لن تكون أزمة رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، العقبة الأولى في طريق المصالحة الفلسطينية، والتي تهدد بفشل التوافق بين حركتي "فتح" و"حماس"، فأمام الحركتين "أزمات" كبيرة أخرى، وملفات ساخنة، حسبما يرى مراقبون فلسطينيون.
واتفق مراقبون، على أن تلك الملفات لن تجد إجابات حاسمة على أرض الواقع، ما ينذر بفشل المصالحة، وعودة الأمور على ما كانت عليه قبل سنوات الانقسام السبع (2007-2014).
ويرى "هاني المصري" المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي)، أنّ أزمة رواتب موظفي حكومة غزة السابقة التي تفجرت في وجه حكومة التوافق بعد أقل من أسبوع على تشكليها لن تكون الأخيرة.
وبعد ثلاثة أيام فقط على إعلان حكومة التوافق الوطني الفلسطيني، انفجرت أزمة رواتب موظفي غزة في وجه اتفاق المصالحة، إذ لم يستلم موظفو حكومة حماس السابقة في غزّة رواتبهم أسوة بنظرائهم التابعين للحكومة السابقة في الضفة الغربية.
ولأسبوع كامل أغلقت الشرطة في غزة كافة فروع البنوك الفلسطينية العاملة في القطاع، قبل أن تعيد فتحها أمس الأربعاء، وسط خلاف دائر وتضارب في التصريحات، بشأن هذه الأزمة بين طرفي المصالحة الفلسطينية ممثلة بحركتي فتح وحماس.
وأضاف المصري في حديث لوكالة الأناضول أن حكومة التوافق الوطني تبدو عاجزة أمام هذا الخلاف، وأن ذات الأمر سيتكرر مع الأزمات القادمة التي ستنفجر في وجه المصالحة الفلسطينية.
وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، وقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان الماضي، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وأعلن في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، عن تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية.
ويتساءل المصري عن مصير حكومة التوافق، والمصالحة في حال تفجرت الألغام الأخرى، ومن بينها عدم الاتفاق على آليّة عمل "معبر رفح"، ومن سيتواجد هناك الحرس الرئاسي على أساس "اتفاقيّة المعبر" العام 2005، أم الشرطة التابعة لحكومة حماس السابقة.
وشدد المصري على أنه دون الاتفاق على "ركائز المصلحة الوطنيّة العليا" التي تجعل مختلف القوى تغلِّب المصلحة الوطنية على أي ارتباطات وتدخلات أخرى، سيكون مصير المصالحة هو "الفشل".
وكان رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح "محمود عباس" قال في تصريح الأحد الماضي إنّ معبر رفح لن يفتح إلا بوجود قوات حرس الرئاسة وفقا لاتفاقية المعابر 2005
وترفض حركة حماس فتح معبر رفح وفقا لاتفاقية المعابر 2005، وتقول على لسان عضو مكتبها السياسي "موسى أبو مرزوق" إن هذه الاتفاقية انتهت، وأن الشراكة السياسية على المعبر يجب أن تكون هي "الأساس" في فتح المعبر.
وتنص اتفاقية المعابر الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 على تولي طواقم حرس الرئاسة الفلسطينية ومراقبين أوربيين إدارة المعبر.
وسيمثل عودة المجلس التشريعي إلى العمل، وانعقاده من أجل منح الثقة للحكومة أزمة أخرى بين حركتي حماس وفتح، كما يؤكد "هاني البسوس" أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة.
ورأى البسوس، في حديث لوكالة الأناضول أن عودة انعقاد المجلس الذي تملك حركة حماس "أغلبيته"، سيشكل تحديا مع حركة فتح والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وتابع: " الرئيس يقول أن الحكومة تمثل برنامجه السياسي، فكيف يتم منحها الثقة والمراقبة على عملها من قبل مجلس تسيطر عليه حركة "حماس"."
وفازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي عقدت في يناير 2006، حيث حصدت 76 مقعدا من أصل 132، فيما حصلت حركة فتح على 43 مقعدا، فيما توزعت المقاعد الـ13 الأخرى على فصائل أخرى ومستقلين، وانتخب عزيز دويك، القيادي في حركة حماس من الضفة الغربية، رئيسا للمجلس.
وشكّلت حماس حكومة بمفردها، ترأسها إسماعيل هنية، لكنها اصطدمت بحصار دولي مشدد.
كما تطورت خلافات سياسية مع حركة فتح، إلى صراع مسلح انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة منتصف يونيو/ حزيران من العام 2007.
ومنذ ذلك الوقت، تعطّل عمل المجلس التشريعي، ورغم انتهاء ولايته، عام 2010، (حسب القانون الذي يحدد ولايته بأربع سنوات) إلا أنه لم تعقد انتخابات جديدة، في أراضي السلطة الفلسطينية.
وستواجه حكومة التوافق أزمة كبيرة في توحيد الأجهزة الأمنية وفق ما يرى "توفيق أبو شومر"، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة في رام الله.
ويقول أبو شومر لوكالة الأناضول إن حكومة التوافق تواجه تحديا كبيرا، يتمثل في وقف الممارسات التي يرتكبها أفراد الأجهزة الأمنية سواء في قطاع غزة أو الضفة.
وتابع أبو شومر: " تتصرف الأجهزة الأمنية وكأنها تابعة للحكومتين السابقتين، وهو أمر ينعكس سلبا على مستقبل المصالحة، وينذر بفوضى، ويجب الإسراع في توحيد الأجهزة الأمنية، فاليوم هناك إغلاق للبنوك في قطاع غزة من قبل الشرطة التابعة لحكومة غزة السابقة، وبقاء الأجهزة الأمنية خاضعة لسيطرة الفصائل والأحزاب يعني أننا أمام كارثة حقيقية".
ولم تقدم حركتا فتح وحماس أي إجابات واضحة ، حول عمل الأجهزة الأمنية، وطبيعتها.
ومن بين الأزمات التي ستعترض طريق المصالحة تفعيل ملف منظمة التحرير الفلسطينية، إذ طالبت حركة حماس مؤخرا بضرورة الإسراع في عقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.
وتوصلت الفصائل الفلسطينية، إلى اتفاق في القاهرة عام 2005، ينص على تشكيل إطار قيادي مؤقت لمنظمة التحرير، كخطوة أولى في مسار إصلاح المنظمة، ويضم هذا الإطار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وممثلي الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي، ويعتبر خطوة أولى لإعادة بناء المنظمة.
وكانت حركتا فتح وحماس قد اتفقتا على عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت بعد أربعة أسابيع من اتفاق المصالحة، ولم يتحقق الاجتماع رغم مرور 5 أسابيع على الاتفاق.
وفي كل يوم ستظهر أمام حكومة التوافق، والمصالحة العديد من العقبات بسبب الخلاف بين حركتي فتح وحماس على كثير من القضايا السياسية، كما يرى المحلل السياسي، والكاتب في بعض الصحف الفلسطينية المحلية، مصطفى إبراهيم.
ويقول إبراهيم لوكالة الأناضول إنّ اتفاق المصالحة تم بسبب أزمة حركتي فتح وحماس، ولم يكن بدافع المصلحة الوطنية.
وتابع: " في كل يوم سيرتفع سقف الخلاف الخلاف، هناك أزمات وملفات عالقة لم يتم حلها قبل التوقيع على المصالحة، وتم ترحيلها لحكومة التوافق الوطني، وهو ما سيدفعنا لصورة ضبابية ونشوب خلافات بين حركتي فتح وحماس قد تفتح الباب على مصرّاعيه لتدهور خطير في الأوضاع لتعود على ما كانت عليه في عام 2007 وربما أسوأ".