خبر الأسيرة منى قعدان مدرسة في العطاء والتضحية والصمود

الساعة 01:24 م|18 ابريل 2015

فلسطين اليوم

لا يكف الاحتلال عن استهداف عائلة قعدان بالاعتقال والملاحقة؛ وليس غريباً على الاحتلال أن يصدر حكماً جائراً على أسيرة فلسطينية؛ لم يكن أحد يتوقعه؛ الاحتلال تعمد إصدار الحكم الجائر على الأسيرة منى قعدان في وقت تزامن مع تجديد الاعتقال الإداري بحق شقيقها القيادي طارق قعدان من أجل أن ينال من عزيمة وصلابة وعطاء هذه العائلة المجاهدة؛ عائلة قعدان.

الميلاد والنشأة

ولدت الأسيرة المجاهدة منى حسين عوض دار حسين « قعدان » بتاريخ 25/09/1971م؛ لعائلة ملتزمة من سكان بلدة عرابة قضاء جنين شمال الضفة المحتلة؛ وتتكون أسرتها من أربع شقيقات وثلاثة أخوة وهم (طارق؛ ومعاوية؛ ومحمود).

التحقت في الدارسة بمدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين في البلدة؛ إلا أن منعطفاً خطيراً أثر على حياة تلك العائلة المجاهدة بشكل عام وعلى حياة الأسيرة منى بوجه خاص؛ حيث فقدت العائلة الوالد الغالي في العام 1979م؛ ولم تكن منى قد بلغت آنذاك الثامنة من عمرها.

يقول شقيقها معاوية عن تلك الفترة « لقد كان لفقدان الوالد أثرا بالغا في نفوسنا جميعا وأثر في شخصيتنا كلنا؛ وكان له جانبين جانب سلبي تمثل في الحرمان الذي عايشناه منذ كنا أطفال صغاراً حيث كنا محرومين من كلمة أبي؛ إلا أن الجانب الإيجابي تمثل في دور الوالدة الغالية التي بذلت كل جهد ممكن من أجل تعويضنا عن فقدان الوالد فكانت الأم والأب في آن واحد؛ ولعلها تركت التأثير الواضح على ملامح شخصية منى؛ التي تميزت منذ طفولتها بدور ريادي وقيادي ».

أنهت منى دراستها الابتدائية والإعدادية في مدارس الوكالة ببلدة عرابة؛ ومن ثم التحقت في المدرسة الثانوية؛ ورغم حصولها على الثانوية العامة إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها العائلة لم تمكنها من الالتحاق بالجامعة؛ فلم تستسلم والتحقت في كلية الدعوة وأصول الدين بمدينة قلقيلية؛ ومؤخراً التحقت بجامعة القدس المفتوحة؛ ولم يتبق لها سوى بعض الساعات من أجل أن تتخرج إلا أن سياسة الاحتلال في وأد كل أمل لكل فلسطيني وفلسطينية حال دون تخرجها؛ حيث تعرضت للاعتقال للمرة الخامسة.

صناعة الأمل

من الصعب على أي انسان عايش حياة اليتم وفقدان الأب في مرحلة مبكرة؛ أن ينتصر على كل المعوقات والصعاب التي قد يواجهها وأن يصبح إنسانا ناجحا؛ إلا أن الأسيرة منى قعدان التي عايشت حياة اليتم قبل أن تبلغ الثامنة ربيعاً استطاعت أن تنتصر؛ بل وتحقق للأطفال والمحتاجين ما لم يستطع تحقيقه من عاشوا دون حياة يتم ولا حرمان.

اجتهدت منى منذ نعومة أظفارها في العمل الاجتماعي؛ فقد كانت حياة الحرمان واليتم دافعاً قويا لها للعمل في مجال العمل الخيري لخدمة أبناء الشهداء والأسرى؛ وكانت من نشطاء العمل الخيري على مستوى الضفة المحتلة بشكل عام؛ ونظرا لانتمائها لحركة الجهاد الإسلامي ليس هي فحسب؛ بل انتماء كل هذه العائلة عائلة قعدان للعمل الجهادي المقاوم منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي؛ جعلها عرضة للاستهداف والاعتقال والملاحقة من قبل قوات الاحتلال.

منى قعدان اسم لا يغيب صداه عن أي شخص عمل في مجالات العمل الخيري على مستوى الضفة المحتلة؛ فلم تكتفي منى في خدمة أطفال الشهداء والأسرى؛ بل امتد عملها ليشمل العمل الدعوي بكل أطيافه فقد ترأست جمعية البراء للفتاة المسلمة؛ وساعدت في تنشيط العديد من الدورات والنشاطات التي تستهدف الجانب الدعوي لدى الفتيات على مستوى مدينة جنين والضفة المحتلة؛ وعملت على توفير الزي الإسلامي الملتزم لعدد كبير منهن؛ بل تركت أثرا كبيراً في نفس كل من تعرفت عليها من الفتيات.

المشوار الجهادي

نظراً للدور الكبير الذي لعبته الأسيرة المجاهدة منى قعدان في خدمة ذوي الأسرى والشهداء في الضفة المحتلة؛ ونظرا لما قدمته هذه العائلة المجاهدة من تضحيات جعلتها عرضة لاستهداف الاحتلال؛ وبذريعة انتمائها لحركة الجهاد الإسلامي؛ تعرضت للاعتقال على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من مرة.

وفي اتصال هاتفي مع « مهجة القدس » يقول شقيقها معاوية: « دور منى الريادي في خدمة ذوي الشهداء والأسرى؛ ونشاطها الدؤوب في خدمة الأيتام أغاظ المحتل الظالم؛ فكانت عرضة للاعتقال أكثر من مرة؛ وكانت المرة الأولي بتاريخ  15/2/1999؛ حيث خاضت إضرابا مفتوحاً عن الطعام لمدة شهر تقريباً؛ وكان مطلبها الوحيد الحرية والحرية فقط؛ واضطر الاحتلال أمام صلابة إرادتها وعزيمتها التي لا تلين للإفراج عنها »؛ وبمجرد الافراج عنها استأنفت الأسيرة منى مباشرة عملها المؤسساتي والدعوي مجدداً.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى بتاريخ 28/09/2000م؛ وجدت منى الفرصة مناسبة لاستثمار قدراتها الدعوية في خدمة العمل الجهادي؛ فنشطت في العمل النسائي التابع لحركة الجهاد الإسلامي؛ مما عرضها للاعتقال مجدداً؛ وكان ذلك بتاريخ 14/09/2004م؛ وأمضت في هذا الاعتقال سنة ونصف؛ بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في أنشطة وفعاليات تابعة للحركة.

وتكررت اعتقالاتها لتعتقل مجدداً بتاريخ 02/08/2007م؛ وتقضي حكماً بالسجن الفعلي لمدة عام كامل؛ وبالتهمة ذاتها؛ ولكن ما لبثت أن اعتقلت مجدداً بتاريخ 31/05/2011م؛ ؛ وكان هذا الاعتقال من أقسى الاعتقالات عليها حيث قامت قوات الاحتلال الصهيوني باعتقال شقيقها طارق قعدان بعد أقل من شهر على اعتقالها؛ وكانت الفاجعة برحيل الوالدة التي تحملت أعباء العائلة الكبيرة بعد رحيل الوالد في العام 1979م؛ حيث توفيت والدة منى وطارق دون أن يتمكنا من توديعها أو المشاركة في تشييع جثمانها وكان ذلك بتاريخ 22/07/2011م؛ وأفرج عنها في إطار مفاوضات صفقة وفاء الأحرار؛ حيث تم الإفراج عن جميع الأسيرات؛ وأصر الاحتلال على استثناء أقدم أسيرة فلسطينية وهي الأسيرة المجاهدة لينا الجربوني؛ لكن الاحتلال الهمجي أعاد اعتقال الأسيرة منى قعدان بتاريخ 13/11/2012م؛ ضارباً بعرض الحائط التزاماته تجاه محرري صفقة وفاء الأحرار.

الاعتقال الأخير والحكم الجائر

مما لاشك فيه أن الاحتلال لا يمتلك أي معنى من معاني الإنسانية؛ بل لا يتوانى في انتهاك القوانين والاتفاقيات الدولية التي تعطي الأسرى العديد من الحقوق والتي يصر الاحتلال على انتهاكها؛ بل وصل لدرجة أنه ينتهك قوانينه التي وضعها هو على حساب آلام وجراحات شعبنا المجاهد؛ وبمعاييره القانونية لا يمكن لقضية مثل قضية منى أن تتجاوز في عقابها العام والنصف على أبعد تقدير؛ وإن احتكمنا لمنطق العدالة فإن منى قعدان « أم النور » يجب أن يفرج عنها فوراً بل وتكرم في ميادين العزة والكرامة في كل أنحاء العالم.

لقد كان اعتقال الأسيرة المجاهدة منى قعدان الأخير في نهاية العام 2012م؛ مميزا عن جميع اعتقالاتها السابقة؛ حيث بدت نية الاحتلال منذ بداية اعتقالها؛ أنه يتجه نحو حكم انتقامي ضدها؛ ينهي أية آمال لديها باستئناف حياتها وعملها من جديد؛ فعمدت المحكمة الصهيونية لتأجيل محاكمتها وإصدار حكم بحقها لما يزيد عن 25 جلسة؛ وتمضي ما يزيد عن 27 شهراً في سجون الاحتلال الصهيوني موقوفة؛ دون أن تعرف إلى أين تتجه قضيتها؛ وما هي الفترة التي ستمكثها أسيرة في غياهب السجون؟.

وبتاريخ 31/03/2015م؛ أصدرت القاضية الصهيونية الحاقدة في محكمة سالم على الأسيرة المجاهدة منى قعدان؛ حكما بالسجن الفعلي لمدة 70 شهراً؛ أي ما يقارب ست سنوات؛ بالإضافة للحكم بالسجن لمدة 24 شهراً مع وقف التنفيذ؛ وبدفع غرامة قدرها 30 ألف شيكل؛ وكان الحكم مفاجئا للجميع بمن فيهم ممثل النيابة الصهيوني.

ورغم أن جميع مؤسسات حقوق الانسان والجمعيات التي تعنى بشئون الأسرى وعائلة الأسيرة قعدان أبدت صدمتها من الحكم الجائر؛ إلا أن واحدة في هذا العالم لم تبد أية صدمة تذكر؛ إنها امرأة فلسطينية ليست ككل النساء؛ إنها المجاهدة الماجدة منى قعدان؛ التي لم تستغرب على هذا الاحتلال أن يظلم وأن يجور.

يقول شقيقها معاوية لمؤسسة « مهجة القدس » معلقا على قرار الحكم: « بينما نطقت القاضية الصهيونية العنصرية الحاقدة بالحكم الجائر؛ ونزل الحكم على مسامعي كالصاعقة إلا أنني حاولت أن أقرأ في تقاسيم وجه أم النور عن أي ملمح من ملامح الحيرة أو الندم أو التأسف؛ إلا أنها كانت صابرة محتسبة شامخة شموخ الجبال؛ بل امتلكت من رباطة الجأش ما لم يمتلكه العديد من الرجال؛ وكانت راضية بقضاء الله وقدره؛ فرحة بأن الله قد اختارها للابتلاء ومحتسبة أمرها لله؛ وسائلة المولى عز وجل أن يكون ذلك الاحتساب في ميزان حسناتها؛ وأن يرضا الله تبارك وتعالى عنها »؛ ويستكمل حديثه: « يواصل الاحتلال المجرم انتهاك حقوق الأسيرات فرغم مرور ما يزيد عن العامين والنصف على اعتقال أم النور إلا أن سلطات الاحتلال ما زالت تحرم عائلتها من الزيارة؛ بحجة المنع الأمني »؛ وهي ذريعة واهية تستخدمها إدارة مصلحة السجون الصهيونية وجهاز الشاباك كسيف مسلط على كوادر وقيادات الحركة الأسيرة؛ وحتى اللحظة لم يتمكن أي أحد من عائلتها من زيارتها؛ واكتفوا بسرقة بعض النظرات وبعض الكلمات المخنوقة منها والمسموعة أثناء جلسات المحاكم.

الأمل يصنع من العدم

في سابقة لم تتكرر كثيرا بل قد لن تتكرر مستقبلا كانت الأسيرة المتميزة في عطائها وتضحياتها وجهادها المستمر الأسيرة منى قعدان متميزة أيضا ومعطاءة في خطبتها أيضاً؛ إذ وافقت على خطبة الأسير المحكوم بالمؤبد إبراهيم غبارية.

وفي هذا الصدد يضيف شقيقها معاوية: « لقد كان موضوع خطبة شقيقتي أم النور من الأسير المجاهد إبراهيم غبارية معقد جدا في وسط مجتمع لا يؤمن بالعدم؛ مجتمع لا ولن يتقبل فكرة أن أسير مجاهد حر أبي معتقل ومحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة ثلاث مرات بالإضافة إلى 10 سنوات أن يتقدم للخطبة؛ لكن أم النور اتخذت قراراً جريئاً في ذلك الوسط المعقد؛ حيث كانت على يقين وايمان بعدالة القضية بشكل عام وقضية الأسرى بشكل خاص؛ وأن من حقهم أن يعيشوا ويحلموا بغد يملئه الأمل والحياة؛ وكانت أول فلسطينية يُعقد قرانها على أسير محكوم بالسجن المؤبد؛ ونحن أشقائها لم نعارض موافقتها لأننا نعرف أم النور ونعرف حجم عطائها وتضحياتها؛ لقد كان شعارها وهي توافق –بخطبتي لإبراهيم أعطيه أمل في الحياة؛ وأنا موافقة على أن أفقد حياتي في مقابل أمل يعيشه إبراهيم »؛ ويضيف: « بفضل الله تبارك وتعالى لا يوجد أي ندم من قبلها؛ بل هي سعيدة جداً على الخطوة التي قامت بها وتشعر بأنها صاحبة رسالة سامية ».

وبحسب شقيقها معاوية فإن أم النور ساءت حالتها الصحية مؤخراً وأصبحت تعاني من مشاكل في المرارة والمعدة والمفاصل إضافة إلى مشاكل في ضغط الدم؛ ولا تتلقى أي علاج سوى حبة الأكامول، وفي إطار سياسة إدارة مصحة السجون الصهيونية في الإهمال الطبي المتعمد لم تتلق الأسيرة قعدان العلاج اللازم لمشاكلها الصحية؛ بل إن الأسيرات في معتقل الشارون يعانين الأمرين نظراً لعدم وجود طبيبة مختصة يعرضن عليها آلامهن وأوجاعهن؛ فأصبحن يفضلن الآلام والأوجاع خلف جدران الزنازين على أن يعرضنها لطبيب عيادة السجن.

كلمات من عبق الايمان والوعي والثورة

وفي رسالة من شقيقها الأسير المجاهد طارق لشقيقته المجاهدة منى كتب لها: « لله درك يا منى, ما أعظمك وكم هي روعة تحديك, يا سنديانة هذه الطليعة ومدرستها في الصمود, ومعيارها وشارتها في العافية والحيوية والحياة؛ أعي تماما أن خياراتك مُرّة ومدهشة ولم تكن في يوم من الأيام إلا تاريخية وكبيرة وصعبة ومصيرية, ولا تقبل التراجع أو الالتواء أو الانحناء أو الرجوع للوراء أو التراخي أو المواربة؛ وأعي أنك أصبحت مركزا من التحدي ومشروع مواجهة ولا تقبلين أنصاف الحلول وأرباعها ولو قبل بها أنصاف الرجال, وأنك لا تعترفين بمنطق الممكن والمتاح والآني ولو أعطيت جل المطالب والقضايا؛ فنعم المجاهدة أنت يا منى, قلت عنك مرة إن جاز لي التعبير (تروتسكي) الجهاد صاحبة الثورة المستمرة والمتواصلة فقالت الوالدة رحمها الله ورضوان الله عليها »أنت تدمرها بتشجيعك« فقلت لها يا والدتي العزيزة, هي هكذا جينيا, هكذا في الحمض النووي, وأنت مسئولة أكثر مني عن هذا الأمر, انظري إليها أنا على رأسها واصغر منها بسنة ولا أملك جرأتها فهي لا تنثني للتهديد ولو أزبد الأعداء وبالغوا في تهديدهم ووعيدهم ولا تنطلي عليها المسائل ولا تضعفها ولو غلفوها بالأكاذيب والأضاليل ولو أوعد الأعداء وبالغوا في وعدهم؛ وأنا هنا لست مبالغا ولست أقبل لنفسي الحديث في إطراء كاذب أو مجاملة مبالغة ولا مديح مختلق ولكنها  الحقيقة كما هي هكذا........ ».