خبر اتفاق الهدنة يرضي اسرائيل - هآرتس

الساعة 10:17 ص|27 أغسطس 2014

بقلم: تسفي برئيل

إن اتفاق الهدنة بحساب النقاط لا يمنح حماس أية صورة انتصار أو ربحا فوريا. وقد مجدت الخطبة الفصيحة لزعيم الجهاد الاسلامي رمضان عبد الله شلح، والمقابلة الصحفية المفصلة مع ممثل حماس عزت الرشق، بطولة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود في وجه الجيش الاسرائيلي. لكنهما عرّفا الانجاز والنصر بأنهما "عدم نسيان القضية الفلسطينية" و"احباط مؤامرات العدو الصهيوني وابطال قدرته الردعية"، كما قال شلح.

يصعب أن نجد في مواد اتفاق الهدنة المعدودة فروقا جوهرية بالقياس بالاقتراح المصري الأصلي إلا اذا كانت توجد "ورقة سرية" تصاحب الاتفاق، لا ينشرونها. فقد تمت الموافقة على فتح المعابر وادخال سلع ومعدات انسانية بل مواد بناء وتوسيع منطقة الصيد الى 6 أميال بحرية قبل شهر وقبل اسبوعين بعد ذلك. ولم يتحدث أحد بعد عن التزام انشاء ميناء أو مطار، بل إن فتح معبر رفح ما زال يخضع لتباحث منفصل بين الفلسطينيين والمصريين. وفي هذه المرحلة يعتمد الاتفاق في الأساس على تفاهمات عمود السحاب وتستطيع اسرائيل أن تقول في ظاهر الامر إنها أصابت هدفها وهو الهدوء مقابل الهدوء، وتدمير الانفاق.

        لكن ذلك هو ما قبل الاتفاق فقط، أما وقت الاتفاق المهم والجوهري فسيحين بعد شهر حينما يُدعى الطرفان الى القاهرة للتباحث في الامور الجوهرية كالميناء والمطار وتسريح الأسرى وسبل تعمير غزة. وخلال الشهر القريب سيُختبر نفاذ واستقرار الهدنة وهنا يكمن ايضا التجديد في الاتفاق المرحلي الذي لا يحدد أجلاً لنهاية الهدنة. وتوافق اسرائيل لأول مرة على مسار بناء ثقة بينها وبين الادارة الفلسطينية بحيث تشارك هذه المرة في بناء هذه الثقة حماس والجهاد الاسلامي ايضا. ولن تكون المحادثات والتفاوض مباشرين حقا لكن من الواضح تماما أنه اتفاق فلسطيني عام مع حكومة اسرائيل.

        وبذلك لا تحظى الادارة الفلسطينية الموحدة فقط باعتراف اسرائيلي كامل بل بموافقة اسرائيلية صريحة على أنه لا ينبغي الفصل بين الضفة والقطاع بعد الآن. ومن غير هذين الاعترافين لن يكون معنى تنفيذي للاتفاق المرحلي وللاتفاقات التي ستأتي بعده، وهكذا تصبح حماس وسائر المنظمات ايضا في نظر اسرائيل جزءا لا ينفصل عن الكيان السياسي الفلسطيني الذي ستضطر اسرائيل الى اجراء المسيرة السياسية العامة في المستقبل معه ايضا.

        وهنا ايضا تكمن أهمية السؤال الذي سأله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطبته: "ماذا بعد؟ هل حُكم علينا أن نُدفع الى حرب بعد سنة أو سنتين؟". وأجاب عن ذلك جوابا غير واضح يقول إن القيادات الفلسطينية ستضطر الى التباحث في ذلك في المستقبل. واختفت "المفاجأة" التي وعد بعرضها في بداية الاسبوع وكأنها لم تكن، ولم يكن أي ذكر لخطوات سياسية كالتوقيع على ميثاق روما، ودستور محكمة الجنايات الدولية، ولم يكن أي طلب الى الامم المتحدة أن تضرب أجلا مسمى لانهاء الاحتلال، وقد يأتي ذلك فيما يلي من الزمان، لكن يبدو أن عباس ينتظر اجراءا آخر أساسه التوصل الى وضع تتحول فيه المنظمات الفلسطينية الى حركات سياسية تضمن نزع سلاحها حينما يوقع على اتفاق سلام.

        قال شخص فلسطيني رفيع المستوى لصحيفة "هآرتس" إن حماس اليوم في معضلة شديدة بسبب صعاب اعادة بناء قوتها العسكرية والقضاء على جزء كبير من مخزون سلاحها. ومع عدم وجود أنفاق ومع كون مصر كلب الحراسة للحدود في سيناء، "ستضطر حماس أن تقرر هل تتجه الى السياسة أم الى استمرار الكفاح المسلح الذي لم يأتها بالنصر"، قال ذلك الشخص. ولن يكون تعمير غزة فقط نصب عيون رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل وزعيم الجهاد الاسلامي شلح بل اعادة بناء العلاقات بمصر التي أصبحت الضامنة الوحيدة لتنفيذ الاتفاق. وبها تتعلق ايضا الصلة الاقتصادية والخارجية بين غزة والعالم.

        ويمس سؤال عباس "ماذا بعد؟"، مستقبل السلطة الفلسطينية ايضا وتنفيذ اتفاق المصالحة بين حماس وفتح. وسيترجم القتال في غزة الذي عرض جبهة فلسطينية موحدة الى النتائج السياسية في الساحة الفلسطينية ايضا. فهل ستطلب حماس مثلا اجراء انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني في الموعد الذي حدد قبل الحرب، أي في نهاية السنة أو في مطلع السنة القادمة، أم تخشى أن تقلل نتائج الدمار والقتل تأييدها تقليلا كبيرا؟ وهل تستطيع أن تعترض على قرارات عباس بتهديد عسكري بازاء اتفاق الهدنة أم تضطر الى المهادنة؟ والسؤال الجوهري الذي ينبع من ذلك هو هل تساعد الحرب على تجديد المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين؟.

        تكمن الاجوبة عن ذلك قبل كل شيء في فترة "بناء الثقة" الاولى التي بدأت أمس التي يضع اتفاق الهدنة أسسها، وستبدأ الفترة الثانية مع بدء التفاوض في المواضيع الجوهرية التي لن توجب فقط اتفاقات تقنية على رقابة وسيطرة بل توجب ايضا تصورا استراتيجيا يحدد هل اسرائيل مستعدة للبدء ببناء الاستقلال السياسي للدولة الفلسطينية بواسطة مطار وميناء دون أن ترى ذلك انجازا خاصا لحماس بل للادارة الفلسطينية؟.