خبر ضرر بازاء كارثة -يديعوت

الساعة 10:14 ص|15 سبتمبر 2014

ضرر بازاء كارثة -يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: رفض الخدمة في وحدات الجيش الاسرائيلي ضرر واضح لكن سياسة اسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة كارثة لمستقبل دولة اسرائيل - المصدر).

صحيح أنهم مدللون؛ وصحيح أنهم يُنفسون عن ضيق؛ وصحيح أنهم صبيانيون غارقون في أنفسهم مُبلبلون بين الغث والسمين؛ بيد أنهم ليسوا شيئا واحدا: إنهم ليسوا كاذبين.

إن رسالة الرفض التي أرسلها في نهاية الاسبوع الماضي 43 من خريجي الوحدة 8200 أتاحت فرصة لكل سياسي ولكل ضابط متقاعد ولكل ثرثار في الشبكة ليتظاهر بأنه وطني على حساب الكاتبين. يأتي الى الوحدة 8200 على نحو عام شباب موهوبون ذوو ذكاء عالٍ وقدرات مميزة في مجالات تقنية. إن الغنى كبير لكنه لا يضمن لذويه عقلا سديدا ونضجا نفسيا وذكاءً سياسيا.

 

إن رفض الخدمة العسكرية في الواقع الاسرائيلي عصا مرتدة، فبدل أن يفضي الى تغيير السياسة على وفق تصورات الرافض يفضي الى عكس ذلك، أي الى انطواء الجهاز تحت درعه، وخنق الآراء الشاذة والاحتشاد تحت ظل اجماع وهمي. ويصح هذا ايضا على الرفض من اليمين والرفض من اليسار ايضا، وقد برهنت تجربة السنين على أنهما يثيران ضجيجا كبيرا جدا لكنهما يحرزان القليل جدا.

 

يتعلق ضرر ممكن آخر بالجانب العملياتي. إن الوحدة 8200 أداة مركزية في عمل جمع المعلومات الاستخبارية. والضباط والجنود الذين عملهم جمع المعلومات لا يعلمون دائما ولا يفترض أن يعلموا ماذا ستكون استعمالات المعلومات التي جُمعت، اذا استُعملت أصلا. وهذه هي طبيعة المجال الاستخباري، فهو ليس معقما. وهو لا يشمئز من استعمال مشكلات أناس أبرياء ومواطن الضعف الشخصي للأعداء أو الأعداء المحتملين، والخداع والتلاعب. ومن لم يكن قادرا على تحمل روائح هذا المطبخ فيحسن أن يخدم في مكان أقل فخامة شأن وأقل اثارة للاهتمام وأقل جدوى في الحياة المدنية في المستقبل.

 

وقّع 43 ممن يخدمون الخدمة الاحتياطية على الرسالة، ونشك أنهم يعلمون بمقدار رمزية هذا العدد: ففي 1939 اعتقل البريطانيون في سجن عكا 43 شابا يهوديا مسلحا من خريجي دورة النخبة في الهاغاناة، بينهم لواء المستقبل موشيه كرميل ورئيس اركان المستقبل موشيه ديان. والمقارنة بين العددين لا تُطري الـ 43 رافضا من الوحدة 8200.

 

في لقاء صحفي أجراه رافضو الوحدة 8200 مع مراسل "يديعوت احرونوت" اليئور ليفي، وصفوا واقعا مقلقا في صعيدين. أما الصعيد الاول فعسكري محض إذ تحدثوا عن تغلغل فظ

 

بلا حواجز ودون حاجات امنية بل لاجل استراق النظر، على حياة غير المشاركين الخاصة، ونحن نعرف ظواهر مشابهة من اجهزة استخبارات اجنبية ومما حدث في الماضي ايضا في شرطة اسرائيل. إن اللقاء بين ما تستطيع أعاجيب التقنية فعله وما تستطيع غريزة اختلاس النظر البشرية، إحداثه يولد الفساد والبهيمية. وكان يجوز أن نتوقع أن يرد الجهاز العسكري على هذه الدعوى بالتزام الفحص والتقييم. وحظينا بدل ذلك بانكار شامل – انكار أثار ابتسامة مُرة على شفتي كل من يعرف الواقع في الجهاز.

 

وتتعلق حقيقة لا تقل مضايقة بالعلاقات المركبة بيننا وبين الفلسطينيين. فمن السهل أن نعتقد في عالم ذرة ايراني أو قائد من داعش أو ضابط في الجيش السوري أنه عدو. لكنه أعقد من ذلك أن نرى امرأة مريضة بالسرطان في غزة، أن نراها عدواً. إن الاحتلال مُفسد، كما يقول الرافضون من 8200، وهم صادقون. ففي أحسن الحالات تمنع المعلومات التي يجمعونها عملية، لكنها في حالات كثيرة اخرى تخدم شر الاحتلال وتعسفه وغباءه، أو تُهييء رزمة حسنة لسياسة كاذبة للحكومة.

 

أُجري لقاء في يوم السبت في القناة الثانية مع اللواء (المتقاعد) عاموس جلعاد، وهو من مهندسي السيطرة الاسرائيلية على الفلسطينيين. وأنكر بابراء للذمة مزاعم كُتاب الرسالة ولم يدرك أنه أحد المذنبين. فجلعاد أحكم الحصار على غزة بحيث لم يكن يجوز ادخال قطن الحيض بأمر منه. وكان يجوز ادخال الاسمنت – لانفاق في رفح؛ أما لعب الاطفال من كيرم شالوم فلا بأي حال من الاحوال. ولو أنه استطاع أن يجند الوحدة 8200 لتفحص عما يجري في ملابس نساء غزة الداخلية لفعل ذلك ايضا.

 

الرفض ضرر؛ والسياسة الاسرائيلية كارثة. والاختيار متروك لنا بين ما هو أكثر سُما وأكثر خطرا على مستقبل دولة اسرائيل.