الامتيازات الاقتصادية التي لا توجد لدى السلطة. العديد منهم ايضا ليسوا مستعدين للتنازل عن ملذات الديمقراطية الاسرائيلية. استطلاعات معمقة أجريت في اوساط هؤلاء السكان في السنوات الاخيرة أظهرت أنه في الاختيار بين فلسطين واسرائيل فان اغلبية عرب شرقي القدس يفضلون اسرائيل. هذه النتيجة يتم الحصول عليها رغم أن اسرائيل قللت من الاستثمار في الخدمات البلدية وفي البنى التحتية في الاحياء العربية، والاغلبية من عرب القدس يشعرون أنهم أقرب كثيرا الى عرب اسرائيل منهم الى العرب في الضفة.

 

          خلافا لمسألة « موحدة أو مقسمة » فانه من الاسهل أن نفحص ونوثق مناطق صغيرة ليست قليلة من الطبيعية والتعاون من جانب، والفصل والاغتراب من جانب آخر. حقيقة أن هذه موجودة الى جانب تلك، لا تلغي أي منهما الاخرى. إن صور التعاون والتطبيع التي تمحوها وسائل الاعلام أكثر من مرة، خلقت واقع حياة هذا الى جانب ذاك منذ  ما يقرب من الخمسين سنة. هذا واقع جديد. إن اعادة العجلة الى الوراء (لاسباب عديدة اخرى) لم تعد ممكنة.