خبر من سيكون ورقة التين السياسية لنتنياهو؟

الساعة 07:59 ص|22 مارس 2015

فلسطين اليوم

بقلم: بن كاسبيت

تقول التقديرات انه خلال عدة أسابيع وعندما يكمل تشكيل حكومته اليمينية المتدينة؛ سيدعو نتنياهو رئيس « المعسكر الصهيوني » يتسحاق هرتسوغ للانضمام الى الائتلاف، وسيقوم بدعوة مماثلة ليائير لبيد، لن يفعل نتنياهو ذلك حباً فيهما أو من خلال التقدير لهرتسوغ أو لبيد، وإنما لانعدام الخيارات.

وفقا لترجمة اطلس حكومته الرابعة التي سيعكف نتنياهو على تشكيلها في الأسابيع القليلة القادمة؛ يُتوقع أن تكون الأولى التي ليس لنتنياهو فيها « ورقة تين » سياسية، يستطيع ان يلين بها المجتمع الدولي عامة، والحكومة الأمريكية خاصة، معضلة نتنياهو هي ان من يفهم الرجلين هرتسوغ ولبيد يعلم أن استجابتهما لدعوته تقترب من الصفر، سيدعونه ينضج في مرقة عظامه ويصبح منبوذاً في المجتمع الدولي، وأن يتوسل مثل فقير على المداخل من أجل أي فيتو في مجلس الأمن ويحاول الوقوف في مواجهة تسونامي المقاطعات والعزلة التي تنتظره من قبل أوروبا بترخيص أمريكي.

يحرص نتنياهو على ارتداء ورقة التين في كل حكومة يشكلها، في حكومته الأولى (1996-1999) كان له مثل هذا الرداء « بطفل ما » من البيت اسمه يتسحاق موردخاي، وزير جيشه كان براغماتياً معتدلاً يحرص على إبقاء الخط مفتوحاً مع واشنطن وعلاقات حميمة خاصة مع الحكومة، في حكومته الثانية (2009-2013) قام بهذا الدور ايهود باراك، وفي الحكومة الأخيرة (2013-2015) كانت تسيبي ليفني وبزيادة يائير لبيد.

في الحكومة الوشيكة التي سينضم إليها أفيغدور ليبرمان بصيغة يمينية المتطرف الجديد ونفتالي بينيت من المتدينين وموشيه كحلون، ولم تتبدى بعد ورقة تين من أي نوع، والآن بالتحديد ولأن هذا الرداء مطلوب أكثر من أي مرة سابقة، والآن تحديداً ولأن نتنياهو انعطف بعنف تجاه اليمين أثناء الحملة الانتخابية لكي ينجو بنفسه، الآن تحديداً ولأن نتنياهو تراجع عن خطاب « بار ايلان » وأوضح بأعلى الصوت انه لن تقوم دولة فلسطينية واضطر بعد الانتخابات بيوم واحد (18 مارس) الى ان يدعو مذهولاً الصحفيين الأمريكيين ليبن لهم انه في الحقيقة لم يتراجع، وأنه في نفس الموقع تماماً، وإنما الواقع الذي تغير وليس هو.

إذاً من سيكون ورقة التين؟ كحلون ليكودي معتدل اتخذ في الفترة الأخيرة توجهاً براغماتياً – وسطياً ظاهرياً يوائم هذا الدور، ولكن من الصعب التصديق انه سيشتغل في المجال الدبلوماسي في الحقبة القادمة، كحلون قد يشغل منصب وزير المالية وستكون كلتا يديه منشغلتين بالأعمال، ومجال خبرته ليس في المستوى الدبلوماسي والساحة الدولية غريبة تماما بالنسبة إليه، ولن ينتحر لكي ينقذ نتنياهو في واشنطن أو في بروكسل.

ربما يكون البالغ العاقل هذه المرة ارييه درعي؟ وهذا أيضاً تخمين غير واعد، ففي آرائه الحقيقية درعي هو رجل من يسار الوسط، والمشكلة هي ان ناخبيه من اليمين، وتُتوقع لدرعي وزارة داخلية حكومة نتنياهو الرابعة، إذ انها ليست حقيبة توفر رافعة سياسية.

أما نفتالي بينيت فلا طائل من وراء ذكره في هذا المجال، ولكن ماذا عن أفيغدور ليبرمان الذي يطالب بوزارة الأمن؟ ونشك كثيراً بأنه سيحصل عليها، إذا اعطى نتنياهو ليبرمان الأمن فسيضطر ان يعطي نفتالي بينيت وزارة الخارجية، تخيلوا حكومة يرأسها نتنياهو وعن يمينه وزير الأمن ليبرمان وعن يساره وزير الخارجية بينيت، من الأفضل ان تجد اسرائيل نفسها في سيبيريا بمفردها.

ليبرمان أيضاً انعطف بحدة نحو اليمين أثناء الحملة بعد ان قطعت التحقيقات الشرطية طريقه الى وسط الخارطة السياسية، وحالياً عليه البقاء هناك، إنها صبغته ومصدر طاقته السياسية الوحيد، ليبرمان سياسي لا يمكن توقعه، قادر على القيام بأي عمل: البقاء في المعارضة أو حتى الانسحاب المفاجئ من الحياة السياسية.

من بقي لنا؟ على ما يبدو موشيه كحلون فقط، وهذا أيضاً بشكل جزئي فقط، لم يلتق نتنياهو كحلون بعد، سيلتقيه ربما الأسبوع القادم، حقيبة المالية قد اتفقوا بشأنها ولكن كحلون، والذي من دونه لن تكون لنتنياهو حكومة، يُتوقع ان يعرض على نتنياهو قائمة مطالب طويلة وملزمة، كحلون يضج استياءً من نتنياهو الذي دفعه خارج « الليكود » بعد نجاحه في « ثورة الخلوي » الشعبية عندما كان وزيراً للاتصالات.

سوى المطالب المهنية التي سيطلبها من نتنياهو؛ المطالب الضرورية لنجاح الاصلاحات التي يخطط لها (في موضوع البنوك وسعر السكن وأسعار المعيشة) من المتوقع ان يطلب أيضاً عدداً من المطالب المتعلقة بالديمقراطية الإسرائيلية: أحد تلكم المطالب على سبيل المثال هي حق الفيتو على مقترحات قانون مضاد للديمقراطية من النوع الذي يعرف أصحاب « البيت اليهودي » تقديمها مرتين في الأسبوع، كحلون لن يسمح بالمساس بالطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل أو حقوق الأقليات، ... الخ، في هذا الموضوع من المتوقع ان يكون معه حليف قوي جداً، الرئيس رؤوفين ريفلين، وريفلين أيضاً لا يستلطف نتنياهو بلسان الحال، وسيمنح كحلون مظلة مناخية وجماهيرية لكل ما يطلبه.

عموماً الحكومة المرتقبة ستكون مركبة من أُناس لا يطيقون نتنياهو وسيكونون يفضلون هرتسوغ عليه، الشاذ الوحيد هو نفتالي بينيت، وهو أيضاً خصم مخضرم وعنيد لنتنياهو، ولكن هرتسوغ لا يعتبر خياراً بالنسبة إليه، مشبع بمشاعر الانتقام الشديد من نتنياهو، ودرعي كما ورد أعلاه، وكحلون صلى من أجل فوز هرتسوغ لكي يسمح له بالانضمام الى حكومته، هرتسوغ هو الشخص الذي منح كحلون الفرصة ليعمل بهدوء وفرح لفرحته، نتنياهو وكحلون يعلم انه سيحاول ان يفشله بأي طريقة كانت، وإن نجح رغم ذلك سيضيق عليه مسالكه ويحاول ان يحتفظ بالأصول الائتمانية لنفسه.

سياسياً يمكن لهذه الحكومة ان تكون مستقرة بطريقة أو بأخرى، وفي الموضوع الدبلوماسي لا يوجد فيها معارضات غير متوقعة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، المشاكل الكبرى التي يمكن ان تبرز من جهة الحكومة الرابعة لنتنياهو ستأتي من الخارج.

في مقالي السابق ذكرت هنا « تقدير الوضع من جديد » الذي أعلنت عنه حكومة الرئيس فورد في كل ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه اسرائيل عام 1975، وها هو ذا هذا المصطلح قد ذكر أمس  الخميس (19 مارس) على لسان الحكومة الأمريكية بعد ان اتضح ان نتنياهو تراجع عن خطاب « بار ايلان » واستمر في بث التصاريح العنصرية والمناوئة للديمقراطية، كتبت ان الحكومة الأمريكية لم تعرف كيف تجبي من نتنياهو ثمن استغلاله، الأمر الذي مكنه ان يظهر في عيون الجمهور الاسرائيلي كشخص أجثى باراك أوباما على ركبتيه وعاد منتصراً متباهياً من واشنطن، والآن وبعد ان فاز في الانتخابات تذكر الأمريكيون ان يتحدثوا عن الحسم من جديد، ولكن قليلاً جداً ومتأخراً جداً.

إذا كان لنتنياهو حكومة يمينية – دينية فعلاً، وإن اختفت العملية السلمية تماماً عن الخارطة الإقليمية، وإن لم يقم نتنياهو بأي عمل يحاول من خلاله تجديد الثقة بينه وبين الفلسطينيين، فإن إسرائيل قد تجد نفسها في ورطة دبلوماسية خلال أقل من عام، نتنياهو هو شخص صاحب تجربة ويفهم ذلك جيداً، تجديد تأييده لخطاب « بار ايلان » في اللقاءات التي قدمها للصحفيين صبيحة الانتخابات تثبت ذلك، والسؤال هو إذا كان مبدعاً بما يكفي للبدء من جديد بالمسيرة، فليس المقصود هنا عملية سلمية من شأنها ان تصل الى هدف ما ومهمتها الوحيدة هي الاستمرار في تضييع الوقت والمراوحة في المكان.

عملية كهذه يمكن ان تكون خطاب « بار ايلان » جديد على لسان نتنياهو يؤكد التركيز هذه المرة على النظام الإقليمي، وعلى مبادرة السلام العربية في حال ذهب الى هذه العملية، من المتوقع ان يصادف نتنياهو مشكلة صعبة مع نفتالي بينيت فقط، في هذه المرحلة (بعد حوالي عام) سيسره ان يستبدل بينيت بيائير لبيد أو يتسحاق هرتسوغ ليشكل الحكومة من جديد ويزرع فيها جينات أكثر إيجابية تجاه العالم والانطلاق في طريق جديد، ويحتمل انه وفي نفس الوقت يكون كل من هرتسوغ ولبيد ضعاف بحيث يقولا لنتنياهو « نعم » لأسباب تتعلق بالمصلحة القومية طبعاً، في مثل هذه الحال يُتوقع حياة جديدة لنتنياهو وائتلاف جديد، وربما بداية جديدة أيضاً، وإذا وصلنا والى ان نصل الى هناك سيكون هنا أمر غير لطيف.

أسفل النموذج