خبر من الصعب تصور « عبرة الكارثة » أكثر تشوها -هآرتس

الساعة 10:42 ص|16 ابريل 2015

فلسطين اليوم

من الصعب تصور « عبرة الكارثة » أكثر تشوها -هآرتس

بقلم: دمتري شومسكي

          (المضمون: يقوم الغرب باعطاء امتيازات لاسرائيل والسماح لها بعمل ما تريد بسبب التكفير عن الكارثة.. وهذا لا يقل ضررا على اسرائيل من الكارثة نفسها، لانه في الحالتين يكون الشعب اليهودي مختلفا عن شعوب العالم - المصدر).

       اذا قمنا بقياس الامور حسب سياسة العالم الغربي تجاه اسرائيل على مدار يوبيل من السنوات، نلاحظ وجود عدة امتيازات محفوظة لاسرائيل حيث لا تتمتع بمثلها مجتمعات اخرى. مثلا: تسيطر اسرائيل منذ خمسون عاما على اراض محتلة. وتقيد حرية الحركة لسكانها وتقوم باسكان مواطنيها تحت حماية الحكم العسكري. وخرق فاضح وواضح للقانون الدولي. دون أن تدفع ثمنا حقيقيا لذلك.

          ومن أجل المقارنة، عندما ضمت الفدرالية الروسية شبه جزيرم قرم في العام الماضي، أثار الامر وبحق موجة من الاستنكارات من قبل العالم الغربي وتسبب بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا. ليس هذا هو الحال بالنسبة لاسرائيل التي تحتل، رغم انه لا جدال ان الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال والمستوطنات في حلوقهم والقوى الامنية في روحهم – اصعب عشرات المرات من وضع سكان جزيرة القرم بعد ضمها. حيث انهم يتحولون الى مواطني الدولة الروسية ومن حقهم الحركة داخلها.

          اضافة لذلك، ورغم حقيقة انه بحماية الجيش تسمح اسرائيل بالحياة المدنية الكاملة لمواطنيها اليهود في المناطق المحتلة – في حين ان لجانبهم ملايين الفلسطينيين المسجونين بين الجدران – فلا زال الغرب يعتبر اسرائيل دولة دمقراطية متحضرة في الغابة البربرية للدكتاتوريات العربية. ورغم ان اعمال اسرائيل في الضفة والقطاع المحاصرتين لا تخجل اية دكتاتورية في الشرق الاوسط او خارجه فانها كمجتمع في النادي الغربي الدمقراطي تحظى بدفاع اوتوماتيكي من قبل هذا النادي، وعلى رأسه الدولة الاقوى في الكون. حتى وان كان الرد الاسرائيلي على مقاومة الفلسطينيين العنيفة بقتل مئات الاطفال والمواطنين كما حصل في الصيف الاخير.

          اذا لم يكن هذا كافيا فان اسرائيل وحسب مصادر خارجية تحظى بامتياز آخر، الاحتفاظ بالسلاح النووي احد أهم عناصر سيطرتها في الشرق الاوسط، حيث بفضل هذا السلاح تستطيع اسرائيل الاستمرار في السيطرة على الشعب الفلسطيني والقيام بخروقات بين فينة واخرى من اجل استمرار سيطرتها في المنطقة.

          لا شك ان الامتيازات المحفوظة لاسرائيل من قبل الغرب مرتبطة ارتباطا كبيرا بذكرى الكارثة. على شكلها الـمثالي في افضل الاحوال، او على شكلها التهكمي والمعكوس اخلاقيا في اسوأ الاحوال. الحديث هنا عن موقف مشوه لاصلاح افتراضي لجرائم اوروبا المسيحية تجاه اليهود في الماضي التي كانت قمتها في الكارثة، والذي يعتبر ان اسرائيل – الممثلية الحقيقية لشعب انقذ من الكارثة. لها الحق بان تتجاوز بين الفينة والاخرى، طالما أن هذه التجاوزات تتم خارج الغرب، بل في الشرق الاوسط العربي الذي اختير ليكون شماعة العداوة الطويلة بين الغرب واليهود.

          واذا تجرأ أحد واحتج ضد تجاوزات اسرائيل – مثل الدول الاوروبية التي عبرت قبل عدة اشهر عن تأييدها لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره – يقوم ابن المؤرخ فورا ويحتج، والذي يأخذ اسرائيل بعكس التاريخ، ويذكرهم ان اوروبا لم تتعلم شيء من الكارثة. اراد نتنياهو ان يقول بذلك للسويديين وغيرهم ان لدولة اسرائيل الحق بالتصرف امام غير اليهود. هذه التسهيلات التي يقود تبريرها تاريخيا الى الوراء ولايام قوانين نير فبرغ واوشفتس بيركناه.

          من الصعب تصور « عبرة كارثة » اكثر تشوها من ذلك. ليس فقط بسبب الفشل الاخلاقي الكامن بالمعايير المزدوجة وانما لكون ذلك ايضا اخراج اليهود من جديد من الانسانية جمعاء، الامر الذي يمكن حدوث الكارثة. الايديولوجية النازية اخرجت اليهود الى خارج الانسانية من خلال تصويرهم كجنس دوني. والامتيازات الغربية تجاه اسرائيل تستند هي ايضا على فكرة ان اليهود هم استثنائيين وليسوا كباقي شعوب العالم، انما كمجموعة تحظى بالدعم والرعاية هذه المرة، ولها حقوق زائدة. هذا هو الارث المتملص، المواظب والهدام  للكارثة، والذي يستمر في ايامنا في تشكيل علاقات اسرائيل مع شعوب العالم. واذا اراد الغرب دمج اسرائيل في المجتمع الدولي كدولة مثل باقي الدول – وحسب الطموح الصهيوني بتحويل الشعب اليهودي لشعب كباقي الشعوب – على الغرب إذا رفض هذا الارث وتبني عبرة كارثة اخرى: ليس تمييز اليهود عن باقي الانسانية، وليس من خلال تمييزهم السلبي، وليس من خلال الامتيازات. واذا كانت هناك مخاطر حقيقية امام الشعب اليهودي اليوم، فان مصدرها نظام الامتيازات التي تحظى بها اسرائيل في أعقاب الكارثة، الامر الذي يعزز أكثر فأكثر كراهية اسرائيل من جديد.