خبر هل ستنهي إسرائيل حصار غزة؟

الساعة 07:20 م|19 سبتمبر 2014

بقلم: شلومي الدار

ترجمة أطلس للدراسات

لديّ صديق طيب في غزة، صحفي اسمه معين الحلو، لقد عملنا سوية لسنوات طويلة، فقد اهتم هو بما يجري في إسرائيل، واهتممت إنا بما يجري في غزة، في السنوات الأخيرة أمكننا أن نتحدث عبر الهاتف فقط، وفي كل مرة كانت المحادثات بيننا محزنة أكثر ومحبطة، فقد تحدث إليّ بقلق عن وضعه الاقتصادي المتدهور، ولكنه حاول أن يبقي رقاقة من أمل، وأنهى كل محادثة معي بعبارة "تفاءل بالخير"، وأحيانا كان يضيف "ان لم نؤمن ونأمل خيراً فلن يأتي الخير".

هذا الأسبوع، في الـ 17 من سبتمبر تحدثنا مرة أخرى حدثني عن حياته ووضع عائلته بعد عملية "الجرف الصامد" وقال لي انه أفلس تماماً، وهذه المرة لم ينهِ حديثه بعبارته المعهودة "تفاءل بالخير"، بل قال "إن لم يتغير الحال إلى الأفضل في حياتنا خلال أسابيع قليلة" أقر جازماُ "ستندلع قريباً حرب أخرى، لا يمكن العيش على هذا النحو أكثر، ليس لدينا بعد ما نخسره، لقد تأمل الناس أن يحدث شيء ما بعد الحرب أو أن نشعر بالتغيير، أن نتنفس هواءً نقياً آخر الأمر، لكن لم يتغير شيء"، حسب قول صديقي هذا هو الشعور الذي يراود معظم، إن لم يكن كل، سكان القطاع، اليأس وانقطاع الأمل.

في الأسبوع الماضي (16 سبتمبر) توصلت حماس وإسرائيل إلى تفاهمات بشأن عملية إعمار غزة، ولكن لا يزال الأمر حالياً مقتصراً على إدخال معدات ومواد البناء لترميم الدمار الذي خلفته الحرب، مر شهر تقريباً على انتهاء العملية العسكرية في غزة؛ وما زالت مدارس الأونروا وعشرات المنشآت الحكومية الأخرى مأهولة بعشرات آلاف الغزيين الذين فقدوا منازلهم التي دمرت بشكل كامل أو جزئي، وجميعها غير صالحة للسكن.

حتى لو أدخلت إسرائيل جميع مواد البناء المطلوبة، وبدون تأخير من أي نوع، فإن إعمار الدمار سيستمر أشهر طويلة، مشكلة غزة ليس فقط النقص في مواد البناء، فالإغلاق الذي آمن سكان القطاع انه سينتهي ما زال متواصلاً، عدا بعض التسهيلات، وإلى الآن فإن الصراع بين فتح وحماس كما هو، والصيغة التي ستمكن رجال عباس من الوصول لإدارة معبر رفح لم تقرر بعد، والتفاهمات المتعلقة بزيادة مسافة الصيد البحري لم تنفذ بعد، فوفق الاتفاق بين اسرائيل وحماس فإن مسافة الصيد كان يجب ان تزيد من 3 ميل بحري إلى 6 ميل، ولكن الصيادين يزعمون انه إذا تجاوزوا الأربعة أميال فإن السفن الحربية الاسرائيلية تطلق النار عليهم وتجبرهم على العودة الى منطقة الشاطئ القصيرة، حيث إمكانية الصيد فيها قليلة جداً، زيادة مسافة الصيد هي أمر حيوي ضروري لسكان القطاع، في ظل المساحة الضيقة للقطاع فقد تحول البحر إلى مصدر رئيسي للدخل.

الاقتصاد الغزي المحتضر تضرر بصورة كبيرة جداً في عملية "الجرف الصامد"، عشرات المصانع التي شغلت آلاف العمال دمرت تماماً، ومئات المصالح الصغرى أيضاً قد دمرت، عدد العاطلين عن العمل ارتفع بشكل كبير، ووفق التقديرات الغير رسمية فقد تعدت النسبة حاجز الـ 50%، بل وأكثر من ذلك مجموعة خيارات التوظيف في غزة تتضمن ثلاثة مهن بقيت مستقرة بشكل نسبي: الصيد والصحافة والخدمة في الاجهزة الامنية التابعة لحماس، ولكن الذين يجدون فرص العمل هذه وجاد عليهم قدرهم بالرزق مثل صديقي معين لا يجدون الرزق الكريم ويخشون القادم كل يوم.

أثناء العملية العسكرية أصرت إسرائيل وبحق على ألا تقدم لحماس أي انجاز سياسي، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زعم بعد تحقق وقف إطلاق النار ان حماس تلقت ضربات موجعة وأنها لم تحقق أي انجاز، وبناءً على التقارير والشهادات من غزة اليوم يبدو ان نتنياهو قد صدق، ولكن حالياً، وبعد انتهاء العملية، حان وقت الاهتمام بالواقع الذي يحياه الغزيون، والاهتمام بمستقبلهم وبوقف الدوافع للحرب الجديدة القادمة.

مواصلة الاغلاق تهديد حقيقي لأمن إسرائيل؛ إذ انه يدفع سكانه اليائسين للاستعداد لحرب لا مفر منها، لذلك على إسرائيل أن تبدي تفهماً بشأن التسهيلات على غزة، فما دون تفاهمات وقف إطلاق النار يجب ان نتحرك على أساس الدوافع الانسانية على الأقل، ومن خلال فهم مصلحة إسرائيل.

المعضلة لا شك كبيرة؛ فان فُك الحصار ستتقوى حماس، وقد تستغل المواد الخام وفتح المعابر للتسلح ومواصلة طريقها، ومن ناحية أخرى لا يمكن مواصلة الإغلاق للأبد، فإن السكان اليائسين الذي ليس لديهم ما يخسروه هم في الحقيقة أكثر خطراً من كل سلاح حماس، التوجه الواضح الذي انتهجته اسرائيل بأنها لا تسعى الى تقويض حكم حماس في غزة، وسلمت بوجودها كجهة مسئولة يملي عليها إلى اتخاذ قرار بشأن مواصلة الإغلاق لم يعد ضرورة أمنية إسرائيلية، وعليها ان تعمل وبطريقة أحادية على فكه (وبطبيعة الحال مع قيود واستثناءات ملحة).

غالبية سكان القطاع يعلمون الحقيقة المؤلمة؛ انهم، ورغم الثمن الباهظ الذي دفعوه، فإن الحرب لم تحسن أوضاعهم، لذلك فإن الرغبة الاسرائيلية في الاثبات لحماس أنها لم تحقق شيئاً لم تعد عملية بعد الآن، وأكثر من ذلك فإنها خطيرة، يوجد الكثير من الالتزامات التي علينا ان نقدمها لسكان القطاع، والتي ليس بالضرورة يمكن ان تحتسب كإنجازات لحماس؛ مثلاً تسريع ترميم محطة الطاقة التي قصفتها إسرائيل في الحرب، محطة الطاقة هدف سهل للجيش الإسرائيلي، الذي قصفها ثلاثة مرات بعد اختطاف شاليط، وفي عملية "عامود السحاب"، والآن في "الجرف الصامد" مرة أخرى يثبت ان ضربها لم يشكل رادعاً، وإنما مجرد وجع رأس في اليوم الذي يلي الحرب، بدون التيار الكهربائي المنتظم لا يمكن إعادة الحياة الى مسار مقبول في غزة، ومن غير الممكن ترميم التجارة والصناعة المتضررين.

ملخص القول على إسرائيل أن تبادر الآن بفك الحصار عن غزة بطريقة مدروسة، ليس بسبب تفاهمات وقف إطلاق النار، وإنما من خلال الفهم ان ذلك من شأنه ان يمنع الحرب القادمة.