تعديل المبادرة وليس رفضها

تحليل نتنياهو بين تحديات المقاومة وصيحات المتشددين وعجز الجيش

الساعة 11:29 م|16 يوليو 2014

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية (16/7/2014)

لا نبالغ إن قلنا ان المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار قد أصابت الفلسطينيين بالدهشة والاستغراب والاستنكار، بل وأكثر من ذلك، ليس لأنها تجاهلت التشاور مع أهل الحل والربط وأصحاب القضية وعنوانها، وانطوت على رسالة شديدة التعالي والاستخفاف بهم، على الرغم من أنها – حسب الاذاعة العبرية – نسقت مع دولة الاحتلال عبر التشاور والاتصالات المسبقة؛ بل لأنها تجاهلت عمداً المطالب الرئيسية الفلسطينية التي لها الأولوية على وقف العدوان، واستندت وتعاملت بغموض غير مريح مع مطلب رفع الحصار.

الأمر الذي أثار العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام عن أهدافها، فهل هي حقاً لوقف العدوان وحقن الدماء؟ أم لتقديم حبل الانقاذ لنتنياهو وتزويده بالمزيد من الشرعية في عدوانه؟

عملياً فإن المبادرة، بما انطوت عليه وما حصلت عليه من اجماع أعضاء جامعة العرب، قد كشفت ظهر المقاومة، ورفعت عنها الغطاء العربي في استمرار تصديها للعدوان، ومنحت العدو المزيد من رصيد الشرعية الدولية في عدوانه الهمجي.

ويتساءل المراقبون الفلسطينيون عن نية ودوافع أصحاب المبادرة، فهل أدركوا مسبقاً ان مبادرتهم ستكون مرفوضة من قبل المقاومة ومقبولة على الاحتلال؟ وهل كان الهدف الحقيقي منها هو نصب كمين للمقاومة لرفع الغطاء عنها وإظهارها على انها متمردة على الإرادة العربية، ومنح دولة الاحتلال المزيد من الشرعية الدولية الرسمية للمضي في عدوانه؟ أم ان الهدف هو سرقة الانتصار العسكري للمقاومة الذي بدا واضحاً من خلال قدرتها على ضرب كل مدن العدو بالصواريخ وعجز جيش الاحتلال عن المس بالقدرة العسكرية للمقاومة، وبالتالي العودة الى الأوضاع المأساوية ما قبل العدوان من حصار وخنق اقتصادي وعدوان اسرائيلي؟ وبالتالي فقدان أي جدوى للمقاومة التي ستظهر في هذه الحالة على أنها فقط جالبة للكوارث والتدمير لشعبها دون ان تقوى على تحقيق انجازات تبرر كل هذه التضحيات.

نتنياهو يقول بعد فشل وقف إطلاق النار ان أحد أسبابه للموافقة على المبادرة هو قناعته ان حماس سترفضها، وبالتالي فهو بموافقته سيكون قد خدم تعزيز العلاقة مع مصر، وخدم توظيفها وإشراكها في حملة نزع حماس والمقاومة من صواريخها، وان موافقته عززت شرعية استكمال العدوان.

مراقبون إسرائيليون علقوا على موقف نتنياهو انه بموافقته على التهدئة كان يريد ان يحصل على اجماع إسرائيلي أكبر لمواصلة الحرب في حال فشلت المبادرة، وحسب هؤلاء فإنه عندما سيضطر في هذه الحالة الى إرسال أبناؤهم للقتال فسيظهر انه مضطر لحرب لا خيار له فيها وقد فرضت عليه.

إن مصر السيسي تملك مكانة هامة وكبيرة لدى الحكومة الإسرائيلية، وينظر إليها دولياً على انها صاحبة الزعامة والقدرة على التأثير، وكان على مصر ان توظف دورها ومكانتها هذه في نصرة غزة وأهلها، ولم يكن المطلوب منها أكثر من ان تشمل مبادرتها في بندها الأول المطالبة بموافقة اسرائيلية فورية على رفع الحصار الكلي عن القطاع دون أي ربط باعتبارات أمنية أو سياسية.

كان مثل هذا الموقف سيحرج إسرائيل ويرمى الكرة في ملعبها، وكان سيجد من يؤيده من القوى السياسية الاسرائيلية التي تحدثت كثيراً في السابق عن ضرورة رفع الحصار، بما في ذلك أقوال لشخصيات أمنية وازنة؛ هذا علاوة على ان مطلب رفع الحصار بات مطلباً دولياً يحظى بإجماع أممي، وكانت مثل هذه المبادرة ستحظى بترحيب دولي، وترحيب من قبل الفلسطينيين، مما يربك ويحرج ويضغط الموقف الإسرائيلي، وما كنا في هذه الحالة نستبعد موافقة اسرائيلية مبدئية.

إن رفع الحصار الكلي على الأقل من الجانب الاسرائيلي (المعابر البرية) يعتبر مطلباً متواضعاً وانسانياً بالدرجة الأولى وقابلاً للتحقيق، وإن لم يرفع الآن فمتي سيرفع؟ إنها فرصة مؤاتية لرفعه، ورفعه يعتبر تعويضاً وإنجازاً يبرر التضحيات، بيد أن المبادرة المصرية التي تناولت ذلك بغموض وضبابية وربطته بالاستقرار الأمني قد زادت الأمر صعوبة وتعقيداً.

 

المطلوب تعديل المبادرة وليس رفضها

من جهة أخرى نعتقد ان الرفض العلني والقاطع للمبادرة فور نشرها وعبر وسائل الاعلام انطوى على تسرع وغابت عنه الحنكة؛ فحول صراعنا الى جبهة أخرى نحن في غنى عنها، وأظهر موقفنا بالتردد وعدم التنسيق، وكنا نعتقد ان مفردة عرفات (لعم) كانت الأكثر مناسبة بهدف التملص دون تحمل مسؤولية، وبهدف منحنا وقتاً للتأثير على الموقف المصري إيجاباً، وبهدف عدم تسهيل الموقف على دولة الاحتلال.

الآن وقد ازداد العدوان شراسة، ولا بد من الثبات والصمود، وفي نفس الوقت إدارة معركة سياسية هدفها كوي الوعي العالمي اننا لا نطالب الا بوقف العدوان ورفع الحصار، وتكثيف الاتصالات بهدف الضغط لتعديل المبادرة بما يوفر لنا التحقيق الفعلي والعملي لمطلب رفع الحصار.

 

الموقف الاسرائيلي

أما على الجانب الإسرائيلي؛ فإن قرار حكومة الاحتلال حتى الآن (صبيحة الأربعاء) توسيع العدوان بتكثيف القصف وتركيزه، بهدف الضغط على المقاومة لقبول المبادرة سوية مع استمرار التهديد بالمزيد من التصعيد.

نتنياهو يعيش مأزقاً سياسياً وعسكرياً، وهو في اختبار صعب على زعامته، فهو في عجلة من أمره للتهدئة، لأن كل يوم من استمرار القتال يكلف دولة تل أبيب (غوش دان) كثيراً، وهى الجبهة الأهم في إسرائيل، وهو بين سندان مطالب وصيحات المتشددين وممثليهم الذين يحثون لتعميق العدوان، سواء بدوافع الدعاية الغوغائية الحزبية الانتخابية أو بدوافع الكراهية والرغبة بالقتل، وبين سندان الجيش الذي يخشى توسيع العمليات على المستوى البري، وعليه فإننا نعتقد انه سيميل بعد ان يجرب المزيد من التصعيد إلى منح ضوء أخضر لمصر لإجراء تعديلات على مبادرتها تسمح للمقاومة بقبول التهدئة، إنها الربع ساعة الأخيرة، لا بد فيها من الصبر والحكمة والصمود.