خبر مفاخر غزة- يديعوت

الساعة 08:26 ص|25 أغسطس 2014

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: ليست غزة كلها أنفاقا وارهابا بل فيها بشر يحبون السلام واشياء تستهوي الزائر والناس جميعا - المصدر).

 

ليس العنوان أعلاه خطأ في الطباعة. كتب صحفي معروف يحبه اليسار الاوروبي كثيرا، كتب ذات مرة عن غزة أنها "إبط الشرق الاوسط". وقد مات ذاك الرجل قبل بضع سنوات ولهذا لن أذكر اسمه، وعلمني هذا الحكم الذي أصدره بخفة قلمه القليل جدا عن غزة والكثير جدا عن صنف ما من اليسار ويسار تعليلات الديودورونت. إن رائحة مخيمات اللاجئين في غزة لا تعجبه؛ ورائحة جنود الجيش الاسرائيلي لا تعجبه؛ فالعرق يثير اشمئزازه والقذارة تخيفه اخلاقيا، وهو لا يستطيع أن يتحمل سوى عطر الصالونات المرتبة في ايطاليا والسويد والبلدان جميعا. وذوقه شديد التأنق.

 

إن غزة مثل كل مكان يعيش فيه بشر هي اشياء كثيرة. وقد تمت آخر زيارة لي لمخيم اللاجئين رفح في آذار 2003 بعد وقت قصير من سحق جرافة دي9 للجيش الاسرائيلي كانت تبحث عن انفاق، لريتشل كوري، وهي شابة امريكية حاولت أن تصد الجرافة بجسدها. وقد تجولت في أزقة مخيم اللاجئين يصاحبني اثنان من الامن الوقائي الفلسطيني، ولم أدعهما لكنهما أصرا فقد زعما أنه تترصدنا في الاطراف عناصر عدوة وأن حياتهما وحياتي في خطر.

 

لكنه امتد ورائي صف طويل مشجع من الرجال أرادوا شيئا واحدا وهو أن اقرأ السلام على الاصدقاء اليهود في المطاعم التي كانوا يعملون فيها ذات مرة، وعلى رب العمل اليهودي الذي ربما يتذكرهم وعلى صاحب المنزل في جنوب تل ابيب الذي سكنوا عنده. وكانوا يتحدثون بلغة عبرية طليقة، فقد مر وقت كنت كلما نزلت فيه في السلم الاجتماعي الفلسطيني تحسن مستوى العبرية، وكانوا يتحدثون في توق وحسد وشوق الى الحياة في اسرائيل. وكانت تل ابيب عندهم أملا مشتهى مثل نيويورك عند عدد من الاسرائيليين في تل ابيب. وكانت سيارات التندر التي تقف في الأزقة تحمل بفخر اسماء المصالح التي سرقت منها ولم يجهد أحد نفسه في محو الكتابات باللغة العبرية كما يفعل اليوم متطرفو اليمين بلافتات الطرق التي توجد عليها كتابات باللغة العربية.

 

إنه مما يكرث 1.9 مليون فلسطيني يعيشون في غزة أنهم لم يوجدوا قط في مقدمة اهتمامات أحد. في سنة 1948 كان هناك توجيه غير مكتوب وغير موثق الى اخلاء الجنوب كله من العرب، ما عدا أفرادا، ومن لم يهرب طُرد الى غزة.

 

لم يكن الغزيون في مقدمة اهتمامات المصريين الذين اضطهدوهم ورفضوا منحهم الجنسية المصرية، ولا في مقدمة اهتمامات الجامعة العربية والامم المتحدة اللتين فضلتا تأبيد تعلق اللاجئين ومسكنتهم بدل اعادة

 

تأهيلهم؛ ولا في مقدمة اهتمامات اسرائيل التي أهملتهم واضطهدتهم في مدة 27 سنة احتلال؛ ولا في مقدمة اهتمامات السلطة الفلسطينية التي جعلت القدس والضفة غاية فرحها؛ ولا في مقدمة اهتمامات حماس التي رأت أن غزة قاعدة ورأس حربة لكنها أنفقت معظم مواردها على الارهاب.

 

 

وبرغم ذلك لم تخرج الكراهية والتطرف الديني والعنف والارهاب فقط من غزة، فغزة هي ايضا اسماك طازجة في مطاعم على ساحل البحر ورمال واشجار نخيل في ساحل المواسي الذهبي، وهي في الأساس بشر. أجريت لقاءا قبل بضعة اسابيع بالهاتف مع راضي أبو ذياب، وهو غزي باحث عن السلام غادر غزة الى مصر بعد سيطرة حماس عليها، وجاءها زائرا قبيل العملية فعلق فيها. وليس هو وحيدا في مدينته. إن نسبة القطاع وسكانه الى الشيطانية تشوه الواقع وتجعل احراز حل صعبا.

 

خلال عملية الجرف الصامد بلغت مع المظليين الى اطراف خانيونس وهي مدينة كنت قد عرفتها جيدا من خدمتي الاحتياطية. ورأيت الانفاق التي حفرت هناك قبالة كيبوتس نيريم لكنني رأيت ايضا الحقول الخضراء التي ينبت فيها الباذنجان، وكروم الزيتون والدفيئات. فليست غزة كلها أنفاقا.

 

قال اسحق رابين ذات مرة إنه يريد أن يُغرق غزة في البحر. وكانت هذه الجملة مثل عدة جمل ساحقة اخرى لرابين أصيلة أكثر من كونها حكيمة. وكانت من البطن أكثر من أن تكون من الرأس. إن غزة ستكون هنا دائما شئنا أم لم نشأ، واذا لم نجد طريقة للعيش معها، ولم نجد طريقة لتعميرها وتطويرها فستعود وتُذكرنا بوجودها بصورة قاسية صعبة. ومن لم يستطع أن يحتمل غزة بسبب الرائحة فسيلقاها بطريق الدم.