تقرير مدينة رفح"...خرابٌ يُبصرّه الأعمى

الساعة 12:58 م|04 أغسطس 2014

وكالات

(هيا يا أبي، لنهرب بعيدا عن شظايا الموت) يصرخ الشاب نضال أبو جزر"23 عاما" وهو يُمسك بيد أبيه الكفيف، ويحاول جاهدا أنّ يمر بين أكوام البيوت المقصوفة، والتي تحولت طوابقها إلى أكوام من الحجارة الصغيرة.

ويصيح الأب " جابر" (56 عاما) "يا الله، ما هذا الدمار والخراب؟"، وترتفع صيحات غضبه مع كل خطوة في شوارع مدينة رفح المنكوبة والمتشحّة بالسواد.

ولا يحتاج الكفيف أبو جزر لعينين، تلتقطان ما آلت إليه مدينة رفح بفعل القصف الإسرائيلي المستمر على أحيائها لليوم الرابع على التوالي، فالطرقات التي تداخلت أعمدتها وحجارتها أسقطته أرضا، في صورة حيّة لخراب المدينة.

ويقول الابن لوكالة الأناضول: " كأن أبصر أبي اليوم.. لقد كان شاهدا على دمار رفح، كان في السابق يسير بعكازه، أو يستعين بي، ويسير بكل أريحية، الآن، لم يكن قادرا على المشي ولو خطوة، كان يتعثر بالركام، وبالأنقاض".

ويستدرك بصوتٍ هو أقرب للبكاء: " مشهد الخراب، في مدينة رفح بات يُبصره المكفوفين، فأي عصا يحملونها لا فائدة لها، أمام جبال الأنقاض، وروائح الجثث المتحلّلة، وصرخات الأطفال الذين لا يعرفون أين ذهبت أمهاتهم وآبائهم".

ويقول الصحفي هاني الشاعر، مراسل وكالة الأناضول في "رفح"، إنّ المدينة وخاصة الأحياء الشرقية منها، "تحتاج إلى لغة جديدة كي يتم توصيف حقيقة ما يجري هناك".

ويستدرك الشاعر: " المأساة كبيرة، والمشاهد مروعة وصادمة، المنازل مدمرة على رؤوس ساكينها، الدواجن والأغنام في المزارع، أبيدت، المدارس بمن فيها يتم قصفها، لليوم الرابع والقصف المدفعي والجوي يتواصل على المدينة، ويتم السماح بين الفينة والأخرى لطواقم الإسعاف بانتشال جثامين الشهداء".

وما زالت آلة الحرب الإسرائيلية لليوم الرابع على التوالي، تفتك بسكان مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وتحولهم إلى أرقام تعجز الطواقم الطبيّة عن الخروج بحصيلة نهائية، تروي فاجعة ما يدور هناك تحت أنقاض البيوت وركام الأزقة والشوارع.

ولم تنتهِ، كما يؤكد "أشرف القدرة"، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أطقم الإسعاف من انتشال كافة جثامين الشهداء والجرحى في المدينة.

ويقول القدرة، في تصريح لوكالة الأناضول، إنّ ما يجري في رفح عبارة عن مجزرة بشعة لم يتم الكشف عن كامل تفاصيلها.

وبحسب القدرة، فإن أكثر من 200 فلسطيني استشهدوا، فيما جرح المئات في مدينة رفح، حتى اللحظة، مرجحا أن تكشف الساعات القادمة عما وصفه بـ"مأساة" حقيقية.

وحتى ظهر اليوم انتشلت الطواقم الطبية 8 جثامين بعضها لا يزال مجهولا، يُضاف إلى عشرات الجثامين المجهولة.

وتعرض مستشفى أبو يوسف النجار (أكبر وأهم مستشفيات مدينة رفح) لقصف من المدفعية الإسرائيلية، ما اضطر إدارة المستشفى إلى إخلائه تماما، والامتناع عن نقل جرحى الغارات الإسرائيلية إليه خشية من استهدافه مجددا.

وأعلن الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين أنه سيلتزم بـ "تهدئة إنسانية" لسبع ساعات في غالبية مناطق قطاع غزة، باستثناء المنطقة الواقعة شرق مدينة رفح بجنوب القطاع "حيث تستمر المواجهات ولا يزال هناك انتشار عسكري إسرائيلي.

من جانبها، رفضت حركة حماس الهدنة قائلة على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري في بيان له إن "التهدئة المعلنة إسرائيليا في غزة هي من طرف واحد وتهدف لصرف الأنظار عن المجازر ونحن لا نثق بها".

ولو أنّ القصف الإسرائيلي يتوقف، ولو لساعات كما يقول "حسن عبيد" "26 عاما" فإن مأساة كبيرة ستتكشف، ولن تتمكن وفق رأيه كل كاميرات الدنيا على توثيق بشاعة الحدث في "رفح".

ويُضيف لوكالة الأناضول: " للتو انتشلنا جثة لطفل رضيع، لا ندري إن كان أهله، أحياء أم موتى، ونحن هنا إما (نموت) بفعل القصف، أو نبحث عن ناجين، بين الأنقاض".

والشهداء هنا بالعشرات كما تقول هبة خضر "46 عاما"، فثمة مجازر، في كافة أحياء رفح، كما تقول لوكالة الأناضول.

وفي كل يوم يتم استهداف عشرات البيوت، وتدميرها على رؤوس ساكنيها، وتحول الطائرات الحربية الإسرائيلية أجساد الأطفال والنساء إلى أشلاء.

وتبدو الأوضاع في مستشفيي "الكويتي"، و"الهلال الإماراتي"، كارثية، كما يقول أطباء من هناك، مع اكتظاظ المستشفيين الصغيرين بعشرات الجرحى، والقتلى.

والمستشفى الكويتي هو مستشفى تخصصي صغير، أما الإماراتي فهو مستشفى نساء وولادة، وهما غير مؤهلان للعمل كمستشفيي طوارئ، وإجراء العمليات الجراحية الصعبة والمعقدّة.

وأي سيارة إسعاف تنتقل من رفح إلى مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، يتم استهدافها من قبل الجيش الإسرائيلي على الفور.

ويقول أحد الأطباء، في مدينة رفح إن جثامين الشهداء توضع في ثلاجات حفظ الخضروات، والورود بينما يتم وضع جثث الأطفال في ثلاجات صغيرة مخصصة للمرطبات.

ويستدرك: " رفح باختصار مدينة و".