خبر في أن تفكيك الإرهاب ضروري لهزيمته .. فهمي هويدي

الساعة 11:28 ص|10 فبراير 2015

في المعركة التي تخوضها مصر ضد الإرهاب، لدينا إجابة واضحة عن السؤال ماذا، لكن الأمر ملتبس في ما يخص السؤال من؟

(1)

يوم الجمعة السادس من فبراير/شباط الحالي، نشرت المنابر والمواقع وثيقة الصلة بالأجهزة الأمنية المصرية معلومات مثيرة عن مشاركة بعض الضباط المفصولين في العمليات الإرهابية التي شهدتها سيناء.

فقد ذكرت « اليوم السابع » أن الأجهزة الأمنية تكثف جهودها للقبض على أهم ثلاثة من العناصر الإرهابية التي اتهمت بالاشتراك في التنفيذ والتخطيط لعدد من أخطر العمليات الإرهابية، التي كان من بينها تفجيرات العريش الأخيرة وعملية كرم القواديس التي قتل فيها أكثر من ثلاثين مجندا، إضافة إلى محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية.

الثلاثة المذكورون ضباط سابقون فُصلوا من القوات المسلحة والشرطة نظرا لميولهم الجهادية.

وقد أوردت الجريدة أسماءهم الحقيقية والحركية، كما ذكرت أن منهم من سافر إلى تركيا لكى يشارك مع بعض الجماعات المقاتلة في سوريا، ومنهم من سافر إلى ليبيا وغزة، ومنهم من اشترك في اعتصام رابعة، وتحدث التقرير المنشور عن أن هؤلاء الضباط تولوا تدريب العناصر الإرهابية، كما نقلوا إليهم خبراتهم العسكرية إلى جانب معلوماتهم عن الأجهزة الأمنية.

« البوابة نيوز » نشرت تفصيلات أخرى حول الموضوع، فذكرت أن أحد أولئك الثلاثة ضابط مفصول من « الصاعقة »، وأنه العقل المدبر لمذبحة العريش، وهو يقود مجموعة مكونة من مائتي شخص، ويتولى مسؤولية فرع « داعش » (تنظيم الدولة الإسلامية) في سيناء. ومن المعلومات التي نشرتها الجريدة أن الذين فصلوا من الشرطة بسبب أفكارهم الجهادية عددهم 105 بين ضباط وأمناء شرطة، أما الذين تم فصلهم من الجيش فعددهم ليس معروفا بالضبط.

في التقرير المنشور أيضا تفصيلات أخرى عن الضباط المفصولين ودورهم في العمليات الإرهابية. من هؤلاء ضابط الصاعقة (هـ. ش) الذى سبقت الإشارة إليه، وكان ضمن الفرقة 777، وظل يعمل في سيناء مدة عشر سنوات، وقد خرج من الخدمة منذ سبع سنوات. وبعد خروجه كوّن مجموعة إرهابية ضمت مجموعة من الجهاديين، بينهم أربعة من ضباط الشرطة المفصولين لعلاقتهم بالإخوان والجماعات التكفيرية، وسبق اتهامه في محاولة قتل وزير الداخلية، كما اتهم في تفجير كمين واحة « الفرافرة » قبل شهرين، وتم رصده أكثر من مرة، غير أنه كان ينجح في الهروب في كل مرة لخبرته الطويلة بمسالك ودروب سيناء، وعلاقاته القوية ببعض شيوخ القبائل وشباب البدو.

تحدث التقرير أيضا عن ضابط شرطة آخر كان يعمل بقطاع الأمن المركزي ومصلحة السجون، وتم فصله بعدما وصل إلى رتبة مقدم وانكشف أمره، وقد أصبح الآن مفتي داعش وخطيبها المفوَّه في سيناء.

نسب التقرير إلى أحد المسؤولين الأمنيين قوله إن الضباط المفصولين -وأيضا الطلاب المفصولين من الكليات العسكرية والشرطة- يشكلون قنابل موقوتة، ويخططون للعمليات الإرهابية بحرفية تفوق قدرة الإرهابيين العاديين في ذلك؛ إذ إنهم يملكون معلومات لا تتوفر لغيرهم، وخبرتهم تساعدهم على ذلك. كما أنهم يعلمون أوقات تبديل ورديات العمل وثغرات الكمائن وكم التسليح وأسرار الخطط العسكرية والأمنية.

(2)

هذه المعلومات المهمة تسلط الضوء على جانب من خلفيات مشهد العنف الحاصل في سيناء لم يكن معلوما من قبل، بالنسبة للرأي العام على الأقل. وإذا أمسكنا بذلك الخيط وتتبعنا العمليات التي أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس عن مسؤوليتها في تنفيذها، فسوف نلاحظ أمرين مهمين: أولهما، أنها استهدفت مقار الشرطة والجيش ورموزهما، والأمر الثاني أنها تمت بدرجة عالية من الحرفية في التخطيط والتنفيذ. وهذه العمليات هي:

- عام 2013: محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في الخامس من سبتمبر/أيلول، وتفجير مبنى المخابرات العسكرية بالإسماعيلية في 19 أكتوبر/تشرين الأول، وقتل ضابط أمن الدولة محمد مبروك خارج منزله في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، وتفجير مقر مديرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر/كانون الأول.

- عام 2014: تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة في 24 يناير/كانون الثاني، ومهاجمة كمين شرطة في بنى سويف يوم 23 يناير/كانون الثاني، وإسقاط مروحية في سيناء في 26 يناير/كانون الثاني، والهجوم على كمين للجيش في واحة الفرافرة ومقتل 22 جنديا في العشرين من يوليو/تموز، والهجوم على كمين الجيش في كرم القواديس وقتل أكثر من ثلاثين جنديا في 24 أكتوبر/تشرين الأول.

- عام 2015: الهجوم على الأهداف والمواقع الأمنية في العريش يوم الثلاثين من يناير/كانون الثاني، الذي أسفر عن قتل أكثر من أربعين شخصا أغلبهم من جنود الجيش.

لا وجه لمقارنة العمليات سابقة الذكر بحوادث العنف الأخرى التي شهدتها بعض المحافظات بعد فض الاعتصامات، والتي تمثلت في خروج بعض المظاهرات أو وضع عدة قنابل بدائية في بعض الأماكن العامة، أو حتى حوادث استهداف بعض رجال الشرطة، ذلك أن ثمة تفاوتا هائلا بين الحالتين سواء في حجم العمليات أو مستوى الأداء. في الوقت ذاته، فإن المرء لن يحتاج بذل جهد من أي نوع لكي يدرك أن الأولين مختلفون عن الأخيرين، بالتالي فإن وضعهما في كفة واحدة واعتبارهما كيانا واحدا يصبح من قبيل التغليط الذي يفضي إلى الخطأ في التحليل والتقدير.

(3)

هذه التفرقة بين جماعة أنصار بيت المقدس التي انطلقت في سيناء وانضمت إلى « داعش » مؤخرا، وبين المجموعات الأخرى التي تمارس العنف في أنحاء مصر بالغة الأهمية في السياق الذي نحن بصدده.

صحيح أن التحول في مسار أنصار بيت المقدس من النضال ضد إسرائيل إلى تحدي السلطات المصرية خارج سيناء يحتاج إلى دراسة وتحقيق، إلا أننا سنغض الطرف عن ذلك الجانب في الوقت الراهن، ذلك أن أكثر ما يهمنا هو أنها تحولت إلى أحد مصادر العمليات الإرهابية التي استفزت المصريين وملأتهم بالغضب، خصوصا أنها حصرت نشاطها في الاشتباك مع الجيش والشرطة. أهمية التفرقة التي أركز عليها تكمن في أنها تفتح أعيننا على جوانب مهمة في محاولة تفكيك الإرهاب وفهم مكوناته.

في هذا الصدد، ينبغي أن يلفت انتباهنا أن أنصار بيت المقدس جماعة واحدة، لم تتردد في إعلان مسؤوليتها عن العمليات التي تقوم بها، وكثيرا ما تقوم بتصويرها تلفزيونيا. أما أعمال العنف الأخرى الحاصلة في بَرّ مصر فليس معلوما الطرف الذي يقوم بها، وإن كان المتواتر أن أطرافا عدة تشارك فيها، وللإخوان وأنصارهم دورهم المحوري فيها. وفي حين تكون الصدامات المسلحة هي الأصل في عمليات « الأنصار »، فإن المظاهرات والمسيرات تشكل أهم مظهر لأنشطة الإخوان والمتحالفين معهم.

الأهم مما سبق أن عقيدة « السلفية الجهادية » التي تكفّر الآخرين وتعمد إلى التغيير بالقوة تمثل المرجعية الفكرية « للأنصار »، الأمر الذي شكّل نقطة لقاء بينهم وبين جماعة داعش، في حين أن فكرة التكفير ليست واردة في مرجعية الآخرين. وبمقتضى اعتقاد السلفية الجهادية، فإن الآخرين إما كفار أو مرتدون، الأمر الذي يسوغ استحلال دمائهم. وهو ما أعلنته داعش صراحة، التي اعتبرت رموز الإسلام السياسي ضمن المرتدين، وخصت بالذكر إخوان مصر الذين تمكنوا من السلطة ولم يطبقوا شرع الله، واعتبرت ذلك مسوغا لوصمهم بالنفاق والردة.

بسبب ذلك الخلاف في المرجعية الفكرية، فإن « الأنصار » يعتبرون أنفسهم في صراع عقيدي مع النظام المصري ويزعمون أن إسقاطه واجب شرعا، في حين أننا نعلم أن الذين يطلقون المظاهرات في أنحاء مصر يعتبرون ذلك ضمن الصراع السياسي وليس العقيدي، ويتصورون أنهم بما يفعلونه يضغطون على النظام لحسابات سياسية معينة.

(للعلم: في عام 2009 أعلن فرع الجماعة السلفية الجهادية في غزة قيام إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس. واتخذ من مسجد ابن تيمية بالقطاع مقرا للقيادة العسكرية للإمارة الجديدة، وفي خطبة الجمعة دعا زعيمهم إلى الجهاد ضد حكومة حماس، التي حاصرت قواتها المسجد واشتبكت مع المسلحين الذين تحصنوا بداخله، وأسفر الاشتباك عن مقتل 21 عضوا من عناصر الجماعة، بينهم قائدهم الشيخ عبد اللطيف موسى الذي اشتهر باسم أبو النور المقدسي).

(4)

« شيطنة » الآخر في مصر أصبحت القاعدة والأساس في الخطاب السياسي والإعلامي؛ ذلك أن كل المتظاهرين إرهابيون، وكل الإرهابيين سواء، هدفهم إسقاط الدولة وإعلان الحرب على الجيش والشرطة. لذلك فإن دم الجنود في رقاب الجميع، ويحق للمجتمع أن يثأر منهم وينتقم، حتى رأينا أنه بعد عملية أنصار بيت المقدس التي وقعت بالعريش في الثلاثين من يناير/كانون الثاني الماضي، جرى الانتقام والثأر لشهدائها بإشعال عدة حرائق في بني سويف ودمياط والفيوم، وهو ما أبرزته بعض الصحف المصرية وامتدحه بعض الكتاب باعتباره من قبيل حيوية الشعب وانتفاضه للدفاع عن شهدائه.

إن تفكيك الإرهاب والتعرف على مكوناته وأوزانه يمثلان خطوة محورية في محاولة القضاء عليه، ناهيك عن أن ذلك من مقتضيات العدل والإنصاف، ومشكلته أنه يتطلب عدولا عن حملات التهييج و« الشيطنة » التي تعد أسهل السبل للخلاص من الآخر وإسكات صوته إلى الأبد. وذلك نهج « داعشي » بامتياز، من حيث إنه لا يقبل مبدأ الفرز بين المخالفين، ويعتبر أن المقابر الجماعية هي المكان الوحيد الجدير بهم.

حين هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حماس وساوى بينها وبين داعش، تصدى له آخرون ممن رفضوا فكرة التماثل بينهما، رغم بغضهم حماس واعتبارها حركة تخريبية من وجهة نظرهم. وكان من بين هؤلاء إفرايم هليفي رئيس الموساد السابق ويوعز هندل من كتاب صحيفة يديعوت أحرونوت، بل إنهم حينما زادت عمليات العنف ضد الإسرائيليين في الداخل، فإنهم لم يسارعوا إلى اتهام خصومهم التقليديين من حماس والجهاد والجبهة الشعبية، وإنما أدركوا أنها من قبيل المبادرات الفردية التي عبرت عن تزايد معدلات الغضب بين أجيال الفلسطينيين، الأمر الذي نبههم إلى أن فكرة الانتفاضة الثالثة لم تعد مستبعدة.

فهمنا من بعض التسريبات التي جرى بثها في الآونة الأخيرة أن تسخين الرأي العام وتهييجه باستخدام الأبواق الإعلامية هو الأسلوب المفضل في التعامل مع بعض الملفات المفتوحة، وذلك نهج إذا استمر فإنه يغلق الأبواب أمام الدعوة إلى الفرز والتفكيك، التي ستكون بمثابة محاولة لحصار الحرائق وتطويقها، في حين أن التهييج مطلوب لاستمرار الحرائق وإشغال الناس بتمددها.