خبر كرة النار تتدحرج إلى العراق.. علي عقلة عرسان

الساعة 02:02 م|13 يونيو 2014

وكالات

تدحرُج كرة النار في أرض العراق بهذه السرعة، واستنفار المذاهب والعشائر فيه، ودخول قوات نظامية إيرانية إلى مناطق حدودية مع العراق مزودة بأوامر للتدخل الناري، ودعوة تركيا أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى اجتماع على مستوى السفراء لبحث ما يجري في المناطق العراقية المحاددة لها، واستنفار دول المنطقة ودول أخرى في العالم على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي زرعت الفوضى والدمار والإرهاب في بلداننا ولا سيما في العراق، واستعداد واشنطن وباريس لتوجيه ضربات جوية عاجلة لداعش في العراق، وإعلان راسموسن الأمين العالم للحلف على هامش الاجتماع بأن " الناتو لا يملك تفويضا لتسوية الوضع الأمني في العراق"، في إشارة منه مفادها طلب التفويض الذي ستقدمه جامعة الدول العربية مع قرار بتغطية مالية للتدخل يقدمها عرب مكلفون "بالاستثمار" في "الفوضى الخلاقة " والإرهاب والخراب وفي حروب عربية ـ عربية وعربية إسلامية، يريدها الغرب تنفيذاً لاستراتيجياته وحماية لمصالحه ولمصلحة ربيبته " إسرائيل".. كل ذلك يعيدنا إلى مرحلة من مراحل تطور العنف في سورية ودخوله حالة حرب ومواجهات ذات طابع مذهبي " سني ـ شيعي"، حيث قلنا وقال سوريون وعرب في تلك المرحلة إن كرة النار سوف تتدحرج وتشعل المنطقة، وإن ما يجري في سورية لن يتوقف عند حدودها بل سينتشر في البلدان المجاورة ويهدد المنطقة كلها، وسيجعل دول العالم الأخرى تتأثر به سلباً بأشكال مختلفة، وسيقود كل ذلك إلى تفاقم حدة الإرهاب العالمي وتهديد السلم الدولي، وإلى مواجهات بين قوى دولية لا تحمد عقباها.. ولكن الآذان الصماء، والرؤوس الحامية، والمعارضات المرتبطة بالمخططات التآمرية، وتلك التي تعمل وفق برامج الأعداء لفساد شامل فيها، والسياسات القاصرة الضيقة الأفق المحدودة الرؤية، البعيدة عن جوهر المسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية بأعادها الأخلاقية، والمخططات الغربية ـ الصهيونية الإجرامية، وأشكال القهر والظلم والتسلط الذي فجر تطرفاً طائفياً ومذهبياً مقيتاً، وحسابات مغلوطة كثيرة لأشخاص وأحزاب ودول وأعراق كانت تتعايش في البلاد بأمن ووئام.. كل ذلك وسواه مما لا يتسع المجال لحصره، أوصلنا إلى مشهد كارثي بعد مشهد كارثي في سورية التي ما تزال نهباً للحرب المجنونة، وإلى كوارث أخرى في الحرب التي اشتعلت ىمجدداً في العراق، وهي حرب لا يمكن التحكم بتفاصيلها وحدودها وتفاعلاتها ونتائجها، ومما لا شك فيه بأنها من نتائج ما زرعه الأميركيون والبريطانيون في ذلك البلد بغزوهم الإرهابي له، ومما انتجه التطرف المذهبي الي حصد الكثير من أرواح العراقيين في سنوات ماضية وعاد الظلم والتمييز والاضطهاد والاستقواء بالآخرين ليجدد المواجهات الدامية على الأرضية ذاتها، أرضية تخريب العراق وتمزيقه وزرع الفتنة والفوضى فيه، وجعله مسرحاً للإرهاب والاحتراب والخراب، ولكل ما أسست له سياسة الأميركيين والبريطانيين والصهاينة من شرور، تلك التي قال عنها وزير الخارجية الروسي لافروف قبل يومين، معبراً عن قلق بلاده مما يجري: "إن التطورات الأخيرة في العراق دليا على الفشل التام للمغامرة التي قامت بها واشنطن ولندن في هذا البلد."؟! على أننا نختلف مع السيد لا فروف في الاستنتاج، لأنه فيما بدا من كلامه يرى أن المعتدين هدفوا لتغيير وتدبير قد يكون فيهما أو قد يؤديان إلى " خير" فكانت النتيجة غير ذلك لسوء في التقدير والتدبير.. لكننا نرى غير ميرى، لأن الشر المطلق هو ما حكم ذلك العدوان الصارخ الصريح، ولأن "الحرب الصليبية المقدسة" كما عبر عنها الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن في ذلك الحين ومعه رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، هي التي قادت خطوات المعتدين في عدوان مدبر افتُعلت له الذرائع الكاذبة.. وتدمير العراق وتمزيقه من بعد وزرع الفتنة فيه والاستيلاء على ثرواته النفطية.. إلخ، كل هذا وسواه كان من أهداف العدوان المدبر الذي قام على الافتراء المكشوف ورسيس صليبي ضد الإسلام معلن عنه بمواربة لا تخدع ذوي الباب.. ولا يمكن أن يكون في تدمير بلد وشعب وزرع الفتنة والفوضي فيهما وفي تفاصيل السياسة والمجتمع والحياة والثقافة وفي الدساتير والقوانين.. ابتداء من تركة بريمر الثقيلة وانتهاء بما بني عليها واشتق منها ونتج عنها، ومنه الشكوى المرة المزمنة من تدابير رئيس وزراء العراق نوري المالكي وسياساته.. لا يمكن أن يكون في ذلك بعد روحي ـ إنساني ولا رغبة في تغيير بناء ينتظر منه الخير، ومن ثم فإن ذهاب الوزير لافروف في استنتاجه إلى القول بأنه " فشل" هو منتهى النوايا الحسنة، وتغليبه الفشل والخطأ على التآمر والتدابير التدمييرية المبيتة فيه حسن أخلاق أو مجاملات ديبلوماسية تفوق حد الاحتمال.. ونرى أن مخطط أعداء العراق والأمة العربية الذي تمثل في الحرب التدميرية الشاملة وزرع الفتنة وفرض الهيمنة قد نجح بكل ما فيه من شر.. وهاي الأحداث تعبر عن ذلك يوماً بعد يوم وحدثاً بعد حدث، إذ لم يهدأ العراق ولم يتخلص من أشكال الفتنة ومن القتل والسيارات المفخخة والانشقاقات والخروج على القواني والدستور واللجوء للمارسات الظالمة وممارسة الفساد المفسد المميت بألوانه وأشكاله.

كرة النار تدحرجت إلى العراق بقوة وسرعة، وساء أكانت داعش الطرف الوحيد أو الرئيس أو رأس التحالف في الحدث الجاري فإنها لبست أو ألبست ثوب السنة في مقابل الشيعة، وتلك طامة من الطوام الكبرى في تاريخ العراق والأمة.. وهذا لا يعني بحال من ألحوال أن نيران حرائق تلك الكرة النارية المتدحرجة قد انطفأت في سورية، بل يعني أن البلدين أصبحا مسرحاً للحرب/ الكارثة والفتنة الماحقة، وأنهما جاذبتان للعنف والإرهاب والحرب والخراب، وأن النار ستمتد منهما إلى بلدان أخرى وفئات أخرى في بلدان عربية وإسلامية، يكمن فيها الجمر المذهبي والشحن الطائفي تحت الرماد.. وستكون تلك من أمهات الكوارث إذا لم يتم تدبر الأمور فيهما بحكمة وسرعة، وعلى مستويات داخلية وعربية وإسلامية وإقليمية ودولية.. وذاك أمر مستبعد الحدوث فيما يبدو قياساً على ما شهدناه ونشهده من تعامل مع الحدث الكارثي في سورية طوال السنوات الثلاث الماضية، وقياساً على ما نشاهده من صراع دولي واستنفار وتحشيد واستعداد للتدخل السريع في العراق من جانب أطراف تتنازع الزعامة العالمية وتسعى لمصالحها، وتتبادل التهديد وعدم الثقة وربما الخداع، ومن قبل أشخاص على أرض الواقع/الحرب/ الفتنة.. يمضون في اقتتالهم مستندين إلى " اعتقاد جازم" بأنهم على حق بل على أبواب النصر.. وذاك انخداع شديد، إذ لا نصر ولا منتصر في هذه الحروب المجنونة التي تشنها عقول مريضة وتشنها دول على الشعوب، ولا يوجد منتصر فعلاً فيها إلا لأعداء الشعوب على الشعوب، ولأعداء الخير والعدل والحق والحرية والتستمح والإنسانية في العالم الذين تحولوا إلى وحوش في أثواب بشر يحركهم جشع مادي وعدواني مستحكمة وانعدام تام للروحاني والأخلاقي والعقلاني، مع ادعاء عريض بأنها دوافع الحركة والتحريك السياسي والعسكري والثقافي.. إلخ.

ليس المهم الآن متابعة تطورات الحدث، فكرة النار المتدحرجة لا تشعل محور تحركها فقط وأنما قد تتشظى كرات تشعل كل واحدة منها محوراً وتنتشر ناره وقد تتشظى هي الأخرى.. ولا مأمن لأحد في ظل زوبعة النار والجهل والتطرف والإرهاب السياسات العقيمة.. وقد شهدنا قتلاً على الهوية في أحداث طائفية ومذهبية وعرقية، عرفنا ذلك في لبنان الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، وفي العراق في مراحل من الاحتلال واضمحلال الرؤية الوطنية والقومية والدينية السليمة، وفي مراحل من الحرب/ الكارثة في سورية، وعرفته شعوب ودول وأقليات في أنحاء كثيرة من العالم بما في ذلك أوربا، وعرفته البشرية عبر تاريخها الطويل.. وما ندعوا إليه ونتمناه ونرغب في الوصل إليه ونحث عليه.. هو وقف انتشار القتل والشحن المذهبيين والطائفيين والعرقيين، ولجم التطرف أياً كان مصدره، ورفع الظلم والقهر والاستبداد الذي يسبب ضجيج الدم في العروق، وثوران القلوب والأرواح، ويقود الشعوب والفئات والجماعات والأقليات والأفراد إلى التمرد والثورة طلباً للعدل والحرية والمساواة ودفاعاً عن النفس والكرامة والمعتقد.. وقيام الساسة المعنيين بجهد خلاق بناء ملحوظ لرؤية حقيقة ما هم عليه من حال وأفعال وممارسات وأقوال، بعيداً عن البطانات السيئة أو القاصرة أو المسكونة بالجهل والتطرف والغَلبة والشر، في توجه عقلاني ـ إنساني ـ مسؤول منها لمراجعة الذات والسياسات والتدقيق في " العصبويات" وصولاً إلى فهم الواقع والتحكم بالوقائع وفي تفاعلات الإرادات والأحداث وأشكال التدخل في شؤون البلاد والعباد من أعدائها عبر أدوات وعملاء وقاصرين يبحثون عمن يعيلهم ويخدمونه.. والساسة هم مسؤولون عن وقف تدحرج كرة النار في عرض البلاد وطولها، مسؤولون بالقول والفعل وعن القيام بمبادرات خلاقة، حتى لو اقتضى الأمر منهم التضحية " بالعَظَمَة؟!" المكتسبة من موقع تكلسوا فيه بعد أن اغتصبوه أو اغتنموه أو وصلوا إليه بحق ومارسوا فيه ما يطعن الحق في الصميم.. إن من واجبهم التضحية بالغالي والنفيس حتى بالنفس، والتنازل بكبرياء الوطنيين والحكماء عن " عَظْمَة" هي السلطة، وإنها لكذلك عند من يرى إلى الدنيا بمنظار الآخرة، وإلى الآخر بمنظار الإنسانية والدين الحق، والسلطة فعلاً " عَظْمَة" وعبء عند من يرى فيها خدمة خالصة للناس بتقوى الله ومعرفة الحق وتحكيم الشرع.. وحين يضحي الساسة برمي تلك "العَظْمَة"، أو ينضون/يخلعون العظَمَة عن قاماتهم المهيبة كما ينضون الثوب الخَلِق ويتجردون مما ينسب إليهم من ظلم وتسلط وجور وممارسات رهيبة، فإنهم يحقنون دماً، وقد ينقذون بلداً وشعباً، وينزعون فتيل فتنة، وينتصرون على أعداء الأمة الذين يكيدون لها، وينصرون العدل والحق والحرية والإنسان، ويقدمون قدوة حسنة، ويقيمون قوائم دولة مدنية حقيقية، إن لم يكن يعنيهم شرع الله في شيء مما يتصل بالدولة والسياسة الناس..

إن دعوة حكيمة تبادر إليها جهة عربية أو غسلامية مسؤولة، لاجتماع عاجل يحضره " متخاصمون" من رؤساء دول وقيادات معنية مباشرة بما يجري في سورية والعراق، وبتطورات الأمر في العراق ومن ثم انتشاره إلى دول الجوار، وبكل ما قد ينشأ من/وعن تدخل عدواني غربي " أميركي ـ فرنسي ـ بريطاني ـ صهيوني .. إلخ" في هذا الشأن، وقيام المجتمعين بفعل منقذ عبر قرارات تتسم بالحكمة والرشد والمسؤولية التاريخية حيال ما يحدث وما قد ينشأ عنه من تطورات، ودعوة كل جهة قادرة على فعل إيجابي في هذا المجال للاجتماع أو المشاركة في اتخاذ القرارات المناسبة.. فعل مطلوب يعلي شأن من يبادر إليه ومن يشارك فيه ومن يعمل من أجله بشرف وصدق ونية حسنة، وهو فعل قد يوقف الحرب/الكارثة وتدحرج كرة النار من مدينة إلى أخرى ومن دار إلى دار، أو قد يحدّ من ذلك ويلجم التهور والتطور الكارثي على أقل تقدير.. نعرف جيداً أن هناك عنجهيات ومكابرات وعنتريات تضع نفسها فوق..  وأنه هناك جهات وشخصيات تكابر وترى أنها أكبر من ذلك، وقد ترى أيضاً أن لا جدوى من الاجتماع انطلاقاً من تصلبها في مواقفها ومقاعدها وتمترسها في مواقعها وحول ما تراه الحق من وجهة نظرها.. ولكن حياة البشر هي الحق، ومستقبل العراق وسورية واي بلد تمتد إليه نار الفتنة هو من الحق، وأن تحدي التدخل الخارجي والتآمر على الأمة يصب في مجرى الحق.. و.."، وكل ذلك أهم بكثير من كبرياء العظام المتكلسة الآيلة إلى النخر فالتفتت، ومن تطرف المتعصبين الآيل إلى الخسران، وأقوى من كل من يستندون إلى القوة وليس إلى الحق.. فهل نشهد يا ترى مبادرات رفيعة السوية والمستوى، تضع حداً للكارثة على أساس من العدل والحكمة ومخافة الله وحكم الإسلام ونسب العروبة، وتقيم نصاب الحكم والعلاقات فيما بينها على أساس من الحق والعدل واحترام المواطَنة والقانون والإنسان، وتلجم غي الاجتثاث أياً كان المجتث لتقيم العدل بالقانون ونزاهة القضاء والدولة بالعدل والعقل، بعيداً عن التسييس التعس، والتبخيس والتيئيس.. أم ترانا نلغ في الدم إلى آخر ما في العروق من قطراته، ونعتز بالإثم ونوغل في الفتنة طول الحياة، ونجعل الأمتين العربية والإسلامية تدفعان ثمناً باهظاً يفرضه عليهما الجهلاء والجاهليون والمنافقون والمتطرفون والعملاء والمتنطعون للأمر دون فهم أو مسؤولية أو عدل أو كفاءة.. فنبقى في مناقع الدم ومستنقعات الفتنة وبؤر الشر إلى ما شاء الله.. والله سبحانه لا يريد بنا ولا يريد لنا الشر، وقد نهانا عنه وحملنا مسؤولية اقترافه، وإنما يريد بنا ولنا الخير الذي حببه لنا ووعدنا بحسن الجزاء عنه، وقد هدانا النجدين وحمَّلنا مسؤولية الاختيار بحرية الراشدين، وسوف يحاسبنا على ما نختار، بعدل إلهي هو الحق يوم لا عدل إلا عدله؟!

نسأل الله تعالى الرشد والرشاد لكل مسؤول من مسؤولينا في أي موقع كان، وعلى أي مستوى يكون، ونسأله أن يلجم الطغاة والغواة والبغاة، وأن يثبت من هو على الحق والرشد في مواقع الحق والرشد، وأن يرشد من في قلبه ذرة إيمان وتقوى إلى فهم صحيح للدين وتصرف بما تمليه سماحة الإسلام على المسلمين، ونؤكد على كل معنيٍّ بما يجري في بلادنا المنكوبة ببعض أبنائها وبحقد أعدائها عليها، من عسكريين ومدنيين وسياسيين ومجاهدين ومتطرفين وإرهابيين و.. و.. أن يصون الحياة والشعب والبلاد والدين من الفتنة والفساد والإفساد.. إنه سميع مجيب.

دمشق في 13/6/2012

علي عقلة عرسان