خبر توغو: سوق الجماجم « صيدلية » تتغذى من المعتقدات الشعبية

الساعة 01:24 م|17 مارس 2015

فلسطين اليوم

جماجم بشرية مرصّفة جنبا إلى جنب مع بقايا الزواحف والكلاب وجلود الخفافيش وغيرها من الأنواع المختلفة من الحيوانات، معروضة للبيع في سوق للأوثان بلومي عاصمة التوغو.. هي رموز ديانة الفودو المنتشرة في البلاد، والسوق عبارة عن « صيدلية » تضمّ جميع ما تمليه « وصفات » المعالجين التقليديين، غير أنّ اللوائح الحكومية المفروضة على الصيد، إضافة إلى إدبار التوغوليين عن معتقدات الفودو في الأعوام الأخيرة، ينذر بكساد هذه التجارة وإفلاس أصحابها.

تراجع يلقي جذوره في العديد من العوامل والأسباب، أهمّها عدم ارتكاز مثل هذه الممارسات على قاعدة علمية تجعلها راسخة عبر العصور، وهذا ما أكّدته المختصّة في علم الاجتماع بيبيفي كباكبو، وهي أيضا أستاذة بجامعة لومي، حين قالت إنّ هذه الممارسات خالية من أيّ أساس علمي، وإن « تأثيرها نفسي بحت، بما أنّه حين يقرّر أحدهم استشارة مشعوذ أو معالج روحاني، فلأنّ لديه إشكالا ما ويعتقد بأنّ الحلّ أو الشفاء يكمن هناك (لدى المشعوذين) ».

« هنا، ومنذ عشرات السنين »، يقول كريستيان غيدينون، الأمين العام لسوق لومي، « يتناوب المشعوذون والمعالجون والمرابطون، جيلا بعد آخر، من أجل إنقاذ الأرواح البشرية »، مضيفا بفرنسية ركيكة: « لماذا يقصد الناس هذا المكان؟ ببساطة، لأنّه حين يذهب أحدهم لاستشارة معالج روحاني، فإنّ الأخير يشير عليه بضرورة مدّه برأس أفعى أو قطعة من جلد الأسد أو الضبع أو فرس النهر، من أجل إقامة احتفال معيّن أو حتى لإنقاذ حياة زوجته أو أطفاله ».

ويضيف غيدينون، أنّ « الأشخاص المعنيين يأتون بأنفسهم إلى هنا لشراء الوصفة المطلوبة من طرف المعالج الروحاني، لأنّه، في معظم الأحيان، لا يمكنهم الذهاب إلى الغابة لصيد الحيوان المطلوب للعلاج ».

وبانقضاء السنين، يواجه سوق لومي خطر الاندثار في ظلّ تراجع الإقبال على سلعه، بل إنّ المنحدرين عن آبائه المؤسّسين، يخشون انهيار ما يعتبرونه صرحا قادرا على استقطاب الزوّار وجميع أولئك الباحثين « عن الحياة »، على حدّ تعبير غيدينون.

وفي سياق متّصل، قال أحد المرشدين في السوق، ويدعى إلياس كوامي: « إنّه ليس سوقا للمواد الغذائية حتى تجده مزدحما بروّاده، بل هو شبيه بالصيدلية، ومن هذا المنطلق، فإنّ لا أحد يرتاده إلاّ عند الضرورة.. منذ بضع سنوات، كان السكان التوغوليون يأتون، سواء بغرض شفاء مريض أم لإنعاش نشاط معيّن.. أمّا اليوم، فقد تغيّرت الأشياء ».

مخاوف أيّدها غيدينون بقوله: « نخشى حلول اليوم الذي تندثر فيه هذه السوق إلى الأبد، فالإقبال تراجع بشكل لافت، كما أن أعداد السلع المعروضة تقلصت على الرفوف والطاولات.. برأيي أنّ شبح الانهيار غير بعيد ».

مرشد آخر في السوق يقول بانفعال ظاهر، رافضا الكشف عن هويته: « لطالما عرضت بقايا الحيوانات البرية للبيع في سوق الأوثان هذه، وذلك منذ ظهورها الأوّل، والسلطات تعلم بهذا الأمر. غير أنّ الحكومة التوغولية تمنعنا اليوم، من عرض جلود بعض الحيوانات ».

وأضاف بنبرة غاضبة: « سجنت لعدّة أيام لأننّي قمت بعرض جلود الأسود وأجزاء من الفيلة وفرس النهر، للبيع ».

وحصل المرشد وعدد آخر من الباعة الذين سجنوا بذات التهمة، على حرّيتهم بفضل وزير البيئة والموارد الغابية في توغو أندريه جونسون، الذي أعرب، رغم ذلك، عن حرصه الشديد على تطبيق القانون الذي أقرّه البرلمان قبل عدّة سنوات، ولكن لم يقع تفعيله إلاّ في العامين الأخيرين، وذلك إثر مصادقة الحكومة التوغولية على الاتّفاقيات الدولية المتعلّقة بحماية الأنواع الحيوانية المهدّدة بالانقراض.

وقال الوزير التوغولي إنّ « تلك الأنواع الحيوانية محمية، والقانون يقول إنّها في طور الانقراض وينبغي حمايتها، ولذلك فمن الطبيعي أن تلقي قوات الأمن القبض على جميع من بحوزتهم بقايا الحيوانات. وفي إطار سوق الأوثان، يمنعهم القانون، من هنا فصاعدا، من بيع تلك البقايا ».

غير أنّ الإشكال الحقيقي، بحسب الأمين العام لسوق لومي، وهو أيضا من المرشدين، وأحد المعالجين بالأعشاب البرية، لا يكمن فيما قاله الوزير، وإنّما في أمر مختلف تماما، حيث إنّ « بقايا الحيوانات البرّية التي نعرضها للبيع نشتريها بدورنا من أشخاص لا نعرفهم يحملونها إلينا من مختلف بلدان القارة الأفريقية »، وفقا لغيدينون، الذي لفت إلى أنّ « السياح والكثير من الناس يأتون ثم يعودون أدراجهم محبطين لخلوّ رفوفنا من السلع وعدم قدرتنا على تلبية احتياجاتهم ».

أسباب عديدة تقف وراء بوادر الانهيار التي بدأت تجتاح السوق، غير أنّ البعض يؤكّدون وجود عوامل أخرى تقف وراء هذا التراجع، وتشمل –ببساطة- التحوّلات البديهية التي يفرضها تعاقب الأجيال ومرور الوقت.

إلياس كوامي، عاد ليؤكّد أنّ « السكّان يبتعدون تدريجيا عن كهنة الفودو الذين يصفون لهم بقايا الحيوانات التي نقوم ببيعها، ولهذا السبب فقد تراجع الإقبال على سلعنا المعروضة ».

شبح الانهيار الذي يخيّم بصمت على الرفوف المنتصبة وسط السوق، يترجم جملة التغيّرات الطارئة على العقلية التوغولية حيال معتقدات « الفودو » التي كانت سائدة. 

المختصّة في علم الإجتماع عادت لتوضح أنّ عملية الشفاء كانت تعتمد، في السابق، على الجانب النفسي، أو تستهدف نفسية المريض، وما كان يحدث هو « إيهام الناس بوجود قوى خفية توجّه ضربات، وتتم معالجتها عبر تقديم القرابين وإقامة الاحتفالات. وأولئك الذين يؤمنون بمثل هذه الأشياء يشعرون براحة، أمّا أولئك الذين يستمرّون في الإيمان بها، فيواصلون الخضوع لنفس الممارسات، فيما تخلّى عنها من أدرك خلوّها من أيّ أساس علمي ».