خبر الهجمة على القدس واستكمال مسيرة تهويدها وجعل الأقصى مركز هويتها اليهودية

الساعة 07:50 ص|06 نوفمبر 2014

أطلس للدراسات

ليست أجواء الانتخابات الاسرائيلية التي يقول المحللون انها تقترب، كما ليس الامعان الاسرائيلي في مناكفة البيت الأبيض، أو كسب النقاط في الهجوم على السلطة الفلسطينية ورئيسها هي التي تقف خلف الهجمة المنظمة والمسعورة من قبل كل دوائر الحكومة والمؤسسات الاسرائيلية ضد مدينة القدس والمسجد الأقصى؛ بل قرار وتوجه اسرائيلي صهيوني توراتي واضح ومعلن ولا يحتاج للبرهان بجعل القدس مدينة يهودية، سكاناً وهويةً وثقافةً ومعالم روحية ودينية، وجعل منطقة الحرم القدسي، المسجد الاقصى وباحاته (أو حسب زعمهم جبل الهيكل وفي قلبه الحوض المقدس) مركزاً للهوية اليهودية للدولة ويهود العالم.

نتنياهو ووزير خارجيته، كما كل أركان حكومته، لا يفوتون مناسبة أو فرصه للخطابة أو الحديث الصحفي إلا ويعلنون أهدافهم تجاه القدس، وينتقون العبارات والكلمات الأكثر وضوحاً الى حد الاستفزاز، ففي احتفال إطلاق اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحق شامير على أحد شوارع القدس؛ قال نتنياهو "القدس هي درة تاج وجودنا كأمة ذات سيادة، وشامير شدد في كل مناسبة على واجب ضمان كونها موحدة، وعمل شامير من أجل جعلها مركزاً نابضاً للفعاليات الشعبية، وهو بالطبع أصرّ على حقنا الطبيعي في البناء فيها".

وتابع نتنياهو "هل يعقل، هكذا تساءل شامير، ألا يستطيع اليهودي أن يقيم بيته في القدس؟ هل لا يسمح لنا بإعمار عاصمة إسرائيل وهي أرض أجدادنا؟ لذا نحن نبني في القدس وسنواصل البناء فيها، لصالح السكان اليهود والعرب، على حد سواء، ولصالح السكان أبناء الديانات الأخرى ولصالح جميع سكان المدينة، إن القدس تحت السيادة الإسرائيلية هي مدينة موحدة، وهناك من يريد أن يحرض فيها فئة على أخرى ويسعى إلى تمزيق المدينة وبناء أسوار في قلبها من جديد، نحن لن نفعل ذلك، وسنتصدى لهذه الأطراف وسنكافحها بيد من حديد".

وفي الميدان تتضافر جهود جبهة واسعة من لوبيات تهويد القدس والأقصى، جمعيات دينية واستيطانية، ورجال أعمال، ومؤسسات بلدية ونخب عسكرية وسياسية وادبية وإعلامية، بدعم وتشجيع وتمويل من الحكومة ومنظمات صهيونيه دولية، صحيح انها ليست جسماً واحداً ولا تخضع لقيادة وتوجيه مركزي، كما يقول الباحث في شؤون القدس والمحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بار إيلان البروفيسور مناحيم كلاين "لا توجد جهة مركزية واحدة، وإنما هناك نية مشتركة وغاية مشتركة، لكن لا يوجد هيئة أركان واحدة توجه هذه الأعمال، والهدف هو منع إمكانية تقسيم القدس، ومنع إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية في القدس، وبالطبع تغيير الوضع القائم في الحرم، بحيث تكون للجانب اليهودي سيطرة على الحرم، وليس فقط سيطرة على المنطقة المحيطة به".

وتحظي هذه القوى التي تعمل بشكل محموم على مدار الساعة لتحقيق أجندتها، بدعم وتمويل وتشجيع من الحكومة ومن مختلف القطاعات والأحزاب، سواء المشاركة في الحكومة أو المعارضة للحكومة، فهي موجودة في حزب "العمل" كما هي موجودة في "الليكود" و"البيت اليهودي".

ويؤكد الباحث كلاين "فهناك الجهات الراديكالية التي تدعو إلى بناء الهيكل الثالث، لكن هؤلاء يشكلون مجموعة صغيرة، وهناك مجموعة أكبر بكثير، وتريد الصلاة في الحرم، ويوجد في أطراف هاتين المجموعتين نشطاء، بعضهم علمانيين من حزب العمل، وبعضهم متدينين من شاس، وجميعهم يريدون وضع جبل الهيكل في مركز الهوية اليهودية الصهيونية، أي ليس أن القدس هي عاصمة إسرائيل فقط وقلب الهوية الصهيونية، وإنما جبل الهيكل هو قلب هذه الهوية، وهذا تغيير هائل مقارنة مع ما كان سائداً في إسرائيل قبل وبعد العام 1967، وحتى العام 2000، لأن الحرم حينذاك لم يكن رمزاً قومياً، وإنما الحائط المبكى (البراق) هو الذي كان الرمز، وكانت تجري في باحته مراسم يقسم فيها الجنود اليمين، وإقامة مراسم يوم الذكرى هناك، وكانوا يحضرون الضيوف، مثل الرئيس الأميركي أو البابا، إلى الحائط المبكى".

وتعتبر جمعية العاد الصهيونية (اختصار للعودة الى مدينة داود) أحد أهم الجمعيات التي تنشط في مجال سرقة أملاك الفلسطينيين، وإعادة احياء التراث اليهودي المزعوم داخل مدينة القدس، ويتركز نشاطها حاليا في ما يسمي "مدينة داود" والاستيطان في قلب سلوان، التي تعتبر حسب زعمهم أقيمت على أنقاض مدينة داود، وربما سيكون مثيراً لقارئنا الكريم ان يعرف ان من بين من يقفون على قيادة وتوجيه هذه الجمعية ايلي فيزل الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1986، يحظى بالجنسيتين الاسرائيلية والأمريكية، وصديق مقرب لأوباما ولنتنياهو، وله تأثير كبير على الأول، وعاموس يدلين وهو المسؤول الأسبق لجهاز الاستخبارات "امان" ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ومسؤولين آخرين في أجهزة الشرطة والأمن ومؤسسات الحكم المحلي وداخل الاحزاب الإسرائيلية، أي انها ليست مجرد جمعية متطرفة عنصرية تقف على هامش المشهد الاسرائيلي كما يحلو للإعلام الاسرائيلي تسويقها.

الهجمة الاسرائيلية المسعورة ضد مدينة القدس هي هجمة شاملة على المستوى القانوني والميداني والعنف المؤسسي؛ بحيث انها باتت تكشف صراحة وبكل وضوح طبيعة وجوهر الاهداف الصهيونية الساعية الى استكمال تهويد المدينة، وقطع الطريق عملياً – وقد تم ذلك – على حل الدولتين.

ولا يفيد الفلسطينيين في شيء التمسك بسياسات الدفاع الناعمة أو الارتهان للشرعية الدولية أو انتظار ومباركة والابتهاج بأي تصريح أممي يعبر عن القلق ويطالب اسرائيل بالمحافظة على الوضع الراهن، أو منتقداً سياسات البناء والتوسيع الاستيطاني، ففرض صيرورة الأمر الواقع بتهويد القدس وعزلها وتهجير سكانها والمضي قدماً نحو التقسيم المكاني والزماني للأقصى هو ما يهم الإسرائيليين، ولن يلتفتوا لأي أقوال أخرى، كما لن يبالوا بما يمكن أن يقول، وحسبهم فإن الأفعال على الأرض هي المهمة وهي القادرة مستقبلاً على تحديد وتقرير مستقبل المدينة، وسيضطر العالم لاحقاً قبول الوقع الجديد.