خبر أن تأت متأخرا معناه أن تخسر كثيرا.. الاقتصادي امين ابو عيشة

الساعة 06:56 ص|11 نوفمبر 2014

 

أن تأت متأخرا معناه أن تخسر كثيرا

بقلم : أمين أبو عيشة – أستاذ الاقتصاد والمحلل المالي

طوال السنوات الماضية من عمرنا وعمر شعبنا الفلسطيني تسألن وسألني الآخرون لماذا هذا الانقسام والتأخر من هو السبب من هو المسبب ؟ ومن الجاني ومن المجني عليه .. من هو الرابح ومن هو الخاسر في هذه السياسة .. طوال الفترات السابقة ضخت المليارات لنا ولمنظومتنا الاقتصادية والمالية لكن شيئاً لم يحدث ، بل العكس هو الذي حدث فلقد تعاظمت وتفاقمت معدلات البطالة عندنا وتوسعت حلقة الفقر والفقر المدقع وانخفض الاستهلاك ودمر النشاط الاقتصادي الزراعي والتجاري والصناعي والخدماتي وظهر الركود واستفحل التضخم والكساد ..

 عاودت التساؤل مرة أخرى تذكرت مقولة تعلمتها تقول انه : إذا تساوي الرئيس والمرؤوسين في المسؤوليات فلا حاجة لأحدهما  ... لكن علمت وتعلمت جيداً أن السابقون في كل خير هم الفائزون ، والمسارعون إلى كل إصلاح في ذواتهم هم الناجون .. إننا خسرنا وسنخسر كثيرا بمقدار ما نتأخر في الوصول، حين نصل متأخرون نجد أن الفرص الأفضل لم تعد موجودة ، وأن المكان الأجمل لم يعد متاحا، وأن غمرة القطفة الأولى لم تعد ممكنة وأن وصولنا المتأخر يفرض علينا في نهاية الأمر أن نقبل بما هو قائم وممكن ومتاح لا ما يجب أن يكون وينعم به أبناء شعبنا وأطفالنا من رغد وازدهار وحياه، تأخرنا يعني أن نقبل الفضلة وبقايا الموائد هذا إن وجدت أصلا  .. كان من الممكن لنا في يوم الأيام و كمجموع فلسطيني أن نعيش ونبني اقتصاداً ونقداً..

كان لغزة أن تصنع الكوكا كولا وتنتج زيت الزيتون والتمور والفراولة والتوابل وتصدرها لأوربا  ... كان من الممكن أن نزرع المرامية في الضفة الغربية والورود في غزة فتعشقها وتفوحها عطراً مدن العالم وشوارعه .. كان من الممكن أن تنتج الخليل الجلود والأحذية وكان لجنين ومروجها ومحيطها شردلة وبردلة والأغوار وحتى غزة أن تكون سلتنا الغذائية والصناعية ... كان من الممكن لرام الله أن تكون مدينه الصناعات الدوائية وبامتياز فنصدرها لأوربا والعالم.. كان من الممكن أن نسوق الصابونة النابلسية المخلوطة بزيت الزيتون في أسواق المنطقة .. وكان من الممكن أن نصدر ونسوق أسماك بحر غزة إلى الأردن والعراق بعد أن يكتفي شعبنا من خيرات الله منها ...

 كان من الممكن أن نعلم العالم  الصبر و فنون مقارعة الأعداء وحفر الأنفاق والقتال من مسافة صفر من رجالات غزة .. كان من الممكن أن نعلم العالم الخبرات والمهارات في شتي المجالات وأن نقودهم خير قيادة... كان من الممكن لنا أن نصدر عملة ونقد ...

وبالمجمل كان لنا من الممكن أن نبني اقتصاداً ووطناً لكن ذلك لم يحدث للأسف؟؟؟ فيا تري ما هي كلمة السر في عدم حدوث ذلك أقول وباختصار أن الأسرع يأكل الأبطأ في السياسة والتنمية والاقتصاد والفكر أيضا بينما نحن أعمالنا كنا وما زلنا ناتجة عن تسرع متزايد ومضطرد وبلا حساب ناتج عن ردات فعل ليس إلا وعشوائية تنظيم وغياب تنسيق وتوجيه لسياستنا وضياع برامج وتغييب خطط وفقدان إدارة .. إننا نخسر أكثر حين نتأخر، ونخسر بما لا يمكن أن يُستعاض أو يُسترجع...

نخسر وسنخسر إن تأخرنا في بناء مدارسنا وغرفنا الصفية التي ما زالت كونترنات في وكالة الغوث رغم موازناتها المالية العالية التي تضيع على مادة حقوق الإنسان واللعاب الصيف و مهرجانات الدبكة .. نخسر كثيراً حين يقرأ ويكتب طلابنا في صفوف بلا أضواء وشبابيك بلا زجاج وفي فصل الشتاء .. نخسر يومياً حينما نغفل عن تطوير شبكات الطرق والصرف الصحي.. نخسر كل يوم حين تنقطع الكهرباء والمياه عنا ساعات وساعات .. ونخسر معها مئات الملايين طاقة ناضبة عقيمة وغير منتجه ،  نخسر كثيراً حين يتأخر العام الدراسي لأكثر من شهر ويدخل الطلاب في غمرة حانا ومانا بين الإضراب والاضطراب وبين الراتب وإلا راتب ... نخسر كثيراً حين تضيع أعمار شبابنا التي يستهلك منها الكثير من السنوات الطوال وبدون هدف ومرمي ..نخسر كثيراً حين تزداد معدلات البطالة لمستويات 42% في قطاع غزة ويرتفع الفقر المدقع لمستويات 70% دون حلول وعلاجات ... نخسر كثيراً حين يغيب العمار لقطاع غزة ويتأخر الأعمار وتمارس القرصنة وبدون مبرر ... ما استطيع أن أقول بالمؤجز أنه أن تأتى هذه الخدمة متأخرة لنا أهل غزة ولشعبنا الفلسطيني نخسر الكثير من فرص النمو والتنمية بين المدن ، ونخسر الكثير من فرص التعلم والعلاج وسعادة العيش... ببساطة نخسر اقتصاد ووطن ....

أن نتأخر في الرقابة الحقيقية على مستشفياتنا واحتياجاتها من وقود وأدوية ومستلزمات ومستهلكات وتوقف لوجبات الغذاء للمرضي وعدم تطوير عمل أطبائنا ، نخسر حياة أبنائنا وبناتنا ونسائنا وشيوخنا أو على الأقل نخسر الملايين من الدولارات في علاجهم و علاج ضحاياهم خارج الوطن وداخل الخط الأخضر ، مع كل تأخير في ذلك الأمر يتم إطعام الناس سحت الطعام وإلباسهم لبس الخنوع ومراقبتهم حتى على الراتب ... وبمقدار ما يخسر الجميع المواطن والوطن يتربح المجرمون وتجار الحروب والسمان الجدد ومسوخ الإنسانية أكثر ...

وفي الختام أن تتأخر في إصلاح شيء ستخسر تكلفة فساده وخرابه وستخسر العائد الأفضل المؤمل فيه ، أن نتأخر في استبدال العقول الجامدة في الإدارات الحكومية والحكم ، يعني أننا سنخسر كل العقول القادرة على تغيير الواقع المؤلم والمحزن ...إن قرارا واحدا أحيانا يوفر الملايين لصالح الناس، إلا أننا نتأخر في صدوره لسنوات طوال وللأسباب لها صلة مباشرة ، بالقطيعة الحقيقية بين من يصنع القرار وبين من يعيش نتائجه ، ويحمل أثقاله .

أتمني أن يكون وراء ذلك قول وفعل ..!.؟ ..

[email protected]