تحليل أين أخطأت « إسرائيل » في تقديراتها؟

الساعة 07:04 م|10 يوليو 2014

غزة- متابعة

"الجرف الصامد" بدأ يتهاوى. سرعان ما انعكس الفشل الإسرائيلي في تصريحات مسؤولي إسرائيل وفي المعطيات الميدانية. خمسة ملايين إسرائيلي في مرمى صواريخ المقاومة. صواريخ رسخت معادلة جديدة وباتت تطال ديمونة وتل أبيب والقدس وحيفا إضافة إلى مواقع ومطارات عسكرية.

 واقع دفع وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الاعتراف بأن المقاومة نجحت في تهديداتها. أكثر من 860 غارة و600 طن من المتفجرات (بحسب القناة الإسرائيلية الثانية) لم تستطع أن تحقق أي هدف من أهداف العدوان بعد أربعة أيام على بدئه.

في هذه الأثناء السياحة في الجانب الإسرائيلي متوقفة. الاقتصاد طالته شظايا الصواريخ والارتباك واضح لدى قادة العدو. سلاح الجو يحمل شعبة الاستخبارات العسكرية مسؤولية الفشل في توفير معلومات عن الصواريخ. يديعوت أحرونوت تقول إن من يتابع الحرب الحالية في غزة لا يمكنه إلا أن يكون قلقا من الصورة التي ستكون عليها حرب لبنان.

المفاجآت تتوالى. إذاعة الجيش الإسرائيلي تنقل عن ضابط رفيع قوله إنه يقدر وجود عشرات الصواريخ من نوع M302 الذي انفجر في الخضيرة. الصاروخ السوري الصنع يصل مداه إلى أكثر من مئة كلم ويحمل رأساً متفجرة بزنة 120 كلغم. هذا وحده كاف ليقض مضاجع الإسرائيليين.

وفق القناة الإسرائيلية العاشرة فإن وجود هذه الصواريخ في غزة كان مفاجئاً للأجهزة الحربية. موقع "يديعوت احرونوت" ينقل عن ضابط آخر تأكيده وجود عدد من هذه الصواريخ وبكميات أكبر مما كان عليه الوضع خلال عملية "عمود السحاب".

انقلب المشهد عما كان عليه قبل سنوات. إعلان المقاومة أنها تمتلك بنك أهداف يؤكد ذلك. المصطلح اعتادت تل أبيب استخدامه لكنه بات اليوم مصطلحاً منتهي الصلاحية من جانبها. أما الأهداف التي وضعتها فهي محط تشكيك وسخرية الإسرائيليين أنفسهم وتلخصها يديعوت أحرونوت كما يلي:

- وقف تام لإطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل.

- ترميم الردع الذي انهار ازاء كل فصائل المقاومة في غزة من أجل التوصل الى فترة هدوء طويلة.

ضربة قاسية لمنظومة إطلاق الصواريخ، مع التشديد على الصواريخ بعيدة المدى، لكي يكون هناك صعوبة في المستقبل في انتاج واطلاق صواريخ بأعداد كبيرة.

- سحق قوة حماس السياسية وقدرتها على التأثير في الساحة الفلسطينية.

- تحقيق كل ذلك دون فقدان الشرعية الدولية.

الخبير الاستراتيجي والسياسات الدولية ممدوح عبدالمنعم يعتبر أن الجانب الإسرائيلي أخطأ في تقدير الموقف قبل العدوان، إذ كان يفترض أن الأوضاع في المنطقة لاسيما في سوريا ومصر تعطيه مساحة للتحرك، لكن الواقع جاء بنتائج معاكسة. يقدّر اللواء المتقاعد أن إسرائيل سوف تخسر كثيراً، "فاليوم هناك قوى عربية صاحبة قرار وهي قادرة على تفعيل هذا القرار وأولها مصر التي تجري اتصالات يمكن أن تؤثر على القرار الإسرائيلي ويمكن ان تؤثر على مصالح اسرائيل، فهناك ما يمكن أن يؤلم اسرائيل أكثر من المواجهة العسكرية ومن بينها تشديد الحصار الاقتصادي وإيقاف التعاملات معها ومساعدة الفلسطينيين في التوجه إلى المحاكم الدولية لا سيما محكمة الجنايات وهو أمر تخشاه تل أبيب".

وكما عسكرياً، خسرت إسرائيل المعركة السياسية والدبلوماسية. فأميركا بحسب قوله لا تستطيع اليوم أن تقف المواقف السابقة نفسها وتعيد تكرار الخطابات المدافعة عن إسرائيل والمتحيزة لها بالكامل. فأميركا لا تتحمل مثل هذه الإعلانات الآن بعد التغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط وانتفاضة الشعوب وسوف تقابل عند الشعب العربي بما لا يتلاءم مع المصلحة الأميركية لأن واشنطن تعلم أن الأوضاع اليوم ساخنة لا يمكن أن تتحمل أي مواقف أميركية باردة لصالح إسرائيل كما كان يحدث في السابق. ويدلل على كلامه بالإشارة إلى مقال نشر الخميس في صحيفة «دي تسايت» الأميركية وفيه يحثّ أوباما الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء "على ضبط النفس في الصراع المتصاعد بينهما وعدم التصرف بطريقة انتقامية"، وكذلك من خلال تصريح وزارة الخارجية الأميركية "عن القلق على سلامة المدنيين على الجانبين".

روسيا تدخل أيضاً من العناصر الجديدة في الصراع والتي ليست بالضرورة عنصر داعم لإسرائيل، ويتوقع عبدالمنعم مواقف روسية ضاغطة على إسرائيل في حال تطورت الأوضاع في الأيام المقبلة.

 ويرى في هذا السياق أن موسكو بات لها صوت عال وواضح وغير قادر عن الابتعاد عن أحداث الشرق الأوسط وهي من العناصر القادرة على التأثير والتي تحسب لها إسرائيل حساباً وتتفادى أي خلل في علاقتها معها بما لها من نفوذ وتأثير. هذا عدا عن تنامي القدرات والنفوذ الإيراني وتقدم النظام في دمشق وتململ الأردنيين من اصل فلسطيني والذين دعوا أخيراً إلى التوجه نحو السفارة الإسرائيلية في عمان وإحراقها.

ويتحدث اللواء المصري عن مفاجأة بعيدة من الإعلام في إسرائيل، فالأخيرة أدركت أن العنصر الجديد في هذه المعركة هم عرب 48 الذين تأثروا بالربيع العربي واكتملت العناصر الممهدة للانفجار نتيجة سياسة التضييق والعنصرية التي تنتهجها ضدهم. وانتبهت إلى أنها يمكن أن تفتح على نفسها باب جهنم إذا انتفضوا وأن المواجهة معهم في حال تطورت يمكن أن تتصاعد ولا تعود قادرة على ضبطها وسوف تشمل كل فلسطين بما فيها الضفة وغزة.

وعن توقعاته لطريقة نهاية هذه الجولة من المواجهة يقول عبدالمنعم إنها سوف تنتهي حتماً بضبط للنفس لأنه عدا عن المخاطر الكامنة على إسرائيل من فلسطينيي الداخل المحتل والتواصل بينهم وبين الضفة وغزة، هناك أوراق كثيرة استجدت في أحداث الشرق الأوسط وهي غير معلن عنها ولا تستطيع إسرائيل أن تواجهها.