خبر ميزة ميزان الردع- هآرتس

الساعة 08:33 ص|08 ابريل 2015

فلسطين اليوم

بقلم: اوري بار-يوسيف

بروفيسور يدرس في دائرة العلاقات الدولية في جامعة حيفا

          (المضمون: مفهوم الامن الذي يقضي بان للجيش الاسرائيلي تفوق مطلق قد أفلس. ويجب تغيير المفهوم بحيث يضاف الى الجيش عناصر سياسية واقتصادية تضمن صمود اسرائيل في المواجهات التالية - المصدر).

       منذ انتهاء حملة « الجرف الصامد » تتراكم مظاهر الشقوق العميقة في مفهوم الامن التقليدي لاسرائيل، ذاك المفهوم الذي وضعه دافيد بن غوريون قبل 65 سنة. في مركز هذا المفهوم يقف الردع، الاخطار، الحسم واضيف اليها في السنوات الاخيرة مدماك الدفاع. ومؤخرا يطرح جنرالات متقاعدون وفي سلك الخدمة الفاعلة شكوك تتعلق بنجاعة الردع، ويشرح الخبراء لماذا من الصعب جدا تحقيق الحسم اليوم، وتوقعات الجهات المخولة في قيادة الجبهة الداخلية والتي تفيد بان المواجهة التالية مع حزب الله قد يسقط فيها أكثر من الف صاروخ في اليوم، تضع علامة استفهام كبيرة على عنصر الدفاع.

          وتبشر هذه الشقوق والتي تتسع مع كل يوم، بان مفهوم الامن الاسرائيلي، والذي في اساسه الايمان في ان قدراتنا العسكرية ستساعدنا في يوم الامر على مواجهة كل تحدي، قد افلس. ولا يعود السبب في ذلك الى أن الجيش الاسرائيلي ليس قويا بما يكفي – بل العكس هو الصحيح. فتفوقه على الجيوش العربية الخصمة واضح اليوم اكثر من أي وقت مضى ولا يوجد خطر في أن يتبدد هذا التفوق، حتى في ظروف الازمة المستمرة في العلاقات مع الولايات المتحدة. والسبب هو أن التطورات التكنولوجية جعلت السلاح الصاروخي الهجومي زهيدا وسهلا على الانتاج، التسلح والاستخدام. وحتى الان، رغم الكثير من الجهود والاستثمارات الكبرى، لم يتوفر جواب دفاعي ناجح على استخدام مثل هذا السلاح بكميات كبيرة. وفي مثل هذه الظروف فان حتى منظمة صغيرة مثل حماس يمكنها ان تهدد قلب دولة اسرائيل وتتسبب بوقف الطيران الدولي منها واليها. وميليشيا مثل حزب الله، المنظمة التي يبلغ عدد الخادمين فيها كعدد الجنود في فرقة واحدة من الجيش الاسرائيلي، يمكنها أن تجبي من اسرائيل ثمنا باهظا. اعلى من الثمن الذي جحت حتى أكثر الجيوش العربية قوة في جبايتها منها في أي وقت في الماضي.

          لا يدور الحديث فقط عن المواطنين الذين سيقتلون، المنازل التي ستدمر وقواعد الجيش الاسرائيلي التي ستصاب بأذى – يدور الحديث ايضا عن البنى التحتية. فماذا سيحصل مثلا، اذا ما اصابت صلية من الصواريخ التي تحمل رؤوسا متفجرة بنصف طن وذات دقة عالية نسبيا محطة توليد الطاقة في الخضيرة؟ يمكن ان نتصور كيف ستبدو دولة اسرائيل بعد اصابة بهذه الشدة لانتاج الكهرباء فيها وبعد اصابات مشابهة. ومع كل الاحترام لـ « العصا السحرية »، فانه بقدر ما هو معروف ليس للجيش الاسرائيلي جواب مقنع على مثل هذا التهديد.

          ان معنى قدرة منظمتي حماس وحزب الله على توجيه ضربات قاسية لاسرائيل هو أن مفهوم الامن التقليدي الذي يعتمد على اليد الطويلة للجيش الاسرائيلي واليد القصيرة للعدو لم يعد ساري المفعول. فمع ان يدنا أطول وأقوى، ولكن يدهم ايضا قويت وليس لدينا القدرة على منعهم من استخدامها وتوجيه ضربات أليمة لنا. بكلمات اخرى، فان التفوق الاسرائيلي المطلق اختفى. ما يحل محله هو ميزان رعب يمكن فيه سواء لاسرائيل ام لخصومها ان تؤلم الواحدة الاخرى، ولكن لا يمكنهما أن يمنعا الالم من أن يقع لهما.

          لقد ولد مفهوم « ميزان الرعب » في عهد الحرب الباردة، حين توصلت القوتان العظميان الى قدرة على ابادة الواحدة الاخرى وانتقلتا الى الاعتماد على استخدام التهديد بابادة الخصم بدلا من قدرة الدفاع، كي تضمن بقائها. لا تزال اسرائيل لا توجد في مثل هذا الوضع، وطالما ليس لخصومها سلاح نووي، فانها لن تقترب منه ايضا. ومع ذلك، تكفي ترسانة الصواريخ الفتاكة، ولا سيما ترسانة حزب الله، كي تضعنا في مكان خطير وقابل للاصابة، لا يمكننا فيه أن ندافع عن أنفسنا بشكل ناجع على نحو كاف. ولما كانت سياسة الامن القومي ملزمة في أن توفر حزام الدرع الاكثر نجاعة لقيم الامة بما فيها حياة المواطنين وجودة حياتهم، فقد حان الوقت لهجر التفكير القديم والانتقال الى سياسة في اساسها يقبع مفهوم ميزان الردع بكل معانيه العملية.

          توماس شلينغ، من عظماء الاستراتيجيين في الولايات المتحدة في عهد الحرب الباردة، كتب في كتابه « التسلح والنفوذ » (اصدار وزارة الدفاع، 1981)، انه « لو كان ألمه (ألم الخصم) في بهجاتنا ومتعتنا الاكبر في مشاكله، لكنا توقفنا عن التسبب بالالم والاحباط الواحد للاخر ». لم يكن هذا هو الوضع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وليس هذا هو الوضع بيننا وبين حزب الله وحماس. ورغم الخطاب التهديدي من هاتين المنظمتين، يثبت الواقع بانهما تفضلان التعايش الى جانب اسرائيل على الصدامات الكثيفة معها والتي تلحق بهما أضرارا جسيمة بل وقد تؤدي الى تصفيتهما.

          في مثل هذه الظروف على واضعي سياسة الامن القومي ان يستوعبوا التغييرات الدراماتيكية التي تجتازها وتواصل اجتيازها ساحة النزاع  وأن يغيروا بشكل راديكالي مفهوم الأمن بما يتناسب مع ذلك. وفي مركز التغييرات: الاعتراف بان الجيش الاسرائيلي وحده لا يمكنه أن يوفر الامن اللازم لنا؛ استغلال كل امكانية لتلطيف حدة النزاع، بما في ذلك حيال ايران وفروعها، من خلال التقدم في المسار السياسي؛ والعمل على التنمية الاقتصادية المدنية في قطاع غزة كي يكون لنظام حماس الكثير مما يخسره في الجولة التالية. بدون كل هذا سنعلق في جولات اخرى من المواجهة، سنجد على مدى الزمن صعوبة في الصمود فيها.