خبر المطلوبون الـ 18« .. أبقار خطرة على أمن »إسرائيل"

الساعة 01:49 م|04 نوفمبر 2014

الاناضول

يبدو فوز فيلم المخرج الفلسطيني الشاب عامر شوملي والمخرج الكندي بول كاون، بجائزة مهرجان أبو ظبي السينمائي، قبل أيام، عن فئة أفضل فيلم وثائقي من العالم العربي، مستحقا، ويكتسب أهمية مضاعفة لأكثر من سبب منها كونه يأتي بعد الحرب الطاحنة على غزة والتي استمرت أكثر من 50 يوما ارتفعت خلالها الأصوات التي تدعو الشعب إلى استعادة دوره في المقاومة الشعبية، في أضعف الإيمان، وتحديدا فيما يخص تفعيل المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.

من هذا المدخل يبدو الفيلم الذي عرض في رام الله بداية الأسبوع الجاري في عرضه الافتتاحي وبالنسخة الانجليزية مميزا، وإن عاد إلى الماضي قليلا من خلال الانتفاضة الأولى (1987 – 1993م) وتحديدا إلى بلدة بين ساحور (ذات الأغلبية المسيحية) ليسرد لنا أحد تجارب المقاومة في هذه الانتفاضة التي دفعت بالفلسطيني للتمرد على الاحتلال وممارسته وجعلت من صوته مسموعا على المستوى العالمي.

لا يتحدث الفيلم "المطلوبون الـ 18" في العموميات إنما يأخذ المخرجان قصة مدهشة بحق تتمثل بشراء أهالي البلدة لـ 18 بقرة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي ومقاطعة الشركة الإسرائيلية المصنعة للحليب "تنوفا"، وهو إجراء رافقه مجموعة من الفعاليات والممارسات النضالية هدفت لمقاطعة الاحتلال والصمود في وجه إجراءاته القمعية المتمثلة بسياسة منع التجول الذي كان يستمر لأشهر في بعض الأحيان بهدف تجويع الفلسطيني وتركيعه.

غير أنه ما لبثت أن تحولت البقرات الـ 18، وبطريقة كوميدية ساخرة، لمصدر خطر على دولة الاحتلال، يقول الضابط الإسرائيلي: "هذه البقرات تشكل خطرا على أمن دولة إسرائيل" بعد أن أصبح هاجسها أن تصبح بيت ساحور "البلدة النموذج".

نحن هنا إزاء حكاية حقيقية ومختلفة من ناحية قدرتها على حمل الرموز وطبيعة الأبطال الفاعلين فيها، وهو ما جعلنا إزاء فيلم ذكي ومتقن فنيا، فالبقرات ونضالها السلمي بالنسبة للأهالي كان عبارة عن حلمهم بالدولة والتحرر والاستقلال وليس مجرد مشروع لتحسين موقف معيشي أو الوصول إلى بعض المكاسب.

الفيلم يستعرض ويتنقل بين المناضلين الفلسطينيين والأبقار والشخصيات من الجيش الإسرائيلي وعبر أكثر من وسيلة فنية وينقلنا في النضال الشعبي الحقيقي الذي كان يشارك به الجميع وصولا إلى نهاية المطاردة المأساوية مع قدوم اتفاق أوسلو عام 1993 الذي جاء بشكل يخالف أحلام ورغبات الفلسطينيين في الداخل.

وبعد نفوق عدد كبير من البقرات خلال سنوات يتم نقل البقية عبر شاحنة للذبح، لكن بقرة تقوم بدفع ابنتها خارج الشاحنة لتركض بعيدا بعيدا رافضة هذا المصير المأساوي، وكما تقول الرواية الشعبية التي يفضل أهالي بيت ساحور تناقلها فإنها سكنت في الجبال القريبة، لنكتشف أن هذه البقرة البيضاء هي التي يبحث عنها المخرج، فهي ترمز للأمل والاستمرار في النضال الفلسطيني، ليعود الفيلم كما بدأ في كهوف الجبال الجرداء في بيت ساحور بحثا عن البقرة البيضاء.

يسمع الشاب الباحث عن أمل صوتها في أحد الكهوف يدخل أملا في أن يجدها، لتنتهي دقائق الفيلم لـ 75 التي وثقت تاريخا وجعلت الفلسطيني يشاهد نفسه ويكتشف مكامن قوته.

يبدو المخرج، وهو البطل المركزي والراوي في الفيلم، جامعا للحكاية الفلسطينية الضائعة، حكاية الأبطال الحقيقيين من الناس العاديين الذين قدموا حكايتهم وروايتهم عبر استعادة مضحكة ومؤلمة معا، فقدموا رؤيتهم النضالية الخالصة والمتمسكة بالثوابت الوطنية والمليئة بالأحلام العريضة وهم الذين همشتهم القيادة الفلسطينية الجديدة القادمة مع اتفاق أوسلو، وهو لأجل ذلك يعود إلى ذات الأماكن ويصور فيها ويتحدث مع ذات الشخوص ويعرفهم بصفاتهم التي كانوا عليها في الانتفاضة الأولى أملا في مزيد من الواقعية.

كما يعود لأرشيف المواطنين الشخصي من ملابس وأعلام ومواد مصورة ويستخدمها في بناء فيلمه بإتقان شديد، ليصل حتى أقصى درجات التأثير.

أما الأبقار اللاتي بدون محايدات تجاه الفلسطيني وإن تعاطفن معه فكن من طرح الأسئلة الملغزة في الفيلم والمثيرة للحيرة، فالبقرات اللواتي بكين عندما تم بيعهن للفلسطييين بكين أيضا عندما قرر الفلسطيني سوق ما تبقى منهن للذبح فجاء على لسان إحداهن "لقد تعرضنا للخيانة من الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني)" وفي موقف آخر تساءلت إحدى البقرات متعجبة: "لماذا لم يتمكنوا من العيش مع بعض بسلام".

الفيلم الذي تكلف إنتاجه ما يقارب المليون ومائتي ألف دولار قدم بناء محكما لجزء من تاريخ النضال الفلسطيني ولو من باب حكاية شعبية، تضمنت في جوهرها نقدا لاذعا للفلسطيني الذي قبِل الاتفاق.

وهو لذلك يتعمق في حكاية استشهاد المقاوم المسيحي أنطوان مع قرب التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى لسان المخرج عامر، الطفل وقتها، تساءل: "هل كان توديع أنطوان بهذه الحفاوة والجماهيرية توديعا للشهيد أم توديعا للانتفاضة والمقاومة الشعبية؟".

وتتداعي الأحداث المتسارعة بعدها ليأتي على لسان أحد المقاومين الشعبيين في الانتفاضة الأولى الذي كان مستغربا الفرحة الفلسطينية بالوصول إلى اتفاق أوسلو فلاذ هاربا إلى الجبال من ضجة الناس وصخبهم بالاتفاق الموقع مؤكدا "كأننا اغتصبنا وها نحن نحتفل بذلك".

الفيلم يتابع وعبر مقابلات مع مقاومي البلدة نقده للحالة الفلسطينية ناقلا إحساسهم بالخيانة من فعل القيادة الفلسطينية بالخارج، فهي من وجهة نظرهم قررت وقف مقاومتهم الشعبية واستبدلتهم بقيادات من الخارج.

هذا النقد المبطن يعتبر ربما الأول سينمائيا على المستوى الوثائقي وذلك عبر الاتكاء على حكايات بسطاء المواطنين، نقد يبتعد كثيرا عن صيغة الخطاب السياسي المليء بالأيديولوجيا والانقسام ويقترب من الناس ومشاعرهم وأحلامهم، وهو ما يجعله يقينا توثيقا مختلفا فنيا لمرحلة ثرية وملهمة من تاريخ النضال الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى 1987.

فالشكل الفني والتقني الذي استغرق من المخرج ومساعده سنوات خمسة من العمل دمج بين التحريك والتمثيل الدرامي والعمل الوثائقي، وبين هذه الأنواع الفنية تحرك الفيلم بسلاسة من يصطاد الدمعة من وسط الابتسامة.

يشار إلى أن عامر الشوملي كان قد تخرج في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية عام 2003، بتخصص الهندسة المعمارية، وحصل على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة، تخصص رسوم متحركة من بريطانيا.