خبر قلة الانجازات تمنع اسرائيل وحماس من الاتفاق .. هآرتس

الساعة 08:11 ص|24 يوليو 2014

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: تُثار مرة اخرى تسوية "الهدوء يُرد عليه بالهدوء". واذا لم توجد هذه التسوية فستضطر اسرائيل الى أن تختار بين الاستمرار على ما تقوم به وبين عملية أكثر طموحا قد تجبي منها خسائر كثيرة - المصدر).

تباطأ أمس ايقاع القتال قليلا، وقل بقدر كبير عدد خسائر الجيش الاسرائيلي في القتال البري في قطاع غزة. واستمرت فرق من ألوية المشاة والكتائب الهندسية على جهودها للعثور على أنفاق على طول السياج الحدودي بين اسرائيل والقطاع وهي تلاقي في كل مرة محاولات هجوم من حماس. وقد قتل حتى ساعات المساء جندي من لواء المظليين وقتل عشرات من الفلسطينيين أكثرهم كما قال الجيش نشطاء مسلحون.

كشف الجيش الاسرائيلي الى أمس عن 28 نفق هجوم الى داخل اسرائيل، يصل نحو النصف منها الى الجانب الشرقي من السياج الحدودي ايضا. ويتم جهد تدمير الأنفاق على التوازي في كل القطاعات، لكن تصاحبه مشكلات تقنية مختلفة. ويقول القادة إنه سيُحتاج الى بضعة أيام أخرى لاصابة ما للأنفاق كلها أو الى نحو من اسبوعين لعلاجها علاجا كاملا – والجيش مستعد للاحتمالين. وسيُتخذ القرار الحاسم بحسب سؤال هل يُحرز تقدم في المسار الموازي، أي السياسي.

إن زيارة الامين العام للامم المتحدة ووزير الخارجية الامريكي للمنطقة تثير اقتراحين بديلين يفحص الطرفان عنهما بالتوازي. فعلى حسب اقتراح الامم المتحدة يتم اعلان هدنة انسانية مدة غير محدودة وبعد دخولها حيز التنفيذ فورا تبدأ الاتصالات من اجل التسوية.

ويقترح الامريكيون بنية مختلفة قليلا هي العودة الى الاقتراح المصري الأصلي ("الهدوء مقابل الهدوء" وتنفيذ مجدد لتفاهمات عملية عمود السحاب في 2012)، مع بذل التزام خطي من القاهرة كما يبدو لحماس يبدأ معها بحسبه قريبا تفاوض في مطالبها الاقتصادية وهي فتح معبر رفح وضمان دفع الرواتب الى 43 ألفا من عمال الادارة في غزة بمساعدة مالية من الخليج. ورفضت اسرائيل اقتراحا آخر من الامم المتحدة لهدنة انسانية بضع ساعات بحجة أن حماس ستستغل الهدنة لتنظم نفسها مرة اخرى ولتجدد الهجمات على الجنود في القطاع.

تجد اسرائيل مزايا في الاقتراحين من الامم المتحدة والامريكيين لكنها لا تسارع الى الالتزام وتفضل أن تدع الجواب الاول لحماس. ويبدو أن سبب ذلك في الأساس صعوبة سياسية. فما زال عند الجمهور برغم خسائر الجيش الاسرائيلي تأييد لا يستهان به لاستمرار العملية. ويخشى رئيس الوزراء أن يوقفها وليس في يده انجاز عسكري يُرى مهما بقدر كاف ولا سيما بعد نجاح حماس في الدخول الى داخل اسرائيل مرتين بأنفاق وبازاء خسائر الجيش الاسرائيلي في هذه الحوادث وفي المعركة الشديدة للواء جولاني في حي الشجاعية.

لا تستطيع الحكومة، في الميزان الاسرائيلي، أن تتجاهل الخسائر ايضا وهي وقف طيران شركات طيران امريكية واوروبية الى اسرائيل بسبب سقوط القذيفة الصاروخية في يهود، واستمرار اطلاق الصواريخ على وسط الدولة وجنوبها كله مدة 15 يوما.

ولحماس صعابها ايضا، فالدمار ولا سيما في شمال القطاع عظيم، وقد زاد عدد القتلى على 600. إن الشجاعية يُعرض في الحقيقة على أنه اسطورة مقاومة وبطولة لكن الجرح الفاغر الذي خلفه تدمير الحي في صورة غزة يوجب على حماس أن تقدم تفسيرات لناسها ايضا.

يقول سكان في القطاع إنه ينتظرهم عيد فطر من جهنم. وسيوجه بعض هذه الاسئلة الى حماس. ويعمل الضغط في الاتجاهين: ارادة وقف استمرار النزف مع الخوف ايضا من أن يثير الوقف الآن دون انجاز جوهري (بالنسبة لحماس - ويكمن الانجاز في الجوانب الاقتصادية لتسوية الهدنة)، أن يثير غضب الجمهور في القطاع. لم توجد في غزة انتخابات منذ 2006، لكن يمكن أن نفرض أن قيادة حماس ايضا مصغية الى السكان الذين تحكمهم.

قد يستمر القتال اذا لم توجد تسوية سريعة، وستضطر اسرائيل الى أن تختار بين امكان أن تقوم بالشيء نفسه (تمشيط الانفاق وجباية ثمن من حماس على صورة المواجهة في الشجاعية) وبين الاتجاه الى اجراءات عسكرية أقل طموحا. والانطباع الحاصل هو أن هيئة القيادة العامة ما زالت تفضل عملية محدودة في الزمان والاهداف. إن التناسب بين قوتي الجيش الاسرائيلي وحماس يميل بوضوح الى الطرف الاسرائيلي – بالقوات والوسائل والخبرة القتالية – ويبدو أن الوحدات بدأت بعد بضعة ايام صعبة تواجه التحديات الجديدة مواجهة أفضل وعلى رأسها حقيقة أن حماس تُجري معركتها كلها تقريبا تحت الارض.

لكن يجب أن نقول بوضوح إن الذين يدعون الى عملية برية واسعة ويتخيلون احتلال المنطقة المأهولة من غزة كلها، لا ينظرون بجدية كافية الى القدرات التي طورتها حماس. فالقطاع اليوم ليس غزة في سنة 1967 بل ليس حتى مدن الضفة الغربية في عملية "السور الواقي"، فهو تحدٍ أصعب يمكن التغلب عليه بحسب تقديرات المختصين، لكن ثمن الخسائر لا يستهان به.

يصعب الآن أن نتناول تناولا عميقا مباشرا الفروق التي تظهر في أداء جهاز الأمن. فهو ما زال يقوم بجهد مضاعف ليهزم حماس في المواجهة العسكرية وليقنع الجمهور في البلاد بأننا لم ننتصر فقط بل اتخذنا في الطريق الى هناك كل القرارات الصحيحة ايضا.

إن للعملية البرية على الانفاق تسويغا كاملا بسبب التهديد الامني الملح. ويحظى الثلاثة، نتنياهو ويعلون وغانتس، بالمدح على الاتساق في العمل المشترك للقيادة العليا بخلاف ما كان في ايام لبنان الثانية والرصاص المصبوب، وعلى سلوكه الحذر في اتخاذ القرارات. لكنه حتى لو وجد الآن متحدثون رسميون ومحللون غير رسميين يزعمون غير ذلك فانه يصعب تجاهل حقيقة ذات أهمية. ففي معركة العقول بين اسرائيل وحماس، أعدت حماس لاسرائيل مفاجأة حقيقية باستعمال الانفاق الهجومية. وقد طور مستوى استعداد وأهبة المنظمة بصورة ملحوظة في السنوات الخمس ونصف السنة التي مرت بين الرصاص المصبوب والعملية الحالية.

إن الرجل الذي يقف وراء هذا العمل هو المطلوب القديم محمد ضيف الذي عاد الى رئاسة الذراع العسكرية بعد تصفية احمد الجعبري في نهاية 2012. ويقول الفلسطينيون إن الجعبري لم يكن يعمل في الاشهر التي سبقت موته مثل قائد ارهاب بل أغراه الخروج لبقاء طويل في مصر بعد أن أخرجته الاجهزة الاستخبارية هناك من الحصار الغزي الى فنادق القاهرة وقت اجراء التفاوض في صفقة شليط.

وعمل ضيف الذي جرح جرحا بليغا بعدد من محاولات الاغتيال الاسرائيلية، بخلاف ذلك، فقد أعطى كل مجهوده في مشروع حفر عشرات الانفاق التي أُعدت ليوم الفصل. لكن يجب الى الآن أن نرى هل قرأت اسرائيل الصورة قراءة صحيحة وهل لاحظت في الوقت المناسب المسار الاستراتيجي الذي قاده ضيف حينما دفع منظمته الى المعركة الحالية.

في صباح يوم الاثنين حينما كان مقاتلو لواء الشباب الطلائعيين يمشطون محور نفق في بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع، خرج أكثر من عشرة مخربين من داخل بئر في الطرف الثاني قرب كيبوتس نير عام. وقتل في المواجهة معهم قائد الكتيبة من مدرسة الضباط وثلاثة من رجاله. ويُقدرون في الجيش أن الخلية وهي من القوة الخاصة في حماس، نزلت الى النفق قبل ذلك وانتظرت. وحينما أدركوا في المنظمة أنه تم الكشف عن النفق هاجمت الخلية في الطرف الآخر في داخل اسرائيل.

ومن المحتمل أن تكون حماس تسلك السلوك نفسه في حالات اخرى. فقبل أن يدمر الجيش الاسرائيلي النفق يستعمل ضيف اوراق اللعب التي في يده. وهذا من جهة عسكرية ثمن يصاحب القتال في نطاق كهذا، لكن سيكون من الخطأ الاستهانة بمستوى الأداء الذي نجحت حماس في اظهاره هنا. ولا يمكن ايضا أن ننفي امكان أن يحاول حزب الله أن يُعد منظومة أنفاق مشابهة على حدود لبنان برغم أن حفر الارض هناك أصعب.

فيما يتعلق بالقتال نفسه، يظن وزير الدفاع ورئيس الاركان أن وحدات الجيش الاسرائيلي التي تعمل في القطاع تُظهر روحا معنوية عالية، وتُكيف نفسها مع طبيعة المنطقة وتستخرج دروسا سريعة من اخطاء الايام الاولى. وكما كانت الحال في معارك سبقت سيكون مكان بعد ذلك لتحقيقات مفصلة. ومع ذلك تُبين معلومات تأتي من الميدان أنه وقعت أخطاء يبدو أنها تنبع من التأليف بين عدم تجربة القتال في منطقة مبنية في القطاع (كانت آخر مرة قام بها الجيش الاسرائيلي بذلك في 2009)، ومشكلات تخطيط ونقص من التدريب المركز بقدر كاف على تحدي القتال ولا سيما تحت الارض.

في وحدة أغوز التي منيت بقتيلين وأكثر من عشرة جرحى، دخل المقاتلون الميدان دون دروع واقية، عن تفكير بتخفيف الوزن الذي يحملونه والتمكين من حركة أسرع. وأُثيرت ايضا اسئلة تتعلق بحركة القادة قرب السياج الحدودي، في وقائع قرب نير عام وباري، وفي مركبات غير مدرعة أصيبت بنار المخربين الذين خرجوا من النفقين.

ويتعلق الخطأ الاكثر اقلاقا بالمركبة المدرعة من جولاني التي قتل فيها ستة جنود باصابة صاروخ مضاد للدبابات وما زال أحدهم مفقودا. ويتبين أن قادة كبارا من هيئة القيادة العامة لم يكونوا يعرفون ألبتة بأنه تقرر إدخال مركبة "زلدا" (إم 113) القديمة القابلة للاصابة الى داخل القطاع خلافا لسياسة العمل السابقة. وبعد الحادثة الصعبة فقط أصدرت قيادة المنطقة الجنوبية أمرا يحظر على هذه المركبات اجتياز السياج الحدودي.

استطاعوا في الجيش أن يستغلوا أمس استغلالا فعالا تلك الحادثة في الاختلاف في الميزانية الامنية، لكن ذلك ليس عرضا عادلا للامور. فالحقيقة هي أنه بعد الانفجار فورا اتجهت قوافل من مدرعات "النمر" و"أخزاريت"، التي هي أقوى تدريعا، من الشمال الى حدود غزة. فلم تكن توجد هنا مشكلة ميزانية بل مسألة تخطيط وتوجيه القوات.