خبر لا لصهيونية التخويف-هآرتس

الساعة 11:36 ص|22 فبراير 2015

فلسطين اليوم

بقلم: شلومو افنيري

 (المضمون: دعوة نتنياهو يهود اوروبا للهجرة الجماعية إلى اسرائيل هو اهانة للقادة الاوروبيين الذين ما فتئوا يصرحون قولا وعملا بأن يهود اوروبا هم جزء من الديمقراطية والثقافة الاوروبية- المصدر).

دعوة بنيامين نتنياهو يهود اوروبا للهجرة الجماعية إلى إسرائيل بعد الاحداث الاجرامية في باريس وكوبنهاغن، خطأ سياسي واخلاقي. هل الحلم الصهيوني هو ان نرى اوروبا « خالية من اليهود ».

 

دولة اسرائيل أقيمت ليس على ذات المنهج الذي يستمر قيامها عليه اليوم (كما استمرت قائمة على مدى أجيال)، كراهية إسرائيل بأشكالها المختلفة، ولكن كتعبير حق اليهود بتقرير المصير كأمة في دولتهم. تمردت الصهيونية على التشاؤمية الدينية – يهودية التي تركت مصير اليهود في يدي الله، ووضعت هذا المصير بين يدي الارادة الحرة لليهود ممن يطلبون الحياة كشعب حر في وطنه. هذا حق كوني، ولا يجب حرمان اليهود منه كما انه لا يجب حرمان اي مجموعة قومية أخرى.

 

ومن الواضح ان صعود اللاسامية الفظة في النصف الاول من القرن الماضي عززت من ضرورة الدولة اليهودية، وهذا هو السبب الاضافي لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين ثاني، والتي اعترفت بحق اليهود في دولة خاصة بهم في فلسطين، إلى جانب حق الشعب الفلسطيني بدولة خاصة به.

 

عندما يدعو نتنياهو يهود اوروبا للهجرة إلى اسرائيل، فذلك يدل على انه ما زال يعيش في سنوات الثلاثينات من القرن الماضي ويتجاهل التغيرات التي حدثت لمكانة اليهود في العالم، وخصوصا في أوروبا والولايات المتحدة.

 

شهد النصف الاول من القرن العشرين صعود انظمة لا ديمقراطية في عدد من الدول الاوروبية، والتي تشاركت في ميزة النظر إلى اليهود كعامل غريب يجب التخلص منه – وفي الحالة المتطرفة، النازية، يجب ابادته. صعدت الانظمة الفاشية ونصف الفاشية كذلك في بولندا وهنغاريا ورومانيا ودول بحرالبلطيق، والتي رفعت بشكل أو بآخر شعارات لا سامية (وهو ما جرى أيضا في إيطاليا بعد عقد التحالف بين موسوليني وهتلر): التمييز ضد اليهود وفقا للقوانين التي تم سنها، طردهم من الخدمة العامة وتحديد انشطتهم الاقتصادية، تحديد اعدادهم في الجامعات، اقصائهم من المهن الحرة، قيود على التعليم اليهودي والتشجيع الصريح على الهجرة.

 

في فرنسا، وعلى نطاق أقل في انجلترا، برزت احزاب وشخصيات رفعت اعلام اللا سامية، وفي الولايات المتحدة وعظ كبار رجال الصناعة كهنري فورد ومبشرين دينيين كالخوري المذيع تشارلس كوفلين ضد اليهود، والجامعات الراقية كجامعة هارفارد وجامعة ييل حددت عدد الطلاب اليهود وعملت كل ما باستطاعتها لمنع تعيين بروفيسورات يهود. انتخاب الاشتراكي اليهودي ليون بلوم رئيسا لوزراء فرنسا عام 1936 ترافق مع احداث لا سامية بشعة وعنيفة، وفي الكثير من دول اوروبا تم تشخيص اليهود كرأسماليين استغلاليين او، على النقيض، كعملاء للثورة الشيوعية.

 

العالم اليوم تغير – وإلى حد ليس قليل كنتيجة للكارثة، يجب ان نعترف – تغيرا كليا. لا يوجد اليوم حزب او شخصية لا سامية في السلطة في الدول الاوروبية، والاحزاب اللا سامية موجودة فقط في الهوامش – في هنغاريا واليونان. حتى هناك هم فقط في المعارضة، وعلى الاغلب هي مقصاة بسبب الإشمئزاز، اما قاعدة كراهيتهم فهي موجهة ضد النوَر والمهاجرين والمسلمين والالبان. الاصل اليهودي لأي سياسي لم يعد في مجال البحث  لأي دولة ديمقراطية في اوروبا. حتى الحزب الوطني العنصري على شاكلة « الجبهة القومية » بزعامة مريان له – فن غير لا- ساميته بلا اسلامية واضحة، ويشارك به اعضاء يهود.

 

الاصل اليهودي لرئيس حزب العمل البريطاني ليس مجالا للجدل العام في بريطانيا،  في المقابل من الجدير بالذكر انه في بداية الحرب العالمية الثانية أُجبر وزير الدفاع البريطاني هور- بليشا على التنازل عن وظيفته كي لا يقال بأن بريطانيا دخلت الحرب ضد المانيا « بسب اليهود ». ربما كان ساركوزي غير محبوب من العديد من الفرنسيين، ولكن ليس بسبب خلفيته اليهودية، لم يحدث ابدا ان عاش اليهود في حرية ومساواة كما يحدث الان في الدول الاوروبية.

 

فوق ذلك – وهذا هو احد اكبر الانجازات للشعب اليهودي والذي تحقق بشكل متناقض بعد عملية القتل في باريس وكوبنهاغن – يبذل القادة الاوروبيين كافة الجهود للتأكيد بأن اليهود هم جزء متكامل في دولهم. عندما يعلن الرئيس الفرنسي بأن اليهود هم جزء من الامة الفرنسية، ويعلن رئيس وزراء فرنسا بأن فرنسا بدون اليهود لن تكون فرنسا – فذلك نصر ليس فقط للحرية والمساواة، ولكن ايضا لليهود.

 

لم يحدث ابدا ان اسمعت تصريحات في غاية الوضوح كهذه لدى الزعماء الفرنسيين، تصريح اخر مشابه اسمعته رئيسة وزراء الدنمارك. في بولندا، وعلى خلفية التاريخ المعقد لليهود فيها،  يجري افتتاح المتحف اليهودي، والذي يعرض وفقا لاقوال رئيس وزرءا بولندا، تاريخ يهود بولندا باعتبارهم جزءا لا ينفصل عن تاريخ الدولة. تصريحات القادة الاوروبيين التي تقول بأن اليهود هم جزء اساسي من أوروبا تجسد بشكل هزلي ما قاله جابوتنسكي، بان اليهود عاشوا في أوروبا حتى قبل مجيء بعض الشعوب الاوروبية مثل السلاف والهنغاريين.

 

اختفى كل ذلك من عيني نتنياهو، كما اختفت واقعة انه بدعوته يهود اوروبا للهجرة إلى اسرائيل فهو يسيئ إلى قادة اوروبا الذين يرون في اليهود جزءا من ثقافتهم الديمقراطية وهويتهم الوطينة.

 

فرنسا الحالية ليست هي فرنسا محاكمة درايفوس أو حكومة فيشي، ومن يتجاهل ذلك يهين الديمقراطية الفرنسية. دعوة يهود الدانمارك للهجرة إلى اسرائيل هي بمثابة صفعة على الوجه للتقاليد العظيمة للدولة والشعب الدنماركي، والذين فتحوا بواباتهم لليهود المطرودين من اسبانيا في القرن ال 16ـ وانقذوا يهود الدانمرك في القرن العشرين في عملية جماعية عبر تهريبهم إلى السويد – وهوالامر الذي لم يفعله اي شعب آخر على نطاق جماعي عندما سيطر الظلام النازي على معظم القارة.

 

بدون شك: يوجد احداث لا سامية خطيرة حاليا في اوروبا. ولكن معظمها – كعمليات القتل الأخيرة – ارتكبت بأيدي مسلمين وليست مرتبطة باللا سامية الاوروبية التقليدية. وكذلك ليس ممكنا تجاهل احداث عنيفة لا – اسلامية مثل احراق المساجد. ولكن هذا هو الفارق بين ايامنا وايام الثلاثينات: الاعمال اللا سامية حتى لو كانت قاتلة تختلف جذريا عن انظمة وسلطات لاسامية. في سنوات الثلاثينات كان قسما كبيرا من الانظمة الاوروبية لاساميا  - اليوم السلطات تقف إلى جانب اليهود، وليس ضدهم. واليهود في اوروبا يفهمون ذلك جيدا. لهم الحق في مطالبات مشروعة مثل دفاع افضل عنهم، ولكن من مثلنا في اسرائيل يعرف كم هو صعب ان تواجه عمليات وقتلة منفردين.

 

على اسرائيل ان تكون مفتوحة أمام كل يهودي يرغب في العيش فيها- وإذا تعرضت مجموعة يهودية في اي مكان للتهديد على حياتها او معيشتها، على اسرائيل ان تسارع لمساعدتها. كما حدث في النضال من اجل يهود الاتحاد السوفييتي وهجرة يهود اثيوبيا.

 

انه لمن المصلحة الواضحة لاسرائيل والشعب اليهودي بكامله، ان يعيش اليهود  بأمن وسلام في اي مكان في اوروبا والعالم. نجاح الصهيونية يتمثل في قدرتها على جذب اليهود للعيش فيها بناء على جودة الحياة في دولة اليهود، وليس من خلال الخوف القلق.

 

نحن في سنوات ال 2015، ولسنا في سنة 1938، والجدير بنتنياهو ان يعترف بالانقلاب العظيم والإيجابي لوضع اليهود في العالم الحالي. بدعوته لهجرة يهود أوروبا اعاد نتنيهو ذكرى معاناة جده. ولكن ومع كل التقدير للمعاناة التي حدثت لجده واجداد الكثيرمنا – نحن نعيش في الحاضر وليس في الماضي. علينا ان نتذكر الماضي، ولكن ايضا ان نقر بأن العالم تغير.